أبَوَاي لا يَفهماني أبدا.. كيف أداوي هذا الجرح؟
يصل الكثير منا إلى مرحلة البلوغ بفكرة متكررة: آباؤنا بعيدون عن فهمنا، وعن فهم قراراتنا أو احترام طريقة وجودنا، كيف تقبل هذه الحقيقة؟ هذا ما نحلله في هذا المقال.
إننا نعيش في مجتمع تنتشر فيه العديد من الأفكار التي يبدو أنها مشتركة، واليوم نريد أن نولي اهتماما خاصا لإحدى هذه الأفكار.
"والداك سيظلان دائما بجانبك، وسيكونان أكبر ملجأ لك وسيعطيانك أجنحة للتحليق وجذورا تذكرك دوما بمكان منزلك".
هذه الصورة هي الأكثر إلهاما، وفي الواقع يمكن أن تكون هذه اللوحة المفاهيمية حقيقة يومية.
ومع ذلك يعاني جزء من السكان من الصدمات التي تم التغاضي عنها من خلال علاقة معقدة مع آبائهم، لأنه في بعض الأحيان ليس من الضرورة أن يسيء آباؤنا معاملتنا ما يجعلنا نشعر بالضرر بطرق لا يمكن تصورها.
على أي حال، يمكن أن تظهر بعض الاعتداءات الدقيقة في العائلات التي تهاجم وتدمر الروابط العاطفية.
وحسب تقرير نشره موقع "nospensees"، فإن هنالك ديناميكية مدمّرة شائعة وهي نقد الوالدين لقرارات الأطفال وطرق وجودهم.
على سبيل المثال، يزعجهم أنّ أطفالهم ليسوا صورة للأب، ويزعجهم أنهم لا يشاركون الأمَّ قيمَها. ولكن أيضا، لأنهم لا يمتثلون للآفاق التي خطط لها كلاهما لمستقبلهم.
هناك سيناريوهات عائلية تشبه العبادة، بحيث تكون أي لفتة أو قرار ينحرف عن توجيهات الوالدين بمثابة خيانة، كيف تتعامل مع هذه المواقف؟ هل يجب على الآباء فهم سلوكيات أطفالهم وشخصياتهم في جميع الأوقات؟
يقول الأديب الفرنسي أونوريه دي بلزاك: "يجب على الآباء، لكي يكونوا سعداء أن يكون العطاء نحو الأبناء مبدأً أساسيًا، العطاء دائمًا هو ما يجب أن يفعله الأب".
الاحترام بين الوالدين والأطفال ضروري للتعايش.
والداي لم يفهماني قط.. لماذا؟
هناك أطفال لا يحترمون آباءهم وأولياء أمورهم الذين لم يحبوا أطفالهم أبدًا كما يستحقون، العلاقات الأسرية عبارة عن متاهات معقدة غالبًا ما تصبح مصانع حقيقية للمعاناة العاطفية، في الواقع من الشائع الوصول إلى مرحلة بلوغ مليئة بفجوات ونكهات علاقة لم تكن مرضية تماما.
"والداي لم يفهماني أبدًا"، إنه تصوّر يحمله الكثير من الناس تقريبا مثل كسر داخلي يصعب وصفه بالكلمات، لأنه عندما نسأل عما إذا كان الآباء ملزمين بفهم أطفالهم فمن الواضح أن هناك بُعدا أكثر أهمية لا بد من فهمه، ونعني هنا الاحترام.
وحسب التقرير، فإنّ ما يجب أن يفعله الوالد دائمًا هو الاحترام، وأن يكون الملجأ الآمن الذي يمكن لأي شخص أن ينمو فيه بحرية في الاتجاه الذي يرغب فيه، حتى لو كنت لا توافق 100% على القرارات التي يتخذها الطفل طوال حياته.
ويسلط بحث من جامعة تكساس التقنية، على سبيل المثال، الضوء على أهمية مفهوم الاحترام في جميع العلاقات الشخصية.
ومع ذلك، في سياق الأسرة، يعمل هذا البعد باعتباره الوتر النفسي الذي لا جدال فيه والذي يمكّن الوالدين أثناء التعليم.
سلطت أبحاث من جامعة تكساس التقنية، الضوء على أهمية مفهوم الاحترام في جميع العلاقات الشخصية. ومع ذلك، ففي سياق الأسرة تحديدًا يؤثر هذا البعد إلى حد كبير باعتباره الوتر النفسي الذي لا جدال فيه والذي يلقي المسؤولية على الوالدين أثناء تربية أطفالهم.
وقال الموقع: "أن نبلغ من العمر 10 أو 15 عامًا ونشعر بأنّ آباءنا لا يريدون فهم احتياجاتنا ورغباتنا فهذا سيسبب لنا جروحًا نفسية تظل ترافقنا حتى مرحلة البلوغ، ما يؤدي غالبًا إلى علاقات معقدة على مستوى الأسرة".
أسباب عدم فهم الآباء لأطفالهم
لماذا لم يفهمني والداي قط؟ ما الذي بنى هذا الجدار دون أي مسامية، والقادر على فصلنا في جميع جوانب الحياة تقريبا؟ من الشائع طرح هذه الأسئلة عندما يخلق السخط والاحتكاك مسافات بيننا وبين والدينا، بشكل عام يكون الدافع وراء هذه المواقف واسعًا جدًا:
• يَفترض الآباء أحيانًا أنّ تربية الطفل تنطوي على تلبية احتياجاته الأساسية في إطار بعض الانضباط، لا غير، فهم نادرًا ما يفتحون محادثة مع أطفالهم، ولا يهتمون بما يشغلهم، وبما يفكرون فيه، وبما يشعرون به، ولا ما هي أحلامهم.
• الانفصال الناجم عن غياب الاتصال العاطفي يخلق أيضًا تلك الروابط التي تفتقر إلى الفهم وحتى الاحترام.
• هناك آباء ينغمسون في عملهم وأيامهم المزدحمة، معتقدين أنهم بهذه الطريقة لن يمنحوا أطفالهم ما يحتاجون إليه فحسب، بل إنهم سيكونون قدوة جيدة لهم، ومع ذلك فهم نادرًا ما يقدمون لأطفالهم أكثر مما يحتاجون إليه: وقتهم واهتمامهم.
• هناك عامل آخر تخططه أنماطُ الشخصية وأوجه القصور الواضحة عندما يتعلق الأمر بتربية الطفل، إذ إن عدم الكفاءة أو الاستبداد أو النرجسية هي أيضًا السبب الجذري لسوء الفهم من قبل الآباء.
هناك آباء لا يقبلون أن يطالب أطفالهم بأماكنهم وأن يتخذوا قراراتهم بأنفسهم.
كيف نداوي الجراح التي سبّبها سوء فهم والِدينا؟
غالبًا ما يُهمل الآباء دورهم في بناء العالم الداخلي لأطفالهم، يعتمد جزء من رفاهيتنا النفسية على هذه السنوات من التفاعل مع مقدمي الرعاية لنا، بفضلهم نقوم بتعديل انفعالاتنا بشكل أفضل ونملك إمكانية تطوير صورة ذاتية جيدة وبناء احترام صحي للذات.
صحيح أنّ تربية الطفل ليست سهلة أبدًا، فهناك ركائز لا ينبغي أبدا فقدانها في هذه العملية، إضافة إلى الحب والرعاية والاحترام هناك بلا شك واجب الفهم. ومع ذلك إذا بلغ شخص ما سنّ الرشد وهو يشعر بالاشمئزاز لأن والداه لم يفهماه، فكيف نداوي هذا الجرح؟ هذا ما نحلله في هذا التقرير.
الفهم هو الاحترام ومن دون هذا البعد لن تكون أي علاقة مُرضية أو صحية.
قم بإنشاء شبكة دعم خاصة بك
إذا لم يفهمنا آباؤنا أبدًا فمن المحتمل ألا يكونوا موجودين معنا عندما نحتاج إليهم، لن يكونوا تلك الشبكة الآمنة التي يمكن الاعتماد عليها كل يوم، في مواجهة هذا النقص المؤلم يجب على كل واحد أن ينشئ ويكوّن "أسرته"، الأسرة التي، وإن لم تكن من دمنا، ستشكل ملجأ نشعر فيه بالحب والأمان.
يمكن للأصدقاء والشريك، وحتى الشخصيات العائلية الأخرى، مثل الأعمام أو أبناء العم، أن يكونوا نقطة الدعم اليومية التي ستكون دائمًا موجودة بجانبنا، مهما حدث، شيء من هذا القبيل يمنحنا الأمن والرفاه.
لوالديك قناعاتهما ولك قناعاتك
إذا لم يفهمنا آباؤنا أبدًا أو لم يقبلوا قراراتنا أو طريقتنا في الحياة فربما يكون ذلك بسبب تشبثهم بنوع من المعتقدات التي لن نتكيف معها أبدًا.
في هذه الحالات سيكون من غير المجدي بالنسبة لنا بذل جهود من أجل أن يقبلونا أو من أجل الحصول على رضاهم علينا بالتخلي عن جوهرنا، إذا رضينا بذلك سيكون هذا ضد أنفسنا فقط.
حتى وإن كان الأمر معقدًا، فمن الضروري أن ننطلق من مبدأ أنّ للآباء رؤيتهم الخاصة تجاه الحياة، وأنّ لنا رؤيتنا الخاصة أيضًا، يجب أن نتذكر أنّ الحب هو الفهم، وأن أي شخص لا يبذل جهدًا لتحقيق هذا الفهم الانفعالي لا يحبّنا كما نستحق.
العمل على قِيَمنا الأساسية
إذا كنا واضحين بشأن قيمنا الأساسية فسوف نَنجذِب دائمًا نحو الاتجاه الصحيح، بشكل عام هناك مبدأ يجب أن يرشدنا دائمًا، وهو الحفاظ على الذات، فهذا الدافع القادر على إبعادنا عما هو ضار هو الذي يُذكّرنا بأنه من حقنا الطبيعي أن نضع حدودًا، بل وحتى الدفاع عن أنفسنا باحترام وثقة ممّا يبدو لنا غير عادل.
الأب أو الأم، الذي يرفض منهما فهمَ أطفاله سيجعلهم يعتقدون أنّ هناك شيئًا خاطئًا ومعيبًا فيهم. ليس من الصحي البقاء في مثل هذه الروابط الضارة.
مساعدة احترافية لمداواة الجروح
من الصعب أن نخرج سالمين من بيئة أسرية لم يفهمنا فيها الوالدان، وكنا فيها هدفًا للنقد والتوبيخ، هذا يمكن أن يجعلنا كائنات محفوفة بالمخاطر، أي أشخاص يستمعون أحيانًا إلى آبائهم أكثر ممّا يصغون إلى أنفسهم.
إذا كان هذا هو حالك، وإذا لم تتمكن من الخروج من هذا السجن الانفعالي وكنت تحمل في ذاتك عُقدًا تُطفِئ رفاهك فلا تتردد في طلب المساعدة المتخصصة، علينا أن نُداوي جراح أولئك الذين لم يعالجوا جراحَهم في زمانهم.