الرئاسة السورية: نعمل على إرسال قوة متخصصة لإيقاف الاقتتال في السويداء بالتوازي مع إجراءات سياسية
ليست الموسيقى مجرّد ألحانٍ تنساب عبر الآذان، بل هي لغة تنطق بها الروح وتؤثر في النفس بطرق لا تُحصى.
وبالنسبة للطفل الذي يبدأ في اكتشاف العالم من حوله ببراءة وفضول، تأتي الموسيقى كصديقٍ يفتح له أبواب الإبداع ويزرع في داخله بذور التوازن العاطفي، لتصبح بنغماتها أكثر من مجرّد ترفيه، بل نشاطاً جوهرياً يُهذّب الروح ويُنير العقل.
ومن خلال دراسة أجرتها جامعة هارفارد، تبين أن الأطفال الذين يشاركون في الأنشطة الموسيقية يُظهرون تحسناً ملحوظاً في قدراتهم العقلية واللغوية.
فعندما يمسك الطفل بآلة موسيقية أو يغنّي، تتفاعل مناطق مختلفة في دماغه معاً، ما يعزز من تطوره العقلي ويساعده في تحسين مهاراته اللغوية والرياضية.
ولعل هذا التفاعل بين الصوت والحركة والفكر يُشبه رقصةً بين العقل والروح، رقصة تنطق بالانسيابية والانسجام.
وفي دراسة أخرى نشرتها مجلة Frontiers in Psychology، وُجد أن الموسيقى تساهم في بناء الذكاء العاطفي لدى الأطفال، فكل نغمة تحمل في طياتها مشاعر مكبوتة، وكل لحنٍ يتردد داخل القلب يثير مشاعر خفية قد لا يتمكن الطفل من التعبير عنها بالكلمات.
هذه النغمات تمنح الطفل القدرة على التعرف على مشاعره والتعبير عنها بطرق "صحية". وحين يعزف مقطوعةً موسيقية أو يغني أغنية محببة، يكون الطفل في حالة حوار صامت مع نفسه، يتحدث فيها مع آلامه وأفراحه، ويجد فيها متنفساً يمرّر من خلاله ما يختلج في داخله.
ولا تتوقف الموسيقى عند حدود العقل أو العاطفة فقط، بل تمتد لتشمل الجوانب الاجتماعية. ففي دراسة أجرتها المجلة الأمريكية لعلم النفس، تبين أن العمل الجماعي في الفرق الموسيقية أو الجوقات المدرسية يعزز من روح التعاون والانتماء لدى الأطفال.
فعندما يجتمع الأطفال في فرقة موسيقية، يصبح كل واحد منهم نغمةً من لحنٍ أكبر، حيث يتعلمون أن يكونوا جزءاً من مجتمع أوسع، يتبادلون فيه الأفكار والخبرات ويعزفون نغمات الحياة بتناسقٍ جماعي.
وعلى مستوى أعمق، أظهرت دراسة من جامعة جنوب كاليفورنيا، أن الأطفال الذين يتعرضون للموسيقى ويتجرّعونها في سنٍّ مبكرة، يمتلكون قدرةً أكبر على التحكم في التوتر والقلق، وتصبح الموسيقى بالنسبة إليهم وسيلةً للهروب من ضغوط الحياة المبكّرة، والتعبير عن مشاعرهم المكبوتة بطرق فنية وإبداعية.
وفي ذلك قال الدكتور ريتشارد جيلمان، "الموسيقى تمنح الأطفال القدرة على التعبير عن أنفسهم بطريقة صحية، فهي تُعد وسيلة للتخفيف من الضغوط النفسية وتعزز من استقرارهم العاطفي."
هكذا تتحول الموسيقى إلى أداة لا تُقدّر بثمن في تنمية الطفل، ليس فقط لتطوير قدراته العقلية، إنّما لتُكسبه مهاراتٍ عاطفية واجتماعية يحتاجها لمواجهة العالم.
بل إنها "لغة الروح" التي تزرع في الطفل إحساساً بالسلام والانسجام.