كيف تتعامل العائلات العربية مع "التربية الجنسية" في المدارس الأوروبية؟

كيف تتعامل العائلات العربية مع "التربية الجنسية" في المدارس الأوروبية؟

تدور في منازل العرب بأوروبا، معارك وجولات بين القانون والمجتمع الأوروبي الجديد من جهة، والموروث العربي والشرقي من جهة أخرى، بخصوص مادة "التربية الجنسية" للأطفال في المدارس.

في مدرسة ابني يوزعون على الطلاب مجسّمات أعضاء جنسية ودمى لتدريبهم، لكن الطفل لن يكتفي بذلك بل سيدفعه الفضول لتجربة ذلك في الحقيقة.
فاطمة منير

لم نعتد هذه الجرأة

وقالت فاطمة منير (32 عاماً) لـ"إرم نيوز"، إن "مادة التربية الجنسية أمر جيد ومفيد من الناحية الثقافية والتربوية، لكن هذه التربية لا تناسبنا.. ونحن كعرب نعترض على سقف الحرية العالي، كما أنها مرفوضة في هذه السن المبكرة للأطفال".

وفاطمة ربة أسرة عربية مكوّنة من طفلين وأبوين من أصول مصرية، وتعيش في برلين، وتعترض على تعليم أطفالها المسائل الجنسية بهذه الجرأة، خاصة بعد تعرضها لعدة مواقف محرجة داخل المنزل.

وقالت: "المعلومات التي تتلقاها ابنتي (8 سنوات) تغيّب بشكل كامل دور الدين والأخلاقيات والتقاليد التي تربينا عليها، وتجعل الحديث بالأمور الجنسية حاضرا دائماً وبلا ضوابط".

وأضافت: "في مدرسة ابني مصطفى (11 عاماً) يوزعون على الطلاب مجسّمات أعضاء جنسية ودمى لتدريبهم على استخدام أساليب الوقاية والجنس الصحيح، لكن الطفل لن يكتفي بذلك، بل سيدفعه الفضول لتجربة ذلك في الحقيقة، وهنا تكمن الخطورة".

وتابعت: "يوجد طرح لهذه المسائل خلال نقاشات منزلية بشكل مطول ودوري، وهذا يتنافى مع ديننا وعاداتنا حتى لو كان صحيحاً من الناحية العلمية".

لا يترتب على التثقيف الجنسي أي مخاطر أو سلبيات عندما تكون متابعة وإشراف الأهل حاضرة، كما أنها تحمي الطفل من التحرش الجنسي.
ماريا شارافاري، مرشدة نفسية واجتماعية في مدرسة ألمانية

خجل الأهالي

وبدورها، قالت المرشدة النفسية والاجتماعية في مدرسة فولكر روسين الألمانية، ماريا شارافاري، لـ"إرم نيوز"، إن "جميع الأهالي الذين يشتكون مقتنعون بضرورة تدريس التربية الجنسية من الناحية التثقيفية والتعليمية، لكن قناعاتهم تصطدم مع الخشية من الأسئلة والاستفسارات عند عودة الطفل للمنزل، ما يفتح الباب أمام أحاديث لطالما اعتبرتها العائلة العربية محرمة أو من المحرج الخوض فيها".

وأضافت شارافاري أن "الأهالي العرب يتوجسون من احتمالية اندفاع الطفل لتجريب هذه المسائل بطريقة خاطئة اجتماعياً وجنسياً في ظل هامش الحرية التي يمنحها المجتمع الأوروبي".

وبحسب شارافاري، فإن "الأهل سيرضخون للواقع الجديد، وفي المستقبل سيرون أن هذا التثقيف الجنسي أمر مفيد جداً وسيعود على أطفالهم بالفائدة، لأنهم سيكتشفون أجسادهم وهوياتهم الجنسية من عدة نواح اجتماعية وإنسانية وعاطفية.

وحول وجود مخاطر محتملة للتربية الجنسية، قالت شارافاري: "لا يترتب على التثقيف الجنسي أي مخاطر أو سلبيات عندما تكون متابعة وإشراف الأهل حاضرة، كما أنها تحمي الطفل من التحرش الجنسي، لأن آلاف الأطفال يتعرضون للتحرش دون أن يعلموا ما الذي يتعرضون له".

كيف تتعامل العائلات العربية مع "التربية الجنسية" في المدارس الأوروبية؟
اللاجئون الأوكرانيون يزيدون عدد سكان ألمانيا لأعلى مستوياته

التثقيف الجنسي إلزامي

ويعتبر التثقيف الجنسي إلزاميا في معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، باستثناء بلغاريا وقبرص وإيطاليا وليتوانيا وبولندا ورومانيا والمملكة المتحدة، وفقا لدراسة صادرة عن البرلمان الأوروبي.

واعتبرت الدراسة أن بلدان الشمال الأوروبي تتمتع بأعلى مستويات الجودة في التربية الجنسية، في حين أن دول أوروبا الشرقية والجنوبية لديها برامج للتثقيف الجنسي ناقصة أو غير موجودة.

وبحسب بحث أجراه البرلمان الأوروبي، زادت احتمالية الإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً في الدول التي تمنع حملات التثقيف الجنسي والوقاية الجنسية، أو تقدمها بشكل ناقص.

وفي فرنسا، رفعت منظمات حقوقية دعاوى قضائية ضد الحكومة، بسبب مزاعم أن المدارس لا تطبق القانون الذي يُلزمها بإعطاء التلاميذ 3 دروس على الأقل سنويا في مجال التربية الجنسية.

وقامت كل من منظمة التخطيط العائلي، ومنظمة “SOS Homophobie”، التي تقوم بحملات ضد رهاب المثلية الجنسية، ومنظمة ” Sidaction”، التي تخصص جهودها لزيادة الوعي بمرض نقص المناعة المكتسبة “الإيدز"، برفع الدعاوى بعد أن كشفت أن 15% من المدارس الابتدائية و20% من المدارس الثانوية فقط، تلتزم بتطبيق بنود ذلك القانون.

المشكلة تزداد تعقيداً في كنف الأسرة العربية، والحل يبدأ من أنفسنا وعبر زيادة هامش الحرية مع الأطفال مع عدم إغفال الجانب الديني والتوعية الشرعية.
عبد الله الطويل

المهاجرون الجدد والصدمة

وقال عبد الله الطويل (45 عاماً) لـ "إرم نيوز": “بالتأكيد التربية والتثقيف الجنسي مفيد جداً للطفل ويعود عليه بالفائدة، لكن يجب التفريق بين طفل ولد في هذا المجتمع الأوروبي المنفتح والطفل المهاجر".

وأضاف الطويل المقيم في فرنسا: "توجد هوة كبيرة بين النموذجين، لأن الطفل الأوروبي الخالص ولد في رحاب أسرة أوروبية، تتعامل مع المسائل الجنسية بانفتاح وحرية، أما الطفل العربي فليس لديه أدنى حدود المعرفة عنها، ولا يملك الجرأة لسؤال ذويه عنها".

ويروي عبد الله الطويل ما حصل مع طفله خالد (9 أعوام)، عندما قامت مدرسته في مونبلييه بتنظيم رحلة علمية إلى أحد مراكز تحديد النسل الاستشارية، لتعليمهم مزايا الجنس الآمن وكل ما يتعلق بتحديد النسل والإجهاض.

وقال: "أخبرتني المشرفة أن خالد كان يرتجف كل الوقت وضرب الاحمرار وجهه وأذنيه، لقد كانت هذه المعلومات صادمة بالنسبة له".

وتابع الأب: "منزلنا محافظ وزوجتي تخجل من الحديث في هذه المسائل مع الأولاد، لكننا مؤمنون بأهمية هذه التربية الجنسية في المدرسة، لأنها تقدم من قبل أشخاص مهنيين بطريقة علمية مناسبة لكل عمر".

وختم الطويل حديثه بالقول: "أعتقد أن المشكلة تزداد تعقيداً في كنف الأسرة العربية، والحل يبدأ من أنفسنا وعبر زيادة هامش الحرية مع الأطفال مع عدم إغفال الجانب الديني والتوعية الشرعية".

كيف نجيب عن أسئلة أطفالنا؟

وعن الأسلوب الأمثل للتعامل مع تساؤلات أطفالنا الجنسية، تجيب شارافاري: "يجب بالدرجة الأولى توعية وتأهيل الوالدين لهذه المرحلة التي تبدأ منذ بلوغ الطفل سن عامين، ويكون ذلك بتعليمه الأسماء الصحيحة أو المتفق عليها لأعضائه الخاصة".

وأضافت: "ينصح الخبراء دائماً بتقديم هذه المعلومات للطفل خلال الأحاديث اليومية وليس في جلسات مطولة تضع الطفل تحت الضغط العصبي والنفسي".

وترى شارافاري أن هذه الحوارات بين الطفل والأهل قد تكون فرصة مناسبة لغرس القيم الاجتماعية والدينية في الطفل، مثل ضرورة ممارسة الجنس حصرياً في إطار الزواج كما تنص التعاليم الدينية".

وحذرت شارافاري من الكذب أو التهرب من مناقشة الأمور الجنسية أمام الطفل، مضيفة: "احذروا من المراوغة والكذب أو اتهام الطفل بقلة الحياء، هذا خطر جداً، يجب المناقشة والحوار حتى لو اضطر الأهل للاكتفاء بالخطوط العامة دون الخوض في التفاصيل إذا اكتفى الطفل بذلك".

كيف تتعامل العائلات العربية مع "التربية الجنسية" في المدارس الأوروبية؟
من هم "شهود يهوه" الذين استهدفهم هجوم هامبورغ في ألمانيا؟

الأكثر قراءة

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com