جرائم "الشرف" في إدلب السورية.. القتل بـ"مباركة" المجتمع والقانون
جرائم "الشرف" في إدلب السورية.. القتل بـ"مباركة" المجتمع والقانونجرائم "الشرف" في إدلب السورية.. القتل بـ"مباركة" المجتمع والقانون

جرائم "الشرف" في إدلب السورية.. القتل بـ"مباركة" المجتمع والقانون

يشكل القتل بداعي "الشرف"، كابوسا يلاحق النساء في مدينة إدلب شمال غرب سوريا منذ سنوات.

وتزداد هذه الظاهرة في ظل تشجيع مجتمعي لها وغياب القوانين العادلة وحالة الفوضى المتمثلة بالفلتان الأمني الذي تشهده المنطقة الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام ومقاتلي المعارضة السورية، بحسب منظمات حقوقية.

وقالت تلك المنظمات إن تلك الجرائم ارتفعت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، بعد عمليات تبرئة لمجرمين قتلوا بناتهم وزوجاتهم في محاكم "الهيئة"، والتي لا تحاسب قوانينها على مثل هذه الجرائم، طالما أنها تتعلق "بالحشمة والشرف".

وتحدث تقرير لمنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" صادر مؤخرا عن 24 حادثة، قتلت فيها 16 امرأة على يد أقرباء لهن بحجة "الشرف" في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة.

وأشارت المنظمة إلى أن "6 نساء أخريات قتلن لأسباب لم يتم الكشف عنها، حيث يُعتقد أن الدوافع الأساسية لها متعلقة بذات الذريعة".

وأضافت أن "12 امرأة من بين الضحايا قتلن على يد أقرباء لهن بحجة الشرف في محافظة إدلب وريف حلب".

وتأتي هذه الإحصائية بين الفترة الممتدة ما بين شهر كانون الثاني/ يناير 2020، حتى شهر شباط/فبراير 2021.

وتشمل فقط الحوادث التي استطاعت المنظمة الوصول إليها، حيث يُعتقد أن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير.

"تشجيع مجتمعي"

لم تكن تيماء السرحان (22 عامًا) تعلم أن انتشار صورة "مسروقة" لها على مواقع التواصل الاجتماعي، ستتسبب بمقتلها هي ووالدتها، بعد أن قام ابن عمها بإطلاق النار عليهما، ما أدى لوفاتهما على الفور.

وحصلت الحادثة في مخيم إحساس الحدودي شمال إدلب، في 12 حزيران/ يونيو العام الماضي، وسط تشجيع المجتمع المحلي وسلطات الأمر الواقع لها، في حين لا يزال المجرم طليقًا دون محاسبة.

" قوانين ظالمة ومجتمع لا يرحم".. بهذه الكلمات تعبر راما سرحان (26 عامًا)، وهي شقيقة تيماء، عن حزنها وألمها على شقيقتها ووالدتها اللتين قتلهما العرف المجتمعي السائد الذي يعطي استحقاق القتل للمرأة في أدنى خطأ ترتكبه.

وأضافت "راما" أن "المحاكم والسلطات القضائية لم تبد أي جدية في التعامل مع قضية شقيقتها، خاصة وأنها لم تنجح حتى الآن في القبض على الجاني".

وأشارت إلى أن ذلك "يوضح تأييد هذه المحاكم لأفكاره وجنايته"، علمًا أنها لم تدخر جهدًا في سبيل الضغط لمحاسبته.

ولفتت إلى أن "الواقع الإجرامي الذي يفرض على النساء في محافظة إدلب يتنامى مع غياب القوانين والدساتير الداعمة لحقوق المرأة، التي لا تلقى أي حماية من محاكم "هيئة تحرير الشام" وذراعها المدني المتمثل "بحكومة الإنقاذ"، حتى وإن كانت حياتها مهددة".

"فلتان أمني"

وبحسب ناشطات تحدثن لـ "إرم نيوز" في محافظة إدلب، فإن الفلتان الأمني وغياب سيادة القانون بالإضافة إلى انتشار السلاح في ظل الموروثات الاجتماعية السائدة، أسباب أدت بطريقة أو بأخرى إلى ازدياد معدل جرائم القتل بداعي "الشرف" في المناطق السورية المختلفة، وعلى رأسها محافظة إدلب.

وأشرن إلى أن "جرائم الشرف" باتت ذريعة مقنعة تبرر جناية القتل العمد، إذ إن العديد من الجرائم بحق النساء كانت تحصل نتيجة خلافات عائلية ومالية، إلا أن الجناة غالبًا ما يبررون أفعالهم بحجة "الشرف"، خاصة بعد ثبوت الأحكام المخففة عن هذه الفئة من جرائم قتل النساء.

وأواخر العام الماضي، فقدت الشابة هبة عرفة (24 عامًا) حياتها، بعد أن أقدم زوجها المدعو (ساهر سلطان) على قتلها عبر عدة طعنات متفرقة في جسدها أدت لوفاتها.

وقالت رانيا يوسف (42 عامًا)، وهي والدة هبة، إن ابنتها كانت تنوي الطلاق بسبب تعرضها لتعنيف جسدي ولفظي مستمر من زوجها الذي ارتكب فعلته عندما أخبرته بقرارها في رغبتها بالانفصال عنه، لكنه برر جريمته أمام المحكمة على أنها بداعي "الشرف".

وأضافت "يوسف" أن "المحامي الموكل بالقضية أخبرها بأن القاضي لن يحكم بفترة سجن أكثر من ستة أشهر على الجاني؛ نظرًا للأسباب المخففة التي تتبعها قوانين هذه المحاكم في مثل هذه القضايا".

وأشارت إلى أن القوانين النافذة عن السلطات القضائية في هيئة تحرير الشام أشبه "بقوانين الغاب.. والقوي يأكل الضعيف"، فلا حقوق للمظلوم أو المجني عليه ضمن إطار سياستهم التي وصفتها بـ "الهادفة والممنهجة".

ولاقت الشابة رهف كنعان (17 عامًا)، وهي نازحة تعيش في مخيمات شمال إدلب، المصير ذاته، بعد أن أطلق عليها والدها المنتمي لهيئة تحرير الشام عدة رصاصات بالرأس أدت لوفاتها نتيجة نزعها الحجاب أمام الخيمة.

وبحسب مصادر مقربة من العائلة، فإن الشابة مصابة بمرض عقلي يوصلها لمرحلة عدم الإدراك أحيانًا، إذ إن والدها انتهز فرصة خلعها للحجاب ليتخلص منها بداعي الشرف، في محاولة منه للإفلات من جريمة القتل، حيث كان له ما أراد حين برأه القاضي لاحقًا لسلوك ابنته المخالف لـ "الدين والشرع".

"أسباب مخففة"

وقال مصدر قضائي في حكومة الإنقاذ، رفض ذكر اسمه لـ "إرم نيوز"، إن جرائم القتل المتعلقة بالشرف يناط بها أحكام الشريعة الإسلامية من حيث المبدأ، إذ إن الحكم فيها يتم نظرًا لاجتهاد القاضي المشرف على القضية الذي يتخذ حكمه بناءً على المعطيات والدلائل والشهود.

وأضاف المصدر أنه في حال ثبوت القتل بداعي الشرف من قبل الأب أو الأخ أو الزوج فغالبًا ما يتم الحكم على القاتل بفترة سجن لا تتجاوز ستة أشهر، للأسباب المخففة التي "تراها الشريعة الإسلامية والسنة النبوية في مثل هذه القضايا"، على حد تعبيره.

وأشار إلى أن المحاكم القضائية تواجه العديد من القضايا المتعلقة بجرائم الشرف شهريًا، إذ إن الأحكام تكون مختلفة بحسب الأدلة والبراهين والشهود، التي على أساسها تصدر مدة أو نوع العقوبة المقررة.

وتنتشر جرائم القتل والخطف والسرقة بشكل ملحوظ خلال الأشهر الماضية في محافظة إدلب ومناطق سيطرة المعارضة، نتيجة لسوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية والأمنية.

"تشريعات صارمة"

من جهتها، قالت روعة شيخو (38 عامًا)، وهي ناشطة نسوية مقيمة في مدينة إدلب، إن تشجيع المجتمع المحلي على القتل، بالإضافة إلى تهاون سلطات القضاء في هذه الأمور، جعلت منها مسوغًا مشروعًا لعمليات قتل النساء اللواتي يعانين من هيمنة السلطة الذكورية والعادات والتقاليد والأعراف المجتمعية السائدة.

وأضافت شيخو أنه "من الضروري سن قوانين وتشريعات صارمة من شأنها أن تحمي المرأة من المخاطر التي تهدد حياتها، كالابتزاز والقتل والخطف، بغض النظر عن الأسباب التي دفعت الجاني لارتكاب الجريمة".

وأشارت إلى أن "جريمة الشرف" غدت كابوسًا يلاحق معظم النساء اللواتي يقطن في مناطق شمال غرب سوريا، بسبب فقدان الأمن وسهولة إزهاق أرواحهن دون أي محاسبة أو عقاب.

وذكرت أنه "يجب الوقوف بجدية ومسؤولية أمام هذه الظاهرة، من خلال تفعيل دور المراكز النسوية التوعوية، بالإضافة لمراكز تمكين المرأة التي من شأنها الحد من انتشار هذا العرف السائد والمتنامي، من خلال الضغط على المسؤولين القضائيين لتجريم قتل النساء مهما كانت الأسباب والدوافع".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com