جنون لبناني
جنون لبنانيجنون لبناني

جنون لبناني

جنون لبناني

مارلين خليفة

أشار تقرير أخير للبنك الدّولي الى أن 40 في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خطّ الفقر متوقعا أن ينحدر زهاء 170 ألف مواطن لبناني لما دون هذا الخطّ. تقرير البنك الدّولي المبني بلا شكّ على معلومات واستقصاءات موثقة للواقع المعيشي اللبناني هو صحيح "نظريا" وينطبّق على أكثريّة الشعب اللبناني "الكادحة" كما يطلق عليها بالعامية اللبنانية. لكنّ هذه الأكثرية غير ظاهرة للعيان، ليس لزائر لبنان فحسب وإنّما أيضا لكثير من اللبنانيين أنفسهم.

يبلغ الحدّ الأدنى للأجور حوالي 500 دولار يحتاج المواطن لأن يدفع منها إيجار المنزل، (لا يقل عن 350 أو 400 دولار حتى في المناطق الشعبية)، ولأن يدفع فواتير الكهرباء للدولة وللمولّد الكهربائي وللمياه التي تبقى مقطوعة، ولأن يأكل ويشرب ويعلّم اولاده. بالطبع فإن هذا المبلغ لا يكفي، ما يرغم السواد الأعظم من اللبنانيين على زيادة ساعات عملهم: عمل قبل الظهر وآخر بعد الظهر... أو الإستعانة في أفضل الأحوال بقطعة أرض أو عقار يبيعونه لسدّ حاجاتهم على المدى القصير.

هذا الواقع تعاني منه شريحة واسعة لا ينطق بإسمها أحد. لأن الأقلية الميسورة لا تبالي بمن هو أدنى منها بقدرته الشرائية.

والمأساة اللبنانية تكمن في أن الأكثرية الساحقة من اللبنانيين باتت تعيش على القروض وتمضي حياتها تسدّد الفوائد المتراكمة. فاللبناني لا يرحم اللبناني، والمظاهر هي الأساس في الحياة الإجتماعية: عليك أن تقتني سيارة فارهة وهاتفا خليويا إن لم يكن إثنان وأن ترتدي "الماركات" وأن تسهر في أفضل الأماكن وترتاد أفضل المطاعم، وعليك أن تجلب لزوجتك "العاطلة عن العمل" خادمة... الى ما هنالك من كماليات لا نعثر عليها في المجتمعات الغربية.

ولعلّ هذا النمط اللبناني الشاذ جعل المسؤولين في الدولة يتغاضون عن الإرتفاع الجنوني في الأسعار سواء في المواد الغذائية الأساسية كالحبوب واللحوم والخبز أو في أسعار العقارات التي استحالت جنونيّة، فمنزل في الرملة البيضا في بيروت قد يكون أغلى من فيللا في باريس!

بأي حال إنه نمط مرضي ومتعب يعيشه اللبناني، وهو مرغم على اتباعه بفعل انتشاره في المجتمع... ولعلّه يجدر بالبنك الدولي وبالمؤسسات المعنية دراسة الظاهرة اللبنانية التي تتبدّى بجنونها كلّه في الأعراس الفخمة التي يقيمها لبنانيون حتى من الطبقة المتوسطة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com