عمليًا: ماذا يعني "حظر النشر" ما دام الفضاء الإعلامي لا يعترف بالحدود الجغرافية؟
عمليًا: ماذا يعني "حظر النشر" ما دام الفضاء الإعلامي لا يعترف بالحدود الجغرافية؟عمليًا: ماذا يعني "حظر النشر" ما دام الفضاء الإعلامي لا يعترف بالحدود الجغرافية؟

عمليًا: ماذا يعني "حظر النشر" ما دام الفضاء الإعلامي لا يعترف بالحدود الجغرافية؟

ثلاثون ساعة تقريباً انقضت ما بين تنفيذ الحادث الإرهابي الذي تعرض له مكتب المخابرات العامة الأردنية في مخيم البقعة شمال العاصمة عمان صباح يوم الاثنين الماضي، وبين بيان النائب العام بـ حظر النشر في الموضوع.

خلال هذه الفترة كان الفضاء الإعلامي العابر للحدود الجغرافية اكتظ بأطنان "الحكي بدون جمرك" من تحليلات أو تعقيبات أو تسريبات. حتى إذا عممت هيئة الإعلام الأردنية قرار النائب العام بحظر النشر، فقد انتهى "الحكي بدون جمرك" وجرى بدلاً من ذلك فرض ما يجوز تشبيهه بضريبة القيمة المضافة على النشر، وهي ضريبة أضحت ثقيلة جداً كونها جزءاً من قانون مكافحة الإرهاب.

خلال الساعات الثلاثين الأولى للحادث الإرهابي، توزع الحديث المنشور في الموضوع، بين ثلاث أو أربع جهات رئيسة أصبحت هي الاطراف التي تتحكم بالمشهد الاعلامي لأي قضية عامة كبيرة ، من زواياه السياسية والنفسية:

رسمياً، وفي وقت مبكر من صباح يوم الاثنين وصف بيان وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة د. محمد المومني الهجوم  الارهابي بأنه "حادث فردي معزول "وأن التحقيقات جارية

تفاصيل إلقاء القبض على الجاني جرى نشرها لأول مرة على الفيسبوك وذلك من خلال مواقع نشطاء شباب قبيلة العدوان الذين استنفروا الإعلام المجتمعي في سياق متابعتهم الحاشدة للبطولة التي أظهرها أحد ابناء القبيلة من مرتبات الأمن العام وهو احمد محمد العدوان عندما اكتشف مقترف العمل الإرهابي وتصدى له على نحو أصيب معه برصاصتين في بطنه أدخلته المستشفى. قصة إلقاء القبض على الجاني تناقلتها المواقع الإخبارية  مع اسمه  محمد علي، من مواليد العام 94.

وفي هذه الاثناء كانت القنوات الفضائية وبعض المواقع الإخبارية الأردنية والعربية، تتسابق في إعطاء مساحات متفاوتة لمن باتوا يعرفون بـ "خبراء الإرهاب"، من كتّابٍ صحفيين وقدامى العسكريين ممن  فرزوا أنفسهم خلال السنوات الماضية كمتابعين بدأب لبيئة الإرهاب المشتعلة ، وعلى نحو منحتهم فيه التلفزيونات صفة "الخبراء" لتعزز بذلك قوة تأثير تقاريرها الإخبارية على المشاهدين.

يشار إلى أن الإغراق الإعلامي  في إطلاق صفة الخبراء بالأرهاب والاستراتيجيا، كان أثار في اكثر من بلد ومناسبة جدلاً إعلامياً من زاوية أن تعبير "الخبير" لا يجوز علميا إطلاقه إلا على ذوي الاختصاص الاكاديمي المجرّب والموثق. وقد شملت حملات الجدل تلك، النسق الإخباري الذي دأبت عليه الفضائيات الأربع أو الخمس الكبرى في تغطياتها لمجريات الحروب الجارية في سوريا والعراق واليمن وليبيا، خصوصاً وأن معظم ما كان يصدر عن "الخبراء" هو أقرب لتكرار بعض المفردات المتخصصة في علوم الأمن والجغرافيا الحربية.

العمل الفردي والذئاب المنفردة

في البيان الرسمي الأردني عن الحادث الإرهابي ورد توصيف العمل الإرهابي بانه "عمل منفرد" وهو تعبير ترك المجال للمتحدثين على الفضائيات والمواقع الإخبارية أن تذهب تحليلاتهم بأكثر من تجاه، وذلك حسب الموقف الشخصي أو السياسي للمتحدث.

معظم من تحدثوا خلال اليومين الماضيين حول حادث البقعة، استندوا إلى توصيف د. المومني للحادث بأنه "عمل فردي" واصفين الجاني من فئة "الذئاب المنفردة". وكانوا في ذلك يرجحون أن العمل الإرهابي كان من طرف مؤيد أو عضو في التنظيمات الإرهابية لكنه جاء بمبادرة شخصية ، وليس بتعليمات من قيادة داعش أو القاعدة.

البعض من "الخبراء" كان يستخدم قاعدة البيانات والأسماء التي راكمها خلال السنوات القليلة الماضية، ليورد أسماء قيادية في التشكيلات الإرهابية مثل العدناني، ممن تحتفظ قاعدة البيانات بتصريحات سابقة في هذه الاتجاهات.

لكن توصيف الحادث الإرهابي بأنه "عمل منفرد" سمح لمخيلة البعض "، بأن تعيد إنتاج المعلومة  المنشورة عن تحقيقات قريبة كانت جرت  مع الجاني ثم لينتهوا من ذلك بالقول إن الجريمة "عمل منفرد" بمفهوم أنها رد فعل شخصي من الفاعل او شقيقه، تجاه إجراءات استدعائهم المتكرر للتحقيق معهم.، كما قالت وكالة انباء عربية صغيرة مقرها لندن.

حساسيات الأصول والمنابت

وزاد في ارتباك المشهد الإعلامي المثقل بشطط ، ومشاركة نشطاء الفيسبوك وتويتر، أن بعضهم وصف الجاني من اللاجئين السوريين ففتح بذلك باباً واسعاً للتراشق في الأصول والمنابت. ومثله آخرون عندما أوردوا مع اسم الفاعل وهو "محمد علي" بأنه ابن شقيقة أحد النواب السابقين من دائرة مخيم البقعة. الامر الذي أسرع فيه النائب السابق بالنشر على مواقع التواصل الاجتماعي أنه يتبرأ من الجريمة / حتى لو كان فاعلها هو ابن شقيقته.

وربما من هذه الزاوية تحديداً، زاوية الأصول والمنابت، جاءت إشارة العاهل الأردني في زيارته لدائرة المخابرات العامة، مؤكدة "الوحدة الوطنية التي لا تزيدها التحديات إلا رسوخاً ومتانة".

الأردن والحصانة ضد توسعات الإرهاب

خلال السنوات القليلة الماضية من "الحرب العالمية الثالثة" على الإرهاب، - كما أصبحت توصف – فقد طورت جهات عديدة مهاراتها في التوجيه الإعلامي للأحداث. فأصبح  معروفا لدى ذوي الاختصاص أن هناك مدرسة إيرانية في التوجيه الإعلامي عبر سلسلة من المنابر، فضائية والكترونية. كما أصبحت هناك أيضاً مدرسة إعلامية للتنظيمات الإرهابية، مقدمتها داعش والقاعدة، يجري من خلالها توجيه مرتادي المواقع الاجتماعية وتجنديهم ايضاً. كذلك هناك ايضاً مدرسة إعلامية سورية وأخرى روسية.

لكن المدرسة الإسرائيلية في هذا المجال كانت موجودة وحافظت على موقعها في محاولات توجيه الأخبار مستخدمة سرعتها في إعطاء تفاصيل فنية ولوجستية علّها  تفرض نفسها على تحليلات طبقة "الخبراء".

وفي هذا الخصوص فإن نشرة "ديبكا" العبرية والموصوفة بأنها ذات صلة بالمخابرات الإسرائيلية، تحتل موقعاً معروفاً في سرعة المبادرة، وهو ما فعلته في حادث البقعة، فقد أعطته عنواناً بأنه من ترتيب "داعش" وقالت إن العملية تضمنت  أكثر من شخص وسيارة. وفي السياق توسعت " ديبكا " بالحديث عن مخاطر الارهاب  على الكيانات السياسية في المنطقة .

 وفي المقابل ، خرجت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية النافذة، من دائرة التفاصيل الصغيرة لتعرض وجهة نظر الصحفي المتخصص بالشؤون الأمنية والاستخبارية يوسي ميلمان في  تبيان مدى استقرار الأردن وحصانته تجاه المدّ الإرهابي. وكان رأيه أنه رغم حادث البقعة، فإن الحقيقة الماثلة هي أن الأردن يظل بلداً مستقراً نسبة الى شرق أوسط يتسم بالفوضى. وتابع أن الأجهزة الأمنية الأردنية تحظى بتقدير عال من نظيراتها الدولية وأنها أحد أفضل الأجهزة التي أخترقت داعش وجمعت معلومات عن مرتباتها، وأن مستشارين ومدربين دوليين وقوات خاصة تشارك في مهمات سرية داخل سوريا، وتخترق المواقع المحصنة للإرهاب بمبادرات استباقية تضمن، ايضاً، دوام استقرار الأردن. وينتهي التقرير بنقل قناعة الاجهزة الاستخباراتية الأمريكية والإسرائيلية أن الأردن سيواصل العمل من موقع مهم ومستقر في حلف دولي ضد الإرهاب.

الحدود الجغرافية لمنع النشر

قرار منع النشرفي حادث البقعة تضمن "حظر نشر أي أخبار أو معلوما ت متعلقة بالقضية التحقيقية الخاصة بمكتب مخابرات البقعة، وبأي وسيلة كانت سواء عن طريق المواقع الإلكترونية أو وسائل التواصل الاجتماعي أو أي وسيلة إعلامية أخرى، حفاظاً على سرية التحقيق وتحقيقاً للصالح العام وتحتت طائلة المسؤولية العامة، واستثنى قرار منع النشر البيانات والمعلومات التي تصدر عن النائب العام لمحكمة امن الدولة.

 القرار جدد الاجتهادات في سؤال قديم يتعلق بالحدود الجغرافية للمساءلة عن النشر في فترة الحظر: هل ما ينشر في لندن أو القاهرة مثلاً يخضع لقانون البلد المعنية بالموضوع وبالذات إذا كانت هناك شبهة بأن مصدر  تلك معلومة هي من مراسل محلي؟ وماذا لو كانت معلومات تلك التقارير المنشورة في الخارج  تندرج تحت بند "إيجابي" في المحصلة النفسية والسياسية" كما حصل في تقارير نشرت صباح اليوم في الخارج متضمنة تفاصيل فنية من واقع التحقيقات السرية؟

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com