"الفركة".. سترة الفراعنة تُزيّن نساء الحاضر (صور)
"الفركة".. سترة الفراعنة تُزيّن نساء الحاضر (صور)"الفركة".. سترة الفراعنة تُزيّن نساء الحاضر (صور)

"الفركة".. سترة الفراعنة تُزيّن نساء الحاضر (صور)

تشتهر مدينة نقادة جنوبي غرب محافظة قنا، في صعيد مصر، بصناعة تاريخية تسمى صناعة "الفركة" التي تصدّر إلى السودان، وبلدان أخرى، وتستخدمها النساء كزي شعبي على غرار"الملاية اللف".

لكن تلك الصناعة، باتت تواجه خطر الاندثار، بعد أن أغلقت كثير من ورشها، وتراجع عدد العاملين بها، نتيجة للتجاهل الحكومي لتلك الصناعة، لتخرج أصوات مطالبة ببرنامج حكومي وبتدخل شخصي من محافظ قنا، اللواء عبدالحميد الهجان، لحماية تلك الصناعة، وإعادتها لتكون الصناعة الأولى لسكان مدينة نقادة.

واكتسب سكان نقادة تلك الصناعة وتوارثوها عن قدماء المصريين، الذين برعوا في الغزل والنسج، وتشهد المناظر التي تزين جدران المقابر، بأن مصر القديمة كانت تشتهر جداً بإنتاج الكتان، والذي صنعت منه معظم المنسوجات المصرية القديمة.

ولم يكن الكتان وحده هو الليف النسجي المستخدم، فقد عثر أيضًا على منسوجات مصنوعة من صوف الأغنام وشعر الماعز، وألياف النخيل والحشائش وغير ذلك، وقام المصري القديم باستخدام الألوان منذ أقدم العصور.

وتكشف نقوش ورسوم المقابر والمعابد الفرعونية، أن النساء كن يشكلن الغالبية بين المشتغلين في إنتاج المنسوجات، وأنهن لم يكنَّ في موقع المسؤولية، حيث اقتصرت معظم الألقاب المتعلقة بإنتاج الأقمشة على الرجال ، وظهرت أيضاً فروق تبين أي جنس استخدم أي نوع من الأنوال، حيث صورت النساء دائماً وهن تستخدمن النول الأفقي، بينما كان معظم الذين صوروا مستخدمين النول الرأسي من الرجال.

وعلى خطى أجدادهم الفراعنة، تمتهن مئات الأسر المصرية بمدينة نقادة في محافظة قنا، صناعة النسيج اليدوي والفركة، وهي عبارة عن  شال من الحرير المصنع يدويًا والتي تمثل اعتقادًا دينياً في بعض الدول الأفريقية بأنها تجلب البركة.

ويقدر عمر هذه الصناعة بآلاف السنين، حيث يتوارثها المواطنون في نقادة عن قدماء المصريين، ويطلق عليها الفركة، أو كما يقول أصحابها "صنعة الستر" لأنها تستر ولا تغني، وتتميز بأنها صناعة عائلية تمارسها الأسرة بجميع أفرادها في المنزل الريفي، ولذلك ربما لا يخلو منزل في مدينة نقادة  من نول أو أكثر لصناعة الفركة، التي تصدر للسودان والدول الأفريقية، بجانب تسويقه في المحافظات المصرية، مثل أسوان والأقصر وسوهاج وقنا وأسيوط والمنيا، ولا توجد أسرة لا يعمل أفرادها في صناعة النسيج.

وتعد مدينة نقادة المصرية، الوحيدة على مستوى العالم، التي تتفرد بتلك الصناعة التاريخية، التي ورثوها عن أجدادهم الفراعنة، واحتكروها بحرفيتهم ومهارتهم فيها، وفي الوقت نفسه كانت وما زالت مصدرًا متميزًا للدخل القومي، ومصدرًا للرزق الأساسي لمعظم سكان المدينة التاريخية.

وتقول الباحثة المصرية، في شؤون التراث الشعبي، الدكتورة خديجة فيصل مهدي لإرم نيوز، إن صناعة الفركة تعد الأولى بالمدينة، حيث يبلغ عدد الأسر المشتغلة بها 600 أسرة بنقادة وقرية الخطارة، وتوفر حوالي 3000 فرصة عمل، تبعًا لمراحل الإنتاج، أغلبهم من السيدات وكبار السن.

وبتذكر العصر الذهبي للفركة السودانية، كانت تصدر إلى السودان، وكان يقدر الإنتاج سنويًا حوالي 700 ألف قطعة فركة، تقدر قيمتها حوالي 4 ملايين دولار وكان عدد العاملين بها 10000 أسرة بالمدينة، والقرى المجاورة وعدد الأنوال 5000 نول، وكانت تجلب الخيوط من شركات مصرية، أما الآن فتستورد الخيوط  من الصين والهند، وتعتمد هذه الصناعة في أسعارها على استقرار الأحوال الاقتصادية، وكان دخل الأسرة من الصناعة حوالي 300 جنيه شهريًا.

وترى الباحثة المصرية، أن تلك الصناعة تحتاج إلى مد يد العون من قبل السلطات الحكومية، للنهوض بتلك الصناعة حتى يمكن رفع المعاناة عن هذه الفئة وللحفاظ على هذه الصناعة التراثية، عن طريق عودة تصدير الفركة السودانية، ما يحقق حياة كريمة للمواطنين، فالمدينة تنتج الفركة الدرماني والسياحية والملاءة الإسناوي" الحبرة " بالإضافة إلى بعض أنواع الأقمشة مثل "المبرد"، وفي الخمسينيات من القرن الماضي، كان يعمل بهذه الحرفة 90% من سكان المدينة، حيث كانت تقام الأفراح في يوم التصدير، نظرًا لأن المدينة تصبح خلية نحل، ويدب في شرايينها النشاط.

وسجلت الدكتورة خديجة، والفنان أحمد الرشيدي، الذي يعد الذاكرة الفوتوغرافية لقنا المصرية، مجموعة من الشهادات لمن عملوا بتلك الصناعة، فتقول  عفاف برنابة هارون، صاحبة ورشة منزلية، تتكون من ثلاثة أنوال، أحدها لصنع الملاءة الإسناوي والثاني للفركة الدرماني، والثالث للشال المنقوش، إن الخامات تتكون من خيوط حرير أو غزل " فبران" تستورد من الصين أو الهند أو خيوط من الصوف وتبلغ لفة الحرير "4 كيلو ونصف بمائة وعشرة جنيهات"، وهناك أيضا خيوط من القطن مصبوغة سعر الكيلو 10 جنيهات، وهى متوافرة في الأسواق، وعن طريقة الصناعة تقول إنها تبدأ بصبغ الخيوط بألوان مختلفة في عجانيه من الألومونيوم ويصبغ فيها 10 كيلوات في المرة الواحدة، ثم تبدأ مرحلة لف الخيوط.

وتقوم بها السيدة وداد سدراك ناشد وتبلغ من العمر 70 عامًا وقد أخذت الحرفة عن أجدادها وتعمل بها منذ 60 عامًا، ثم بعد ذلك مرحلة السدوة ثم بعد ذلك تلف الخيوط ثم تصل إلى مرحلة اللقاية حيث تدخل الخيوط في النير، وبعد ذلك في المشط ثم بعد ذلك مرحلة التصنيع بالمكوك على النول، ومن العجيب أن المكوك به ريشة حمام صغيرة لا يتم العمل إلا بوجودها، ثم بعد ذلك يعرض الإنتاج للجماهير.

وتقول كريستين برنابة هارون، المتخصصة على نول منتج القماش الشال المنقوش، أنها تعمل من الثامنة صباحًا وحتى الخامسة مساء، وتصنع قماش المبرد وشال الكهنة وتتقاضى عن ذلك أجرًا زهيدًا، يقدر بحوالي 6 جنيهات عن القطعة الواحدة.

وتعد الفركة زيًا فرعونيًا يتباهى به الرجال والنساء على السواء، لذا لابد أن تواصل وتقوم محافظة قنا باتخاذ عدة إجراءات من شأنها الحفاظ على هذه الصناعة القديمة، من الاندثار ومن أهمها إقامة مراكز تدريب للشباب والفتيات للعمل بهذه المهنة، مع توفير الاحتياجات اللازمة لهم، بالإضافة إلى الاستعانة بالتجارب المماثلة لإيجاد مسار جديد يحفظ للحرفي استمراريته، ويحافظ على إنتاج حرفته اليدوية في وجود سوق نامٍ.

وصناعة النسج والفركة وغيرها من الحرف النسجية في مدينة نقادة هي واحدة من الصناعات الحرفية في مصر إلى عصور قديمة، فقد اشتهر الصانع والحرفي المصري، منذ عهد القدماء المصريين مرورًا بالعهد الروماني ثم الإسلامي، ومن أمثلة هذه الصناعات التي برع فيها الصانع المصري، صناعات النسيج والتطريز والحياكة والدباغة، وكانت المرأة المصرية ماهرة في هذه الحرفة، وما زالت كذلك حتى اليوم، ومثل تلك الصناعات الحرفية انتشرت في جميع أنحاء مصر، لأن هذه الصناعات تعتمد على المواد المتوافرة في البيئة المحلية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com