فيروسات "زومبي" مخيفة بائدة قد تعود بسبب ذوبان الجليد
بدأت درجات الحرارة الأكثر دفئًا في القطب الشمالي في إذابة التربة الصقيعية، وهي طبقة متجمدة من التربة تحت الأرض، ومن المحتمل أن تثير الفيروسات التي يمكن أن تعرض صحة البشر والحيوان للخطر، بعد أن ظلت خامدة لعشرات الآلاف من السنين.
وفي حين أن الوباء الذي أحدثه مرض من الماضي البعيد يبدو وكأنه من فيلم خيال علمي، يحذر العلماء من أن المخاطر، على الرغم من انخفاضها، لا تحظى بالاهتمام الكافي.
وفي تقرير نشرته الأربعاء نبّهت شبكة "سي إن إن" الأمريكية إلى أنه يمكن أيضًا أن يتم إطلاق النفايات الكيميائية والمشعة التي يعود تاريخها إلى الحرب الباردة، والتي لديها القدرة على الإضرار بالحياة البرية وتعطيل النظم البيئية أثناء ذوبان الجليد.
وقالت كيمبرلي مينر، عالمة المناخ في مختبر تابع لوكالة "ناسا" الفضائية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا: "هناك الكثير مما يحدث مع التربة الصقيعية التي تثير القلق، وهي توضح حقًا سبب أهمية الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من التربة الصقيعية مجمدة".
وتغطي التربة الصقيعية نحو خُمس نصف الكرة الأرضية الشمالي، وهي بمثابة كبسولة زمنية تحافظ على الفيروسات القديمة وأيضاً على بقايا محنطة لعدد من الحيوانات المنقرضة التي تمكن العلماء من اكتشافها ودراستها في السنوات الأخيرة، بما في ذلك اثنان من أشبال أسد الكهوف ووحيد القرن الصوفي.
فيروسات الزومبي
ولفهم المخاطر التي تشكلها الفيروسات المجمدة بشكل أفضل، قام جان ميشيل كلافيري، أستاذ الطب وعلم الجينوم في كلية الطب بجامعة إيكس مرسيليا في مدينة مرسيليا بفرنسا، باختبار عينات من الأرض مأخوذة من التربة الصقيعية في سيبيريا لمعرفة ما إذا كانت هناك جزيئات فيروسية فيه لا تزال معدية، بحسب الشبكة التي أوضحت أنه يبحث عما يصفه بـ "فيروسات الزومبي"، وأنه وجد بعضها بالفعل.
وأشارت الشبكة إلى أن جهود كلافيري تتركز على اكتشاف الفيروسات المجمدة في التربة الصقيعية، وهي مستوحاة جزئيًا من فريق من العلماء الروس الذين أعادوا في عام 2012 إحياء زهرة برية من أنسجة بذرة عمرها 30 ألف عام عثر عليها في جحر سنجاب.
وذكرت أنه في عام 2014، تمكن كلافيري من إحياء فيروس عزله هو وفريقه من التربة الصقيعية، ما جعله معديًا لأول مرة منذ 30 ألف عام عن طريق إدخاله في الخلايا المستنبتة.
وقالت الشبكة: "من أجل السلامة، اختار دراسة فيروس يمكنه استهداف الأميبات وحيدة الخلية فقط، وليس الحيوانات أو البشر".
وأوضحت الشبكة أن هذه السلالات الأخيرة تمثل خمس عائلات جديدة من الفيروسات، بالإضافة إلى العائلتين اللتين أعادهما من قبل، لافتة إلى أن الأقدم كان يبلغ من العمر 48500 عام تقريبًا، بناءً على تأريخ التربة بالكربون المشع.
عملية تدريجية
وأوضحت الشبكة أن ذوبان الجليد يمكن أن يكون عملية تدريجية لا تزيد عن سنتيمترات في كل عقد من الزمان، ولكنه يحدث أيضًا بسرعة أكبر، كما هو الحال في حالة الانهيارات الأرضية الهائلة التي يمكن أن تكشف فجأة طبقات عميقة وقديمة من التربة الصقيعية.
وأضافت أن هذه العملية تطلق أيضًا غاز الميثان وثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وهو محرك يتم تجاهله والتقليل من شأنه للتغير المناخي.
وتشمل هذه الأخطار المحتملة النفايات المدفونة الناتجة عن تعدين المعادن الثقيلة والمواد الكيميائية والمبيدات مثل "دي دي تي" الذي تم حظره في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بحسب الشبكة.
وأشارت ماينر وباحثون آخرون في ورقة عام 2021 إلى أن "الذوبان المفاجئ للجليد يكشف بسرعة طبقات التربة الصقيعية القديمة، ويطلق كائنات محبوسة في طبقات أعمق".
وفي ورقة البحث، رأت ماينر أن العدوى المباشرة للإنسان بمسببات الأمراض القديمة المنبعثة من التربة الصقيعية "غير محتملة حاليًا".
ومع ذلك، قالت ماينر إنها قلقة بشأن ما أسمته "كائنات دقيقة" يمكن أن تنقل ديناميكيات النظم البيئية القديمة والمنقرضة إلى القطب الشمالي الحالي، مع عواقب غير معروفة.
وأضافت: "عودة ظهور الكائنات الحية الدقيقة القديمة تمنح القدرة على تغيير تكوين التربة والنمو الأخضر وربما تسريع تأثيرات تغير المناخ، وأن نعرف بوضوح بشأن كيفية تفاعل هذه الميكروبات مع البيئة الحديثة، وهي ليست تجربة أعتقد أن أيًا منا يرغب بها".
واعتبرت ماينر أن "أفضل مسار للعمل هو محاولة وقف ذوبان الجليد ومعالجة أزمة المناخ الأوسع نطاقًا، والحفاظ على هذه المخاطر مدفونة في التربة الصقيعية للأبد".
فيروسات معدية
ونقلت عن كلافيري قوله إن الفيروسات التي تصيب الأميبا لا تزال معدية بعد فترة طويلة، ما يدل على وجود مشكلة أكبر.
ولفت كلافيري إلى أنه يخشى أن ينظر الناس إلى بحثه على أنه فضول علمي وألا يروا أن احتمال عودة الفيروسات القديمة إلى الحياة يمثل تهديدًا خطيرًا للصحة العامة.
وقال: "نحن ننظر إلى هذه الفيروسات التي تصيب الأميبا على أنها بدائل لجميع الفيروسات الأخرى المحتملة التي قد تكون في التربة الصقيعية".
وأضاف: "نرى آثار العديد والعديد من الفيروسات الأخرى.. لذلك نحن نعلم أنها هناك. لا نعرف على وجه اليقين أنها ما زالت على قيد الحياة.. لكن منطقنا هو أنه إذا كانت فيروسات الأميبا لا تزال على قيد الحياة، فلا يوجد سبب لعدم بقاء الفيروسات الأخرى على قيد الحياة، وقادرة على إصابة مضيفيها".
وذكرت الشبكة أن عينة رئة من جثة امرأة تم استخراجها في عام 1997 من التربة الصقيعية في قرية في شبه جزيرة سيوارد في ألاسكا كانت تحتوي على مادة جينومية من سلالة الإنفلونزا المسؤولة عن جائحة عام 1918.
وفي عام 2012، أكد العلماء أن بقايا مومياء محنطة عمرها 300 عام لامرأة مدفونة في سيبيريا كانت تحتوي على البقايا الجينية للفيروس المسبب للجدري.
وأشارت الشبكة إلى أنه تم أيضاً ربط تفشي الجمرة الخبيثة في سيبيريا، الذي أثر على عشرات البشر وأكثر من 2000 من حيوان الرنة في عام 2016، بالذوبان الأعمق للتربة الصقيعية خلال فصول الصيف الحارة بشكل استثنائي، ما سمح للجراثيم القديمة من عصيات الجمرة الخبيثة بالظهور مرة أخرى من مقابر قديمة أو جثث الحيوانات.
دفاع مناعي ضعيف
وقالت بيرجيتا إيفينجارد، الأستاذة الفخرية في قسم الأحياء الدقيقة السريرية بجامعة أوميا في السويد: "يجب أن نتذكر أن دفاعنا المناعي قد تم تطويره من خلال الاتصال الوثيق بالمحيط الميكروبيولوجي.. وإذا كان هناك فيروس مخفي في التربة الصقيعية لم نتواصل معه منذ آلاف السنين، فقد يكون دفاعنا المناعي غير كافٍ".
وأضافت: "من الصحيح أن تحترم الموقف وأن تكون استباقيًا وليس مجرد رد فعل... والحقيقة أن طريقة محاربة الخوف هي امتلاك المعرفة".
واعتبرت الشبكة في تقريرها أن العلماء لا يعرفون المدة التي يمكن أن تظل فيها هذه الفيروسات معدية بمجرد تعرضها للظروف الحالية، أو مدى احتمالية مواجهة الفيروس لمضيف مناسب، لافتة إلى أنه ليس كل الفيروسات هي من مسببات الأمراض، إذ إن بعضها حميدة أو حتى مفيدة لمضيفيها.
ورغم أنها موطن لـ 3.6 مليون شخص، إلا أن منطقة القطب الشمالي لا تزال مكانًا منخفض الكثافة السكانية، ما يجعل خطر تعرض الإنسان للفيروسات القديمة منخفضًا للغاية.
تزايد الخطر
إلا أن كلافيري أوضح قائلاً: "لا بد أن يزداد الخطر في سياق الاحتباس الحراري، حيث يستمر تسارع ذوبان التربة الصقيعية، وسيعيش المزيد من الناس في القطب الشمالي في أعقاب المشاريع الصناعية".
ووفقاً للشبكة، فإن كلافيري ليس وحده الذي يحذر من أن المنطقة يمكن أن تصبح أرضًا خصبة لحدث غير مباشر، عندما ينتقل الفيروس إلى مضيف جديد ويبدأ في الانتشار.
وأشارت إلى أنه في العام الماضي، نشر فريق من العلماء بحثًا عن عينات من رواسب التربة والبحيرات مأخوذة من بحيرة هازن، وهي بحيرة مياه عذبة في كندا تقع داخل الدائرة القطبية الشمالية.
وأضافت أنهم قاموا بسَلسلة المادة الجينية في الرواسب لتحديد التوقيعات الفيروسية وجينومات العوائل المحتملة في المنطقة.
وأوضحت أنهم، باستخدام تحليل نموذج الكمبيوتر، توصلوا إلى أن خطر انتشار الفيروسات إلى مضيفين جدد كان أعلى في المواقع القريبة من حيث تدفقت كميات كبيرة من المياه الذائبة الجليدية إلى البحيرة، وهو سيناريو يزداد احتماله مع ارتفاع درجة حرارة المناخ.