سؤال جدّي في بيروت.. متى تبدأ عطلة نهاية الأسبوع؟
سؤال جدّي في بيروت.. متى تبدأ عطلة نهاية الأسبوع؟سؤال جدّي في بيروت.. متى تبدأ عطلة نهاية الأسبوع؟

سؤال جدّي في بيروت.. متى تبدأ عطلة نهاية الأسبوع؟

يدور في العاصمة اللبنانية بيروت جدل حول موعد عطلة نهاية الأسبوع، الأمر الذي يبدو بسيطاً نسبياً لدولة تعاني اقتصادياً بسبب الحرب لدى جارتها سوريا، غير أن هذا الجدل يعود لخلاف سياسي وديني، وليس خلافاً على الراحة والاستمتاع في ظل  توازن القوى الهش في لبنان.

فقيادة المجتمع المسلم السُّني تريد استرجاع يوم الجمعة كيوم راحة وعبادة، إذ بدأت حملة للضغط على رئيس الوزراء، السنّي أيضاً، من أجل إبطال قانون يحدد ساعات العمل للعمال المدنيين.

أما المسيحيون والمسلمون الشيعة والعديد من السياسيين السنّة، فقد كان لهم توجه واضح نحو قضية عطلة السبت والأحد كنهاية أسبوع، وهو أمر استثنائي في الدول العربية في الشرق الأوسط، من أجل تجنب إشعال توترات طائفية.

رئيس لبنان للفترة من 1982 وحتى 1988، أمين الجميّل،  قال خلال مقابلة في منزله المسيحي الماروني في بلدة بكفيا في الجبال شرق بيروت: "حين تكون منهكاً، فإن ذلك يؤجج النزاعات، وتصبح المشاكل الصغيرة صراعاً كبيراً، بشكل دائم، كان علينا أن نعاني لمواجهة ما يحدث في المنطقة. وفي لبنان نحن قادرون على المواجهة حتى الآن. ولكن الأبعاد الدينية أصبحت صعبة، وباتت سبباً لانعدام الثقة، وسبباً للنزاعات".

وهذا الخلاف هو اختبار آخر للتسوية السياسية التي أنهت حرب لبنان الأهلية منذ نحو ثلاثة عقود مضت، من خلال توزيع القوى على الطوائف الدينية، ويأتي ذلك في وقت تواجه فيه المنطقة تقلبات غير مسبوقة عبر حدود الدول.

ورغم أحاديث نادرة تقول إن لبنان سيتفكك إلى جماعات متقاتلة مرة أخرى، إلا أن هناك تحذيرات أوسع لأي شخص يحاول الخوض في أمر السلام في سوريا والعراق، فالتعايش السطحي الذي يحدث الآن بدلاً من المصالحة الحقيقية هو شرٌّ أقل.

ملتقى المتناقضات.

وفي مدينة متوسطية مليئة بالحانات، المقاهي، والمطاعم، حيث الشابات اليافعات يحتسين المشروبات، بينما المؤذنون يدعون الآخرين للمساجد، فإن بيروت اعتادت أن تكون في ملتقى المتناقضات، فالقوى الخارجية لطالما رمت ثقلها على التجربة اللبنانية، سواء النظام السوري أو الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب.

فالطوائف المختلفة في المدينة تتصارع من أجل نفوذ أكبر، والشيعة أصبحوا أكثر جرأة بسبب القوة السياسية المتزايدة من قبل حزب الله المدعوم من إيران في وجه محاولات الولايات المتحدة لإضعاف الجماعة، وتزايدت أعداد السنّة بقدوم أكثر من مليون لاجئ من سوريا وقولهم بأنهم مهمّشون.

عطلة الجمعة.

وكان عضو في حزب رئيس الوزراء سعد الحريري، قد اقترح في آب/ أغسطس الماضي زيادة وقت العمل للموظفين بمقدار 15 دقيقة لأربعة أيام في الأسبوع، لكي يصبح بالإمكان العمل لثلاث ساعات فقط يوم الجمعة حتى يتمكن المسلمون من أداء صلاة الجمعة.

إلا أن ذلك ليس كافياً لهؤلاء الذين يضغطون لتصبح العطلة أيام الجمعة والأحد، وأن يكون يوم السبت يوم عمل.

وتظهر صورة المفتي الأكبر على لوحات منتشرة حول المدينة مع رجال ساجدين في صلاتهم مع شعار مكتوب: "عطلة الجمعة هو حق تجب المصادقة عليه".

وقال حسن مكاوي، 72 عاماً، وهو سنّي يملك متجراً للحلوى: "إذا لم يجعل الحريري يوم الجمعة يوم إجازة سيخسر. لقد تم تجاهل السنّة لوقت طويل، وتم تخطي حقوقهم، وحان الوقت لإعادتها، وعطلة يوم الجمعة هي خطوة في ذلك الاتجاه".

أما جاره في نفس الشارع، أعلى التلة من منطقة وسط بيروت الممتلئة بالفنادق خمسة نجوم، والمطاعم على الطراز الفرنسي ومعارض السيارات الرياضية، حسين حمود 30 عاماً، وهو كهربائي شيعي، فلم يرغب بأن يتسبب الدّين بانتهاك العادات اللبنانية، حيث قال: "أنا مسلم وأعارض ذلك، لا يمكنك تقسيم عطلة نهاية الأسبوع، فهذا سيعني عدم قدرتك على الاستمتاع بأيام إجازتك".

وتعتبر بيروت الكبرى موطناً لحوالي ثلث سكان لبنان، الذين يبلغ عددهم 6 ملايين نسمة.

والطوائف الأساسية هي: المسيحية، السنّة، والشيعة، وتشكّل كل من هذه الطوائف ثلثاً من عدد السكان الإجمالي.

وقد تم تغيير ذلك من خلال لجوء الفلسطينيين بعد العام 1948، ومؤخراً من خلال لجوء السوريين، وليس هناك تعداد سكاني منذ العام 1932.

تجاور دور العبادة.

المساجد والكنائس تتجاور معاً بين ناطحات السحاب في المدينة وبين المباني السكنية.

 وعند الوصول مساءً إلى وسط المدينة، يقابل الزائر مسجد محمد الأمين الكبير والبرّاق الذي موّله رفيق الحريري، والد رئيس الوزراء الحالي، والذي كان قد تم اغتياله العام 2005، وبجوار المسجد يمكن مشاهدة الصليب يرتفع عالياً في السماء لكاتدرائية القديس جورج المارونية بجوار مآذن المسجد.

ومن السهل رؤية الثقوب التي أحدثها رصاص البنادق في مبانٍ أخرى منذ الحرب الأهلية التي اندلعت بين الأعوام 1975 – 1990.

 واحد من هذه المباني يُعرف الآن باسم "بيت بيروت"، وكان مبنى مهجورًا يستخدمه القناصة، وهو الآن متحف ومعرض، وسيقام فيه هذا الشهر معرض يهدف للمساعدة في شفاء الجراح العميقة، على حد تعبير الفنانة زينة الخليل، التي ترعرعت خارج لبنان وعادت العام 1994. وهي تلوم ميراث الصراع من أجل النظامين السياسي والاجتماعي المختلين وظيفياً.

ورغم ذلك فالخطوات يتم تنفيذها لإنهاء الركود هذا العام بتعيين رئيس جديد، وهناك آمال بتمرير الميزانية من قبل البرلمان لأول مرة منذ ما يقارب العقد من الزمان.

حيث قالت الخليل، 41 عاماً: "حين انتهت الحرب، توجهنا مباشرة نحو النسيان الجماعي". وأضافت: "نحن الآن نرى التداعيات السلبية لعدم القيام بالمصالحة، وما زال الألم هو المشكلة الأكبر".

"الإهانة".

وينقب آخرون في روح بيروت لتذكير الناس كيف يمكن للتوتر الطائفي أن يحول حتى المشاكل الصغيرة إلى صراع مفتوح.

 ففي فيلم يسمّى "الإهانة" للمخرج زياد دويري، والذي فاز بجائزة في مهرجان البندقية للأفلام العام الجاري، نشب شجار حول أنبوب تصريف بين ميكانيكي سيارات مسيحي ولاجئ فلسطيني، ليتحول الأمر إلى مواجهة كبيرة وأعمال عنف، ورمي الطرفين كلاهما للآخر بالاتهامات في المحكمة.

وبعد أن شاهد فاروق الخليل، 67 عاماً، الفيلم في أسواق بيروت في ليلة من ليالي الأسبوع الماضي، قال إن الفيلم بيّن انعدام الثقة العميق بين اللبنانيين منذ الحرب. هو من الدروز، وهي جماعة من بين خمسة جماعات في البلاد مرتبطة بالإسلام، حيث قال الخليل: "لم تتم التسوية، وهذا لأننا محكومون من قبل آخرين يفرضون علينا ما يجب أن يحدث هنا، من الخارج، أحياناً هي دول عربية، وأحياناً هي أوروبا وأمريكا، لم نحكم أنفسنا أبداً بشكل حقيقي وكامل".

ويأمل الرئيس السابق الجميّل، 75 عاماً، من مكاتب حزبه الكتائب اللبنانية خارج بيروت، أن تتمكن ثقافة البلاد الديمقراطية من أن تسود، حتى وإن كان الثمن غالباً وهو الشلل السياسي. فقال: "لهذا فإن المطالب الصغيرة يمكن أن تأخذ بُعداً آخر، لماذا اليوم وليس البارحة؟"

وقال أخيراً: "هناك نزاع حقيقي في لبنان بين ثقافة الديمقراطية والظاهرة الإقليمية والصراع الديني المتفاقم، هناك سباق ولا أعلم من سينجح".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com