إسرائيل شنت 16 غارة على مواقع بالضاحية الجنوبية لبيروت
حين تغرب الشمس وتستحيل أشعتها إلى سبيكة حمراء تراقص قمم الكثبان الرملية، وتتوج رؤوس النخيل، وتعانق صفحة الماء في الينابيع المتناثرة هنا وهناك، فاعلم أنك على موعد مع مدينة متفردة تسمى منذ آلاف السنين "لؤلؤة الصحراء" و "واحة الجمال".
إنها مدينة "غدامس" الليبية التي يعود تاريخها، بحسب نقوش وحفائر أثرية، إلى نحو 10 آلاف عام كواحدة من أشهر مدن شمال أفريقيا، التي لعبت دورا رئيسا في التجارة بين شمال وجنوب الصحراء الكبرى. احتلها الإغريق ثم الرومان ثم فتحها العرب على يد القائد المسلم عقبة بن نافع. واحتلها الإيطاليون عام 1924 حتى خرجوا منها ودخلها الفرنسيون في 1940 وظلوا بها حتى 1955.
شهادات الرحالة والمؤرخين
ورد ذكرها في كتابات العديد من الجغرافيين والرحالة العرب مثل كتاب "الاستبصار في عجائب الأمصار" في القرن السادس الهجري، والذي خصص لها بابا جاء فيه "هي مدينة لطيفة قديمة أزلية، وإليها يُنسب الجلد الغدامسي. وبها كهوف كانت سجونا للملكة الكاهنة التي كانت بأفريقية، وهذه الكهوف من بناء الأولين، فيها غرائب من البناء يحار الناظر إليها إذا تأملها، تنبئ أنها ممالك سالفة".
وأشار ياقوت الحموي في كتابه الشهير "معجم البلدان " إلى أن في وسط غدامس "عين أزلية" وعليها أثر بنيان عجيب روماني يفيض الماء فيها، ويقسم أهل البلدة مياهها بأقساط معلومة لا يقدر أحد أن يأخذ أكثر من حقه وعليها يزرعون.
ويشير "الحموي" هنا إلى "عين الفرس" التي تعد أهم الينابيع ومصادر المياه تاريخيا في المدينة.
التراث العالمي
وانتبهت اليونسكو "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة " إلى الأهمية الفريدة والاستثنائية التي تنطوي عليها "غدامس" فأدرجتها ضمن "لائحة التراث العالمي" نظرا لما تتضمنه من آثار وأطلال تتناثر في جنباتها، فضلا عن مكانتها التاريخية كمفترق طرق قديم ومكان استراحة للقوافل المتجهة إلى ساحل البحر المتوسط، قبل أن تواصل رحلتها إلى بقية ربوع العالم.
واتخذت الهيئة الأممية قراراً في 14 يوليو 2016، بإدراج المدينة ضمن 5 مدن ومواقع ليبية في قائمة "التراث العالمي المعرض للخطر" بسبب "الأخطار الحالية والمحتملة التي يسببها الصراع الدائر في ليبيا" إلا أنها عادت بعد 3 سنوات وأخرجتها من قائمة الخطر، إلى لائحة التراث العالمي مجددا.
ويصفها الموقع الرسمي لليونسكو في نسخته العربية بأنها "إحدى أقدم المدن التي قامت في حقبة ما قبل الصحراء" وخير مثال على الموئل التقليدي.
وتتميز هندستها المنزلية، بحسب الموقع، بتوزيعها الوظائف المختلفة على مختلف الطوابق، فالطابق الأرضي يُستخدم لتخزين المؤونة، والعلوي يتضمن ممرات مسقوفة مموهة وشرفات مكشوفة مخصصة للنساء.
أثار وشواهد
وتقع المدينة على بعد ما يقرب من 600 كيلومتر إلى الجنوب الغربي من العاصمة طرابلس، وتتوسط المثلث الحدودي بين ليبيا وكل من الجزائر وتونس. واكتسبت فرادتها على مر التاريخ؛ لأنها واحة بالأساس ومجتمع عمراني نشأ استنادا إلى وجود ينبوع مياه ضخم وسط هجير الصحراء وبالتالي تحولت إلى نقطة جذب للاستيطان الدائم منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد.
ويضم "متحف غدامس" العديد من روائع الأثار التي تعود إلى العصر الحجري، وهو جزء من منظومة آثار وشواهد فريدة تتميز بها المدينة مثل " قصر مقدول" و" رأس الغول"، فضلا عن "بحيرة مجزم" التي تعد من أهم معالم غدامس.