الدراما التلفزيونية.. مشاهد ساخنة ومحتوى جريء
الدراما التلفزيونية.. مشاهد ساخنة ومحتوى جريءالدراما التلفزيونية.. مشاهد ساخنة ومحتوى جريء

الدراما التلفزيونية.. مشاهد ساخنة ومحتوى جريء

لم تعد الدراما التلفزيونية وسيلة للتسلية والترفيه وتزجية الوقت، فهي تسعى، منذ انطلاقة البث الفضائي قبل نحو عقدين، إلى اقتحام المحظور والجهر بالمسكوت عنه عبر مضامين وقوالب جريئة تطرح أسئلة شائكة حول واقع عربي مضطرب.

وهذا التحول الدرامي فرضه انتشار الفضائيات المستقلة التي شكلت متنفسا للتعبير عن الأصوات والاتجاهات المتباينة، وأتاحت المجال أمام شرائح من مختلف المرجعيات والمشارب والتيارات للتعبير عن تطلعاتها وطموحاتها بعد عقود من الصمت القسري، وكان للدراما التلفزيونية نصيب وافر من هذا الانفتاح.

وإذا كان القائمون على التلفزيونات الوطنية المحلية قد التزموا بتغييب الثالوث المحرم المتمثل في "الجنس والدين والسياسة"، فإن الفضائيات المستقلة انتهكت هذا المحظور، وعطلت مقص الرقيب الذي كان كريما في الحذف؛ بخيلا في البوح والمكاشفة، فهذا الرقيب كاد أن يفقد وظيفته إزاء التطور الهائل لوسائل التواصل العابرة للحدود والجغرافيات والقارات.



إن نظرة سريعة إلى الدراما العربية وخصوصا المصرية والسورية التي انتجت في السنوات الأخيرة تظهر هيمنة عناوين، لم تكن مألوفة حتى وقت قريب، من قبيل الخيانة الزوجية، والمثلية الجنسية، والدعارة، وسفاح القربى، والحب الحرام والعنف الأسري وقضايا الطلاق وحضانة الأطفال، وتعاطي المخدرات والإدمان على الكحول..وسواها من المواضيع الصادمة التي أربكت الذهنية الرسمية التي كانت تلمع الواقع بكثير من التضليل والخدع.



وترافقت مع هذه العناوين الجديدة أشكال وأساليب فنية تتوائم مع هذا المحتوى الجريء، فبتنا نشاهد لقطات ساخنة على السرير، وحالات حب حميمة، وتطلب ذلك جرأة من الممثلات في الكشف عن مفاتن الجسد مع سخاء في شق الفساتين تكشف عن السيقان والصدور والأرداف، ناهيك عن حوارات تعبر عن اللوعة والعشق الدافئ حينا، أو تنقل شتائم بذيئة وفاحشة في أحيان اخرى، كما هي الحال في مسلسلات مثل "قلم حمرة" و"العشق الحرام" و"صرخة روح" و"سرايا عابدين" وغيرها.
ولم تقتصر الجرأة على المواضيع والقضايا الاجتماعية، بل امتدت كذلك الى الحيز السياسي إذ تتناول الكثير من المسلسلات الفساد الحكومي وظاهرة الرشاوى المتفشية في الدوائر الرسمية، وانتشار البطالة، ومظاهر العنف والصفقات المشبوهة، وحياة البذخ التي يعيشها المسؤولون، واساليب التعذيب الرهيبة في المعتقلات... وغيرها من الملفات التي لا يقر بها، عادة، الإعلام الرسمي.

ووفقا لذلك، فإن دور الإعلام الرسمي الذي كان سائداً في ظل غياب الخيارات، قد انحسر كثيرا، فالمشاهد الذي كان يضطر لمتابعة تلفزيونه المحلي "الوطني" باطمئنان حيناً، وتشكيك أحياناً، وتذمر في كل الأحايين، وجد أمامه فضاء واسعا ورحبا تتنافس فيه الشاشات على نحو غيرت معه التقاليد الرسمية الراسخة، ومحت الحدود بين الوطني والإقليمي والدولي.

ولم تكن الفضائيات المستقلة هي الوحيدة التي أحدثت هذا التغيير الدرامي، بل ثمة شركات انتاج تلفزيونية أخذت على عاتقها مهمة الانتاج التلفزيوني من دون التقيد بمعايير أخلاقية كانت تفرضها شركات انتاج حكومية.
والواقع ان تلك المعايير تبدو ساذجة، بالمعنى الجمالي والفني، فهي كانت تحرم مثلا العناق بين أم وابنها العائد بعد غياب طويل من السفر، وكانت تحرم، كذلك، إغلاق باب غرفة على زوج وزوجة بمفردهما، ناهيك عن مشاهد التدخين أو جلسة سكر وسواها من السلوكيات السائدة في المجتمع غير أنها كانت ممنوعة دراميا.



ويرى بعض النقاد أن ما نراه حاليا في الدراما التلفزيونية ليست جرأة بمقدار ما يمثل قطيعة مع الإرث الدرامي الرسمي، وبالتالي هي تعبير صادق عن حرارة المجتمع وضجيجه وصخبه، ولم تعد المشاهد التمثيلية تدور بين جدران الاستوديو المغلقة بل خرجت الكاميرا الى رحابة الواقع كي ترصد ما يدور فيه بسلبياته وايجابياته من دون رتوش أو تزيين حتى تحولت الدراما إلى نوع من التوثيق للمجتمع بكل أمراضه وعيوبه.

وثمة من ينتقد هذه الجرأة إذ يرى فيها نوعا من الاستسهال والابتذال، ذلك أن ثمة خيطا واهيا يفصل بين الجرأة وبين الوقاحة التي تهدف إلى الإثارة المجانية. لكن في مجمل الأحوال تبقى هذه الجرأة مطلوبة للكشف عن العيوب، ولخلق نوع من المنافسة بين صناع الأعمال الدرامية الذين راحوا يجتهدون لتقديم قصص وروايات مؤلمة وقاسية ضمن صيغ وأشكال تعبيرية وفنية مقنعة ومقبولة.



والمفارقة، أنه وبالرغم من هذا الجو الدرامي الليبرالي، إذا صح التعبير، فإن الفضائيات الرسمية لا تزال متمسكة بلغتها الخشبية التي عفا عليها الزمن.

ورغم محاولة الفضائيات الرسمية إظهار نوع من الانفتاح سواء عبر برامجها أو مسلسلاتها، غير أن هذه الخدعة سرعان ما تكتشف، وما على المرء سوى "صبر ساعة" لمتابعتها، حتى يتأكد من سذاجة المادة الإعلامية الرسمية، فلا يجد المشاهد من خيار أمامه سوى الضغط على زر الريموت كونترول سريعا ليتجول في فضاء لا يعرف الحدود والقيود والمحظورات، فالحياة، بكل تفاصيلها وتعقيداتها، تحولت إلى صورة على شاشة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com