"إرم نيوز" تحتفل بليلة القدر في القيروان
البارحة، لم تكن ليلة عادية في مدينة القيروان، رابع المدن المقدسة، وعاصمة الأغالبة، كل شيء كان غير عادي، إنها "ليلة 27"، ليلة القدر، حيث تتجمّل مدينة القيروان لاستقبال زوّارها الذي يأتون من كل المدن التونسية القريبة خاصة، لا بل من ليبيا والجزائر والمغرب، وحتى من الخليج العربي، زوّار تعوّدوا قضاء ليلة القدر في القيروان، في جامع عقبة بن نافع، وفي مقام أبي زمعة البلوي، حلاّق الرسول صلى الله عليه وسلم، حركة تجارية غير عادية، والشوارع تغصّ بالزائرين، والمقاهي، من كثرة مرتاديها، احتلّت أجزاء من الرصيف فزادت في تعطيل الحركة، أجواء احتفالية، عادات وطقوس، وعبادات وتضرّع وابتهال.. هي ليلة استثنائية بكل المقاييس، ولأنها كذلك، فقد كانت "إرم نيوز" حاضرة، لتنقل الأجواء الاستثنائية التي تعيشها مدينة عقبة بن نافع.
حركة غير عادية
تعوّدت مدينة القيروان على استقبال الآلاف في "ليلة 27"، ولذلك فهي تستعدّ، فتلبس حلّة جميلة، فتتزيّن الشوارع والساحات العامة، وخاصة محيط جامع القيروان، و"المدينة العربي" بأزقتها الضيقة، ودكاكينها التي حافظت على طابعها التقليدي، فزاد ذلك في إقبال السيّاح عليها، واقتناء كل ما هو تقليدي، فمدينة القيروان تشتهر بزرابيّها المزركشة المتقنة، بأياد حرفيين وحرفيات مهرة.
وتستقبل شوارع مدينة القيروان ومقاهيها وساحاتها، الآلاف من الزوار، في حركة صاخبة، حيت تعلو الفرحة الوجوه في ليلة رمضانية غير عادية، كيف لا ومدينة القيروان تستقبل سنوياً ما يقارب نصف مليون زائر، في المواسم والأعياد الدينية، وفي "ليلة 27 "بالذات، لا يقلّ العدد عن 50 ألف زائر، وفق والي القيروان، حتى أنّ الأشقاء من دول المغرب العربي، وخاصة من ليبيا والجزائر، وبعض من المغرب وموريتانيا، وحتى من الخليج العربي، يزورون مدينة القيروان في هذه الليلة المباركة.
زمزم القيروان
وأنت تمرّ وسط المدينة العتيقة، تستوقف ورقة كتب عليها "لكل مدينة زمزمها، وزمزم القيروان ماء برّوطة"، وأمام البناية، جمل، تمّ تعصيب عينيه، وهو يلبس حلّة جميلة، يدور حول بئر تقليدية قديمة، وبواسطة جرّة يخرج الماء من هذه البئر "بئر برّوطة"، قال جمال الذي شرب من الماء، وهكذا يفعل زوّار القيروان: "كل من يشرب من ماء برّوطة سيعود من جديد لزيارة مدينة القيروان ليشرب من جديد من هذه البئر التي لا يتوقف ماؤها منذ وقت طويل.."، وتتضارب الروايات حول هذه البئر ، إلاّ أنّ ماءها الحلو، جعل أهالي القيروان يعتبرونها "ماء زمزم" تبرّكاً وتيمّناً..
مقروض القيروان
إلى جانب جامع عقبة ومقام الصحابي الجليل "أبي زمعة البلوي"، تشتهر مدينة القيروان بإنتاجها للزرابي الجميلة، والمتقنة، وكذلك بحلويات "المقروض"، التي تزدهر تجارتها على مدار كامل أشهر السنة، وخاصة في شهر رمضان، وفي هذه الليلة بالذات التي تشهد فيها القيروان زيارة الآلاف، يقول الحاج الهادي، أشهر تجّار المقروض في عاصمة الأغالبة، وهو برغم ما فعلته السنون به، فهو يتمتع بالحيوية والنشاط، يقف ليصنع المقروض ذي الطعم الشهيّ، يطوّع العجين بيديه بخفّة، على طاولة يرشّها من حين إلى آخر بالزيت، حتى يفعل بالعجينة ما يحلو له من أشكال، وأصناف: "لئن بقيت تجارة حلويات المقروض مزدهرة في كامل أشهر السنة، فإنّ شهر رمضان يشهد عليها إقبالاً كبيراً، حيث تطلب بقوة يومياً، وخاصة في هذه الليلة التي يتضاعف فيها الزوار مرات ومرات.."، وأضاف "نحن لا نتوقف عن العمل كامل اليوم، ولذلك فنحن نستعدّ على أحسن استعداد."، موضحاً أنّ "المقروض" يصنع من "السميد والتمر والمعجون والسمن والفواكه الجافة من لوز وبنكهات عديدة.".
ختان الأطفال
يتبرّك التونسيون عموماً، ومنهم أهالي القيروان بختان أطفالهم في هذه الليلة المباركة، وتحديداً في مقام "سيدي الصحبي" حيث تقام الأفراح في هذه المناسبة، ويتجمّع العشرات من الأطفال للختان، ويتواجد عدد من "الطهّارين" للقيام بهذه المهمّة، وسط أفراح العائلات، في أجواء تعلو فيها رائحة البخور وتتصاعد الزغاريد من هنا وهناك، بين صياح الأطفال.
وأكد جمال، أنّ "أمي أصرّت على أن تختن ابني في مقام "سيدي الصحبي" تبرّكاً، ولذلك فقد ألبسناه هذه الزي التقليدي، والحمد لله أنّنا ختنّاه في "ليلة 27" المباركة، وسط أفراح العائلة، وقد تعوّد أهالي القيروان على ذلك منذ عهود.."، وأشار إلى أن "عائلات من مدن أخرى تختن أطفالها هنا في القيروان، في هذه الليلة.".
موسم "الخطبة"
في "ليلة 27"، تعوّدت العائلات التونسية التيمّن والتبرّك بها، فهي تقيم حفلات الخطوبة أو عقد القران، فيخرج الخطيب وخطيبته لشراء "الخاتم" وبعض الملابس الأخرى، وتنظم العائلة سهرة احتفالية يلبس فيها الخطيب خطيبته "خاتم الخطوبة" ويقرأون "الفاتحة"، كما أنّ البعض يزور عائلة خطيبته ويقدم لها بعض الهدايا، في هذه الليلة التي يطلق عليها "الموسم"، ويستغل بعض الشباب الحركية الكبيرة في هذه الليلة، في المدينة، فيخرج مع خطيبته وبعض أفراد عائلته لشراء الذهب استعداداً لحفل الزفاف.