"موضوع عائلي": الملهاة والمأسآة بإيقاعات مدروسة

"موضوع عائلي": الملهاة والمأسآة بإيقاعات مدروسة

في ظل الخيارات الدرامية الكثيرة، بات من الصعب أن يحظى مسلسل بالمتابعة والاهتمام، ما لم تتوفر فيه عناصر جذب مسبقة من قبيل أسماء النجوم الكبار أو البذخ الإنتاجي.

لكن المسلسل المصري "موضوع عائلي" استطاع أن يلفت الانتباه ويحقق نسب مشاهدة عالية، عبر الجمع الموفق بين الملهاة والمأساة في إيقاعات مدروسة ومضبوطة بعناية.

المسلسل الذي انتهت منصة "شاهد" من عرضه مؤخرًا، يحمل عنوانًا تقليديًا لا يجذب البتة، ولا يضم نجومًا من الصف الأول باستثناء بطله ماجد الكدواني، ولا يعد كذلك بالإبهار البصري، لكنه مع ذلك تصدر "الترندات"، واحتل الصدارة في قائمة الدراما المفضلة.

لعل السبب الأول في نجاح العمل هو النص المكتوب بعناية دون ابتذال أو ثرثرة مجانية، بل يظهر خفة الدم المصرية بأبهى أشكالها

مسسلسل "موضوع عائلي" هو فكرة وإخراج أحمد الجندي، الذي شارك في كتابة السيناريو والحوار إلى جانب محمد عز الدين، كريم يوسف، سامح جمال، وقد انتهى عرض الموسم الأول على منصة "شاهد" نهاية 2021 بينما عرض الموسم الثاني خلال الشهر الجاري.

وظهر نجاح المسلسل ليس فقط من خلال ما تعلنه المنصة عن أكثر المسلسلات متابعة لديها، بل من خلال التفاعل الواسع مع أحداث الجزء الثاني من المسلسل وأداء ممثليه وهم إلى جانب ماجد الكدواني، محمد رضوان وسماء إبراهيم ومحمد شاهين ورنا رئيس وطه دسوقي، ونور وياسمين وافي...وسواهم.

أما ضيوف الشرف فمن بينهم نيللي كريم وبيومي فؤاد وأشرف زكي.

سر النجاح

لعل السبب الأول في نجاح العمل هو النص المكتوب بعناية دون ابتذال أو ثرثرة مجانية، بل يظهر خفة الدم المصرية بأبهى أشكالها، من خلال الحوار الذي يبدو عفويًا وتلقائيًا.

ورغم أن العمل يحتوي على خطوط درامية ذات بعد ميلودرامي فاقع ومبالغ بها، غير أن ذلك لا يكسر إيقاع المسلسل، بل يندمج معها المشاهد ويتعاطف مع شخصيات العمل بسهولة.

الممثل ماجد الكدواني أظهر قدرة فائقة على تقمص الدور الذي يؤديه في العمل عن أب "أرمل" اكتشف بعد عشرين سنة أن له ابنة، ثم يصاب بورم في المخ بات يعاني معه من فقدان ذاكرة جزئي
أخبار ذات صلة
في مسلسل "رجل في مواجهة نحلة".. عرض عائلي بكوميديا مفتعلة

ومن أسباب نجاح العمل كذلك هو إظهار الألفة والأنس في الجلسات العائلية البسيطة والتجمع اليومي على طاولة الطعام وقضاء الوقت سوية وسط أحاديث ومواقف طريفة، تبين أن السعادة لا تكمن في الفلل والسيارات الفارهة والبذخ وإنما في بساطة اليوم والمشاعر الصادقة، وهذه ربما كانت إحدى رسائل العمل.

واللافت في هذا المسلسل هو قدرته على الجمع بين الكوميديا والتراجيديا في الحلقة ذاتها بل في المشهد نفسه، فهو يذهب بالمشاهد إلى أقصى حالات التأثر والحزن، مثلما ينقله في ثوان إلى حالة انفعالية معاكسة، فيضحك من صميم قلبه.

وفي المواقف الكوميدية لا يعتمد العمل على التهريج والمبالغة بقدر ما يتكئ على أداء الممثل، وعلى المفارقات اللغوية، وعلى "الإفيهات" (الطرفة) السائدة في الثقافة الشعبية المصرية، كما أن المواقف التراجيدية تنبثق تمامًا من لحظات الفرح، في انعكاس لصور الحياة التي تتأرجح بين المرح والترح.

الأداء

الممثل ماجد الكدواني أظهر قدرة فائقة على تقمص الدور الذي يؤديه في العمل عن أب "أرمل" اكتشف بعد عشرين سنة أن له ابنة، ثم يصاب بورم في المخ بات يعاني معه من فقدان ذاكرة جزئي.

هذه الحكاية تحمل جرعة عالية من الميلودراما تمكن الكدواني من تجسيدها على نحو أثار الإعجاب، كما ظهر في الكثير من الحسابات وصفحات التواصل الاجتماعي.

الكدواني بدا منسجمًا في أدائه، واستطاع أن يظهر ردود أفعال تتناسب مع روح الحكاية بكل أبعادها الإنسانية والوجدانية.

وكان مقنعًا في أدائه الصادق سواء في إظهار مشاعر الأبوة الطارئة، أو كيفية تعامله مع مرضه ومحاولة إخفائه عن المقربين منه، فضلًا عن روح الدعابة والخفة التي تحلى بها في المشاهد التي تطلبت ذلك.

يسجل للمخرج أحمد الجندي قدرته على إيجاد شيفرة سرية بين أداء الممثلين، وإظهار الانسجام في تأدية الأدوار التي جاءت متناغمة

الممثل محمد رضوان الذي يؤدي في العمل دور "رمضان حريقة"، أجاد في تقديم شخصية تحمل قدرًا كبيرًا من الطرافة وخفة الدم، إذ قدم أداء بسيطًا دون تكلف، لكنه استطاع أن ينتزع الضحك من المشاهد في كل لقطة ظهر فيها.

وأشار نقاد كثر إلى أن المسلسل هو بمثابة اكتشاف لهذا الممثل الذي لم ينل حظه من الشهرة والاهتمام رغم أنه يعمل في الدراما المصرية في أدوار ثانوية منذ نحو 30 عامًا، ومن المرجح أن يكون هذا العمل بمثابة انعطافة في تجربته الفنية.

وبرزت كذلك في العمل الممثلة سماء إبراهيم (التي أدت دور "زينب" زوجة "رمضان")، التي أظهرت مشاعر الحنان الصادق وخوفها على عائلتها الصغيرة، وكذلك أداء طه الدسوقي (حسن) الشاب الطموح والظريف.

وما يسجل للمخرج أحمد الجندي، وهو ابن الممثل الراحل محمود الجندي، قدرته على إيجاد شيفرة سرية بين أداء الممثلين، وإظهار الانسجام في تأدية الأدوار التي جاءت متناغمة فبدا وكأنه "مايسترو" يقود فريقه ويعي أهمية خلق روابط فنية خفية بين ممثليه بحيث يظهر كل واحد منهم أفضل ما لديه. 

وتكاملت العناصر الفنية الأخرى من الديكور والإضاءة والموسيقى التصويرية في المسلسل المكون من 22 حلقة بجزأيه، في إنجاز عمل فني يقدم التسلية ويحتوي على رسائل تربوية مبطنة عن أهمية الترابط الأسري وإعلاء شأن القيم العائلية، وكل ذلك من دون أي بذخ إنتاجي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com