"القرقيعان".. موروث شعبي خليجي مستمر رغم الحداثة والفتاوى المتضاربة
"القرقيعان".. موروث شعبي خليجي مستمر رغم الحداثة والفتاوى المتضاربة"القرقيعان".. موروث شعبي خليجي مستمر رغم الحداثة والفتاوى المتضاربة

"القرقيعان".. موروث شعبي خليجي مستمر رغم الحداثة والفتاوى المتضاربة

يمتاز شهر رمضان في دول مجلس التعاون الخليجي بطقوس وعادات خاصة، واظب الخليجيون على إحيائها رغم التطور والنهضة التكنولوجية التي شهدتها بلادهم، ورغم فقدان هذه الطقوس بساطتها ورونقها القديم لتتلاءم بشكلها الجديد مع الانفتاح والحداثة بهذه الدول.

وتتعدد الموروثات التي يبدأ بإحيائها سكان هذه الدول قبيل بدء شهر رمضان من كل عام، وتمتاز كل دولة عن الأخرى بطقوسها وطريقة إحيائها، إلا أنها تشترك جميعا بموروث شعبي قديم وهو "القرقيعان" ويعود تاريخه لعشرات السنين ويقام بمناسبة إتمام صيام نصف شهر رمضان.

ويُعتبر اسم "قرقيعان" هو الاسم الشائع لهذا الموروث، وهو الاسم الذي يعتمده أهالي السعودية والكويت، إلا أنه يأخذ أسماء محورة في دول الخليج الأخرى، حيث يقال له "قرقاعون" في البحرين، و"قرنقشوه" في سلطنة عمان، و"قرنقعوه" في قطر، أما في الإمارات فيُسمى "حق الليلة" ويتم الاحتفال به قبيل رمضان.

و"القرقيعان" احتفال خاص بالأطفال، كان يتم التحضير له سابقا من قبل الأهالي قبيل انتصاف شهر رمضان، كنوع من تكريم الأطفال على إتمامهم صيام نصف الشهر الفضيل، حيث يقوم الأطفال يوم المنتصف بالطواف على بيوت الحي بأثوابهم التراثية، حاملين أكياسا من قماش ويرددون أهازيج تراثية خاصة بهذا التقليد للحصول على الحلوى والمكسرات والنقود التي يتم خلطها مسبقا.

إلا أنه وكغيره من الطقوس، فقد شهد "القرقيعان" تطورا ملحوظا في السنوات الماضية، حيث استغنى كثيرون عن الأكياس القماشية البسيطة واتجهوا إلى الأكياس والعلب الجاهزة الخاصة بهذه المناسبة، التي يتم تحضيرها بشكل لافت وبألوان وصور مميزة ويتم بيعها في محال تختص ببيع مستلزمات "القرقيعان".

وتنعش مستلزمات القرقيعان الأسواق والمحال التجارية التي تشهد عقب يوم العاشر من رمضان إقبالا كثيفا من الأهالي، للتحضير لهذا اليوم الذي أخذ الاحتفال به في السنوات الماضية طابعا عصريا، إذ تجاوز الأحياء والشوارع إلى المؤسسات والجهات الحكومية والخاصة التي حرصت على تنظيم الاحتفال بهذا الموروث بفعاليات وأنشطة مختلفة.

وشهدت دول الخليج هذا العام احتفالات واسعة بالقرقيعان بعد عامين من الإغلاق الذي فرضته جائحة كورونا.

السعودية

وفي السعودية، يتم الاحتفال بالقرقيعان من قبل أهالي المنطقة الشرقية في منتصف شهر رمضان من كل عام، ويطلقون عليه اسم "الكريكعان" أو "الناصفة" أو "الكريكشون".

وأحيت بعض الأسر في المنطقة الشرقية القرقيعان، حيث أظهرت صور متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أجواء الاحتفال وخروج الأطفال بالأزياء الشعبية حاملين أكياس القرقيعان للحصول على الحلويات والمكسرات.

ويستعين بعض الأهالي بالتقنية الحديثة لتفعيل القرقيعان وإطلاق الأهازيج عبر الأجهزة الذكية المصاحبة للأطفال في رحلتهم، كما تقوم بعض الأسر بتخصيص عربات مجهزة بالزينة، تجرها الدواب حاملة الأطفال وهم يصدحون بأهازيج القرقيعان، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السعودية (واس) عن مواطن من سكان تلك المنطقة.

وشاركت جهات رسمية وخاصة في احتفالات القرقيعان، حيث نظمت بلدية محافظة القطيف احتفالا بالقرقيعان، وشاركت الأهالي والأطفال بهذه المناسبة موثقة ذلك بصور عبر حسابها في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر".



الكويت

وفي الكويت، أقيمت احتفالات واسعة بهذا الموروث الشعبي على مدى 3 أيام سبقت منتصف رمضان، حيث تم تنظيم فعاليات وأنشطة من قبل مؤسسات وجهات رسمية وخاصة، وتم تغطية هذه الفعاليات من قبل وسائل الإعلام المحلية.

وشهدت أسواق الكويت إقبالا كبيرا لشراء مستلزمات قرقيعان من حلويات ومكسرات وألبسة وزينة رغم ارتفاع الأسعار، في الوقت الذي لجأت فيه بعض الأسر لتأمين احتياجات القرقيعان من مواقع التواصل الاجتماعي.

ونظم الأهالي احتفالات داخل مناطقهم بكثافة لتوزيع القرقيعان على أطفال الحي، فيما اكتفت بعض الأسر بالاحتفال ضمن حدود العائلة في المنزل تخوفا على أطفالهم من الحوادث المرورية رغم الدعوات الرسمية بتوخي الحذر في الشوارع.



البحرين

ولم تغب احتفالات القرقيعان أو "القرقاعون" عن مملكة البحرين، حيث أحيا الأهالي إضافة إلى مؤسسات حكومية وخاصة هذا الموروث الشعبي، وحرص المحتفلون على ترديد الأهازيج التراثية وتقديم مأكولات شعبية ضمن الاحتفالات التي تخللها فعاليات وأنشطة وتوزيع جوائز.

سلطنة عمان

وفي سلطنة عمان، ورغم رفض البعض لإحياء هذا الموروث، فقد حرص آخرون على إحيائه، واحتفل الأهالي في عدد من ولايات السلطنة يوم السبت بالقرقيعان أو" قرنقشوه".

وتم توثيق جانب من هذه الاحتفالات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أظهرت الصور ومقاطع الفيديو خروج الأطفال في مشهد مبهج والطواف في الأحياء المزينة، كما حرص البعض على الطواف بسيارات مزينة، واختار البعض ارتداء ألبسة معينة منها ألبسة الطاقم الطبي الذي بذل جهودا كبيرة في العامين الماضيين.

قطر

ولم يختلف الوضع كثيرا في قطر، حيث ارتدى الأطفال أثوابهم التراثية والمزينة وتجمعوا في أماكن تم الإعلان عنها مسبقا للاحتفال بهذا التقليد إحياء للتراث القديم وسط حضور لافت للفرق الشعبية، كما شهدت الاحتفالات فعاليات وأنشطة وعروضا مسرحية.



الإمارات

وفي الإمارات يسمى هذا الاحتفال "حق الليلة" إلا أنه وبخلاف بقية الدول فإنه يُقام قبيل رمضان وتحديدا في منتصف شهر شعبان تعبيرا عن الفرحة بقرب حلول الشهر الفضيل.

ويتم التحضير له مسبقا، حيث يطوف الأطفال بثيابهم الملونة وأكياسهم المزركشة على بيوت الحي بعد صلاة العصر للحصول على الحلويات والمكسرات والنقود، كما يتجمع أفراد الأسرة في هذا اليوم على سفرة طعام تقدَّم فيها المأكولات الشعبية.

جدل شرعي

ومع كل عام، يتجدد النقاش والجدل بشأن الرأي الشرعي حول هذه الاحتفالات التي تقيمها دول إسلامية أخرى، بين من يفتي بحرمتها مطلقا ويؤكد أنها "بدعة" تخالف الشرع ويدعو لمنع إقامتها، وبين من يرى أنها احتفالات جائزة ولا علاقة للشرع بها وأنها من وسائل إدخال البهجة إلى نفوس الأطفال وتشجيعهم على الصيام.

وهناك من يرى أنه لا مانع شرعا من إقامة القرقيعان، ما لم يكن ثمة إسراف ومبالغة في الاستعدادات والتحضير والصرف.

وتعود هذه الآراء لعلماء في الشريعة الإسلامية من بضع دول خليجية، وينعكس هذا الجدل بشكل دائم على الأهالي والنشطاء الذين يتبنون مواقف مختلفة من هذه الفتاوى، بين من يرفض الاحتفال مطلقا، وبين من يصر على الاحتفال ويرى أنه احتفال شعبي لا علاقة له بالفتاوى الشرعية.

ومن غير المعروف تاريخ بدء هذا التقليد التراثي في دول الخليج، كما تختلف الروايات بشأن أصل الاسم، بين من يقول "إنه مشتق من قرة العين وهو ما فيه فرح الإنسان وسروره"، وبين من يرى أن هذا المصطلح "مأخوذ من قرع الأطفال للأبواب للحصول على الحلوى".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com