خلافات في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بسبب "إصلاحات لاهوتية" للبابا تواضروس
خلافات في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بسبب "إصلاحات لاهوتية" للبابا تواضروسخلافات في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بسبب "إصلاحات لاهوتية" للبابا تواضروس

خلافات في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بسبب "إصلاحات لاهوتية" للبابا تواضروس

تتصاعد الأنباء حول وجود خلافات داخل الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بسبب "الإصلاحات الفكرية واللاهوتية" التي يقوم بها البابا تواضروس الثاني، بطريرك الكرازة المرقسية، والتي ظهرت للرأي العام من خلال بيان 4 أساقفة من أعضاء "المجمع المقدس"، أعربوا فيه عن قلقهم مما يجري، في الوقت الذي شهدت فيه الكنيسة في عصر البابا شنودة الثالث، مواقف متشددة تجاه العديد من القضايا، والتي كان مجرد مناقشتها يعد تغييرًا في صلب العقيدة المسيحية.

وتواصلت "إرم نيوز" مع الأنبا موسى، أسقف الشباب في الكنيسة الأرثوذكسية، وأحد الأساقفة الأربعة الموقعين على البيان، الذي قال إن ما يُقال عن وجود انقسامات داخل المجمع المقدس لا أساس له من الصحة، مستدركًا بالقول إن الأمر كله مجرد "تعدد في الآراء، حيث إن الكنيسة والمجلس جسد واحد رأسه البابا تواضروس، ولا يستطيع أحد أن يضرب وحدته"، نافيًا ما تردد عن أن هناك تعمدًا لتسريب البيان للرأي العام عبر المواقع الإخبارية لإحداث انشقاقات.

تسريب

من جانبه استنكر المفكر القبطي، كمال زاخر، تسريب بيان الأساقفة الأربعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع، حيث اعتبره دليلًا على وجود نية مبيتة لإحداث معركة ما، لإدخال الرأي العام الكنسي طرفًا فيها، واستدل على ذلك بالمواقع التي قامت بمناقشة البيان، ومعروف عنها أنها تأخذ موقفًا مناوئًا لتيار الإصلاح داخل الكنيسة.

تخوفات من الانفتاح على الكنائس

وأوضح زاخر، في تصريح خاص لـ"إرم نيوز"، أن من حق أي شخص في المجمع أن يطرح أي قضية خاصة بالكنيسة؛ لأن من مهامه الحفاظ على القواعد الأساسية في الإيمان، إلا أنه أشار إلى وجود تخوفات لدى بعض أعضاء المجمع من الاقتراب من الكنائس الأخرى.

ولفت إلى أن تحركات البابا تواضروس الأخيرة منذ مجيئه على كرسي الباباوية تهدف إلى مد خطوط التواصل مع الكنائس الأخرى، سواء في العائلة الأرثوذكسية أو في الكاثوليكية وغيرها.

وأوضح أن الكنيسة الأرثوذكسية بها انشقاق، منذ القرن الخامس، حيث إن هناك من قبلوا بقرارات مجمع خلقيدونية الذي عُقد وقتها، وأخرى رفضت هذه القرارات، مشيرًا إلى أنه مع تطور الترجمة حدثت مراجعات من أجل الانفتاح على الكنائس الأخرى، حيث دعا البابا تواضروس إلى مناقشة الاختلاف، وإيجاد صيغة تجعل وجهات النظر متقاربة مع وجود وثائق ومخطوطات وصلت إلى أن الخلاف لفظي وليس في المضمون.

مدرسة لاهوتية منفتحة

وأشار زاخر إلى أن الانقطاع الأول عن التواصل مع الكنائس الأخرى حدث عندما اتخذت الكنيسة المصرية موقفًا يغلب عليه الطابع القومي على اللاهوتي، فقاطع البطريرك المصري اللغة اليونانية، وانقطع التراكم الثقافي ولم نطلع على الأبحاث الجديدة، ما أحدث مشكلة بين المصطلحات اللاهوتية واللغة العربية، فكان هناك خلل في استيعاب بعض المصطلحات.

وأوضح أن جيل الدارسين الذي بدأ منذ 60 أو 70 عامًا انفتح على اللغة اليونانية فبدأ يعرف مفاهيم جديدة للمصطلح، فأصبح هناك مدرستان إحداهما تنقل عن اللغات الوسيطة فتأخد من الإنجليزية عن اليونانية، أما أتباع الأخرى فذهبوا لليونانية مباشرة، ووجدوا أن هناك أعماقًا أخطر في المصطلحات لم يتم الانتباه إليها، وتجلى ذلك في مسألة تأليه الإنسان وعقيدة الكفارة، وهو ما يرفضه الأساقفة الأربعة الذين يمثلون مدرسة البابا شنودة.

ولفت إلى أن البابا "تواضروس" من أنصار المدرسة اللاهوتية الجديدة، من خلال دعوته للاستعانة بدارسي اللاهوت باللغة اليونانية، خاصة أن هناك متغيرات جديدة في المجتمع، صعدت الخلاف، فيما اعتبره البعض ذوبانًا في الكنيسة الأوروبية تحت دعوى "كثلكة الكنيسة" وغيره.

رفض الكهنوت

وكشف زاخر عن الرافضين لتطور العقيدة المتمسكين بفكرة الكهنوت، من أجل أن يكون هناك وسيط بين العبد وربه، وهو ما يمثل العصور الظلامية، التي أدت إلى ظهور طبقة من الأساقفة والكهنة تطالب المسيحيين بأن يأتوا للقساوسة حتى يتوبوا، فيصلون لهم حتى يغفر لهم الرب، وهو أمر غير منطقي، لذا كان في عقيدة الإسلام رفض للكهنوت.

واتّهم زاخر الرافضين للتجديد والمصرين على التمسك بالكهنوتية للوساطة بين الإنسان وربه، بأنهم يهدفون إلى الحفاظ على نفوذهم الحالي على شعب الكنيسة، بالترويج أنهم حاصلون على تراخيص من الله لقبول التوبة، لافتًا إلى أن ما يقوم به البابا تواضروس يدخل فى دائرة التنوير، وما يمكن أن نسميه "الدخول في عش الدبابير".

مدرسة الإسكندرية

وأشار إلى أن مدرسة الإسكندرية واحدة من المدارس التي تتبنى هذا الفكر المستنير، حيث تدعو إلى خروج الإنسان المسيحي من سيطرة رجال الكنيسة، وهذا يفسر سبب الهجوم الحالي عليها، باعتبارها تقوم بثورة فكرية كنسية.

وأوضح أن مدرسة الإسكندرية التي يقودها حاليًا سيرافيم البراموسي، كانت قبلة الفلاسفة الكبار قديمًا نظرًا لما كانت تقدمه من أفكار، فكان يأتي إليها أفلاطون وغيره، لذا تسبب هذه المدرسة قلقًا للكثيرين، فيحاول مهاجموها التخفي وراء البابا شنودة باعتباره رمزًا مسيحيًا وربط قضيتهم به.

الزواج الثاني

وعن فكرة الزواج الثاني في المسيحية، قال زاخر إن من يتبنون الفكر المناهض للتجديد يرفضون هذا الأمر، ويتمسكون بنص"لا طلاق إلا لعلة الزنا"، في الوقت الذي يرى البابا تواضروس أنه في حال وجود خطر على الإنسان يجب أن يكون التعامل فيه بمبدأ "الإنسان من أجل السبت وليس السبت من أجل الإنسان" بما لا يخالف العقيدة المسيحية، لذا كان هناك في قانون الأحوال الشخصية الجديد إبطال لعقد الزواج، فأصبح مباحًا بشروط معينة، لأن هناك حالات تلجأ إلى القتل حتى تتخلص من شريك حياتها، حيث إن الدين لا يأتى ليزيد الأعباء على الإنسان بل ليحرره، لافتًا إلى أن المجمع به حوالي 15 عضوًا من أصل 131 هم المتبنّون لهذا الموقف ولهم شعبية، مؤكدًا أن الشعب الكنسي مرحب بالتجديد لأنه يساهم  بحل مشكلاتهم.

من جانبه، انتقد الأنبا مرقس، مطران شبرا الخيمة، إعلان الأمور الخاصة بالملاحظات على الأمور التعليمية أو اللاهوتية عبر وسائل الإعلام، مشددًا على ضرورة اتباع الطرق الشرعية وهي رفع الأمور الخاصة بالأخطاء إلى الرئيس المباشر.

البابا تواضروس واتحاد الكنائس

وأكد الأنبا مرقس خلال تصريح خاص لـ"إرم نيوز" رغبة البابا تواضروس في إقامة اتحاد بين الكنائس طبقًا للإيمان والعقيدة الواحدة، موضحًا أن هناك بعض الأشخاص في المجمع يتصورون أن هذا الانفتاح يعني تجاهل للعقيدة، وهو أمر غير صحيح.

ولفت إلى أن بعض الناس يعلمون الكتاب المقدس بمفاهيم خاطئة، موضحًا أن الهجوم على مدرسة الإسكندرية يأتي بسبب بعض المدعين الذين يطرحون مفاهيم وتفاسير تحتاج إلى مراجعة والتأكد من مدى توافقها مع التفسير السليم للكتاب.

وعن هجوم الأنبا دانيال، سكرتير المجمع المقدس عليهم عقب صدور بيان الأساقفة الأربعة، قال مرقس إنه لم يكن يقصد هؤلاء الأساقفة لأنه مشهود لهم بالعقيدة، حيث إن المقصودين من يسيئون للدين من مدعي فهم الكتاب المقدس بصورة مختلفة من أجل إحداث انشقاقات.

وعّما يتردد عن رفض بعض الأساقفة للزواج الثاني، قال إن المجمع كله وافق على قانون الأحوال الشخصية بالإجماع دون اعتراض.

أنصار فكر البابا شنودة

وعلى الجانب الآخر، يرى الأنبا يؤانس كمال، أستاذ اللاهوت، أن البيان يعبر عن وجود انقسام داخل المجمع المقدس، مطالبًا بإجراء حوار من أجل الوصول إلى نقطة التقاء، حيث إن الأمر يستدعي جلوسهم مع البابا، خاصة أنهم مقربون منه.

وأضاف في تصريح خاص لـ"إرم نيوز" أن ما يطرح من أمور خاصة بالزواج الثاني هو خروج عن المألوف، وكان البابا شنودة يرفضه لأن الأحوال الشخصية ليست وجهة نظر إنما تكون وفقًا لنصوص الكتاب المقدس.

وعمّا يقوم به البابا تواضروس من إصلاحات وانفتاح على الكنائس، قال يؤانس إنها ستثير الجدل ثم تنتهي، واصفًا الانفتاح بـ"التسيب"، والكنيسة الأرثوذكسية تحفظ الإيمان، ولا يمكن السماح بأن تكون "سمك لبن تمر هندي" بحسب تعبيره.

وتشهد الكنيسة المصرية منذ أكثر من نصف قرن صراعًا بين ما يسمى بالتيار المتشدد أو المحافظ الذي يمثله البابا شنودة الثالث، والتيار الإصلاحي الذي كان يقوده الأب متى المسكين في دير أبو مقار الذي أصبح رمزًا للتمرد على الكنيسة.

وعندما تولّى البابا تواضروس الثاني، أمور الكنيسة، تبنّى الفكر الإصلاحي، وحرص على التواصل مع رجال متى المسكين، وتصعيدهم في المناصب، وهو ما سبب صدامًا مع الحرس القديم.

وصدر تقرير مؤخرًا نسب للأساقفة الأربعة "الأنبا بنيامين، أسقف المنوفية، والأنبا مايكل، أسقف فرجينيا في أمريكا، والأنبا موسى، أسقف الشباب، والأنبا أغاثون أسقف مغاغة"، رفع للبابا تواضروس الثاني وأعضاء المجمع المقدس، تم تسريبه لوسائل الإعلام، انتقدوا فيه ما أسموه بالمخالفات والتعديات على إيمان وعقائد مؤسسات الكنيسة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com