"الغابة المُتحجّرة" في القاهرة.. من مكان أثري إلى مكبّ للنفايات (صور)
"الغابة المُتحجّرة" في القاهرة.. من مكان أثري إلى مكبّ للنفايات (صور)"الغابة المُتحجّرة" في القاهرة.. من مكان أثري إلى مكبّ للنفايات (صور)

"الغابة المُتحجّرة" في القاهرة.. من مكان أثري إلى مكبّ للنفايات (صور)

هضبة متسعة على مساحة 7 كيلومترات شبه مستوية، تبدو غير معروفة للكثيرين رغم كونها أحد المعالم الطبيعية المهمة بضواحي شرقي العاصمة المصرية  القاهرة.

تحتوي على أشجار عتيقة تحولت لأحجار شامخة بفعل العوامل الجيولوجية والجوية، ومنها جاءت تسميتها "الغابة المتحجرة" تعيش بين ثناياها نباتات وحيوانات وزواحف نادرة، باتت محاصرة بالتوسع العمراني.

يطلق عليها أيضًا "جبل الخشب"، حيث تغطى أجزاء كبيرة منها بجبل الخشب الذي يعود لحقبة الأوليجوسين الجيولوجية وعمره 23 – 35 مليون سنة.

وتعرف كذلك بـ"غابة الرعب" حيث تحوي أكثر من 112 نوعاً من النباتات النادرة و30 نوعًا من الزواحف منها شديد الخطورة وحيوانات نادرة بعضها مؤذٍ.

الموقع الذي يؤرخ لحقبة جيولوجية مهمة يصلح أن يكون حقلاً خصبًا ومادة علمية دسمة للدارسين والباحثين من علماء ومحبى علوم الجيولوجيا أصابه إهمال كبير. فعند مدخل المنطقة تجد لافتة تعريف بالمكان "الغابة المتحجرة" وأسفلها وحولها تجد القمامة منتشرة.

وليس ببعيد عنها، سور صخري ضخم يحيط بها من الخارج به فتحات عديدة متهدمة وإلى جواره أطنان من مخلفات المباني يلقيها الأهالي، وسط مساحات من الصحراء التي جارت عليها المنتجعات السكنية الجديدة.

اللافتة مكتوب عليها "لا تأخذ شيئا.. لا تترك شيئا"، إلا أن الواقع غير ذلك حيث أصبحت مرتعًا لأصحاب سيارات النقل لتحميل الرمال وسرقتها، وبيعها للاستخدام في البناء، بحسب شهود عيان.

الباحث البيولوجي أحمد عبد الواحد، أحد المسؤولين عن المحمية، يقول إن المحمية بها أكثر من 112 نوعًا من النباتات النادرة، و30 نوعًا من الزواحف وعدد من الحيوانات أبرزها "السلعوة (حيوان مسعور)" والذئاب والكلاب النادرة، إضافة إلى حيوان قريب من هيئة الثعلب، فضلاً عن الأشجار التي تحجرت مع مرور الزمن.

وتحدث عملية التحجر للأخشاب عندما تتحول المادة العضوية في النبات أو الحيوان إلى معادن قبل أن تصبح حجرًا في نهاية المطاف، والتي تحافظ على الأشكال الطبيعية للنباتات والحيوانات بتفاصيلها بدقة كبيرة، بحسب عبدالواحد.

وعلى مدار السنوات الثماني الماضية، عكف الباحث البيولوجي أحمد عبد الواحد وعدد من الباحثين على دراسة الغابة الكائنة بمنطقة التجمع الخامس، شرقي القاهرة، حيث استطاعوا اكتشاف عشرات الأنواع من النباتات والحيوانات والزواحف والحشرات النادرة والتي فصّلها عبر دراسة حصلت الأناضول على نسخة منها.

ومن بين هذه الزواحف وأخطرها ثعبان "الطريشة" أو "الدفان" أحد الثعابين النادرة تظهر منتصف الشتاء، وهو من أخطر الزواحف حيث يحوي داخله  سُمّا يقتل خلال عشر دقائق، ولم يتم اكتشاف مصل لعلاجه حتى اليوم، بحسب الدراسة.

كما يقطن بالمحمية "قاضي الجبل" وهي سحليّة (من الزواحف) تجمع بين لونين الأزرق والبنفسجي، شديدة التكشف مع المسطحات الرملية أو السهول الحصوية، وفي المناخ شديد الحرارة تتسلق الشجيرات الصحراوية ويقتصر وجودها بمناطق شمال سيناء (شمال شرق) حتى جنوب فلسطين.

ويوجد بالمحمية نوع آخر من الزواحف تسمى "بطنيات الأرجل" يحتل أجزاء متعددة منها ليلًا وينتشر بصورة كبيرة مما يؤثر سلبا على انتشار العديد من النباتات التي يقتات عليها، وأحيانا يمثل مشكلة كبيرة حال نقصان المحتوى المطري السنوي للمحمية.

ويشير الباحث الجيولوجي إلى أن الحشرات بالمحمية تنتمي إلى شعبة مفصليات الأرجل، وتعد أكثر الكائنات تنوعًا وعددًا بالمكان، كما اكتشف الباحثون ذاتهم "القوقع الصحراوي الأبيض" وهو من الحيوانات اللافقارية، ذي جسم رخوي غير متقطع.

ويؤكد عبد الواحد أن سمكة القرش مرت من هنا منذ ما يقرب من 400 مليون سنة، حيث عثر مسؤولون بالمحمية في أبريل / نيسان 2015 على سن لها، فهذه النوعية من الأسماك تفقد العديد من أسنانها أثناء مراحل حياتها، وكانت المنطقة في تلك المرحلة يغمرها الماء.

كما تم العثور على حفريات عدة لم تتم معرفة قاطنيها، لكنها ربما تكون كائنات انقرضت منذ زمن بعيد.

ووفق الباحث الجيولوجي، تحوي المحمية  نباتات نادرة منها "زهور النرجس الأبيض" و"الطيطان" و"نرجس الجبل" وهو من الزهور النادرة، والمنتشرة داخل المحمية وتدخل مستخلصاتها في صناعة العديد من العلاجات الحديثة.

وتعد شجرة "العُشَر" من أبرز الأشجار الموجودة بالمحمية والتي تنتشر في ثلاث مناطق بها ويبلغ طولها ثلاثة أمتار، وتزدهر مع بداية الصيف باللون البنفسجي، وتحمل ثمرة بحجم الليمون الكبير باللون البنفسجي أيضًا.

كما يوجد داخلها مصل ألياف يشبه القطن كان يستخدم قديمًا في حشو الوسائد، كما تستخدم ثمرتها في علاج أمراض خارجية مثل: "البواسير" و "البروزات الجلدية" المعروفة باسم "السنط"، بحسب الباحث ذاته.

ويشكو الباحث نفسه من حالة الإهمال التي تعيشها الغابة المتحجرة التي تعد حقلا خصبًا ومادة علمية دسمة للدارسين والباحثين من علماء ومحبي علوم الجيولوجيا.

ويشير إلى أن الحكومة رغم إعلانها أكثر من مرة اهتمامها بالمحميات الطبيعية، لكنها تسعى إلى إقامة مشروعات عمرانية ومنتجعات سياحية على جزء جديد من أكبر المحميات النادرة في العالم، بحسب تقارير محلية، ما سيهدد بهروب الكائنات الحية بالمحمية التي تفضل الهدوء.

والعام الماضي، وافقت الحكومة على مشروع قانون تقوم بموجبه "الهيئة العامة للمحميات الطبيعية"، بوضع ضوابط ومعايير واشتراطات بيئية لاستغلال المحميات، ورسم سياسات عامة وإعداد استراتيجية اقتصادية جديدة.

وكذلك وضع القواعد والأسس اللازمة لتقدير رسوم زيارة المحميات، وتنفيذ العقوبات المرتبطة بالأعمال التي يحظر ارتكابها بوجه عام، غير أن مشروع القانون لم يعرف طريقه إلى البرلمان حتى اليوم.

ويقول أحمد سلامة، مدير عام المحميات الطبيعية (حكومية)، إن الوزارة وضعت خطتين لتطوير محمية الغابة المتحجرة، الأولى قصيرة المدى والتي سيتم خلالها إنشاء متحف للأشجار وتطوير المدقات، (طرق جانبية ممهدة بشكل جزئي) ومسارات الدراجات والمشاة.

ويضيف سلامة للأناضول، أنه سيتم وضع لوحات إرشادية جديدة لتعريف الزائرين بأسماء الأشجار والزواحف والمناطق بالمحمية فضلًا عن إنشاء مركز جديد لاستقبالهم بهدف جذب السياح ضمن الخطة ذاتها.

ورفض مدير عام المحميات الطبيعية التحدث عن خطة الوزارة طويلة المدى، لكنه نفى إنشاء منتجعات أو وحدات سكنية على أرض المحمية، بحسب ما نشرت تقارير لصحف محلية.

ومؤخرًا، أعلنت وزارة البيئة المصرية تعاونها مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومرفق البيئة العالمي لإقامة أكبر مشروع لتطوير 30 محمية طبيعية، بتكلفة 3 ملايين دولار سنويًا، بمخصص من 2 إلى 3 ملايين ( (بين 125 إلى 187ألف دولار) جنيه للمحمية الواحدة، في محاولة لجذب السياح الى مصر.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com