لا يمكن لأحد من ضيوف مهرجان وهران للفيلم العربي في الجزائر أن ينكر بعض الخلل التنظيمي الذي شاب فعاليات الدورة الثامنة التي أقيمت في في الفترة من 3 حزيران/ يونيو وحتى 13 من الشهر ذاته، ولكن إلى جانب سلبيات التنظيم لا بد من الاعتراف بالايجابيات.
بدت الدورة من الناحية الفنية، المتعلقة بالسينما، ناجحة، فالمبرمجون والمنظمون حرصوا على توفير آخر الانتاجات العربية من الأفلام الروائية والوثائقية والقصيرة، وقدمت هذه الأفلام لمحة وافية عما تمر به السينما العربية من إرهاصات وتحولات في ظل النزاعات التي تعصف بالعالم العربي.
أفلام من المشرق العربي ومغربه ناقشت، بصورة عامة، آفة التطرف التي باتت تجد متنفسا في أكثر من منطقة عربية، ومآلات الربيع العربي، والأحلام التي راودت الشاب وتوقهم نحو عالم خال من الاستبداد ومن التشدد، في الآن ذاته.
ولم تغفل هذه الشرائط بعض العادات والتقاليد البالية التي باتت تهدد نسيج المجتمعات في العالم العربي، فضلا عن رصد لهموم المعيشة ومصاعب الحياة اليومية، وهو ما يدفع أعدادا كبيرة للمجازفة وخوض مغامرات خطيرة توصلهم إلى الفردوس الاوربي.
والى جانب هذه القضايا الساخنة، استعادت بعض الأفلام جزءا من التاريخ البعيد والقريب في محاولة لفهم ما يجري حاليا عبر النبش في أرشيف الاستبداد والارث الثقيل الذي تركه، كما استعادت أفلام أخرى ملاحم بطولية خلال حقبة التصدي للاستعمار في النصف الأول من القرن العشرين، وكيف هبت الشعوب العربية، آنذاك، بحثا عن الاستقلال.
وإذ يصعب العثور على ما يجمع بين هذه الأفلام، فان الثيمات الرئيسة تجلت في تجسيد هموم شرائح واسعة تتلهف إلى التغيير والتحول السلمي الهادئ من دون التورط في شباك العنف والطائفية والعصبيات القاتلة، كما ركزت على مسألة الهوية، وقضية المرأة، وحرية الرأي والتعبير…وسواها من العناوين المثارة في العالم العربي.
ويسجل لمهرجان وهران، الذي يحتفي بالسينما العربية، اهتمامه بكل ما انتج حديثا، والحرص على عروض يرضي الجمهور الذي بدا متلهفا للدخول الى القاعات، ومتابعة القضايا من وجهة نظر سينمائية.
أما على المستوى التنظيمي، فلم تعكس الترتيبات المعدة لإقامة هذه التظاهرة الوجه الفني الناصع الذي تبدى في الأفلام المتنوعة.
ولعل الخلل الأول جاء من إقامة المهرجان في مدينة جزائرية جميلة يصفها الجزائريون بـ ”الباهية“، والتي تبعد نحو 500 كم عن العاصمة. هنا كان على المنظيمن أن ينتظروا وصول جميع الضيوف الى العاصمة ثم يتم نقلهم الى وهران، الأمر الذي أحدث خللا وإرهاقا لبعض الضيوف.
ورحلة العودة من المدينة إلى العاصمة لم تقل فوضوية عن رحلة الذهاب، ولعل إقامة المهرجان في العاصمة، التي تفتقر إلى مهرجان يوازي سمعة السينما الجزائرية، تعد مقترحا معقولا قد يخفف بعض العبء.
وفي برمجة العروض شكا بعض الضيوف، وكذلك الجمهور، من عرض الفيلم لمرة واحدة، وهو ما يثير تساؤلات حول الحكمة من هذا العرض الوحيد، لا سيما وأن المنظمين تكبدوا عناء جلب الفيلم الى البلاد، فمن الطبيعي أن يعرض أكثر من مرة حتى يتمكن الجمهور العريض والضيوف من متابعته في أوقات تناسب ظروفهم.
وظهرت الفوضى كذلك في حفل الافتتاح، بصورة خاصة، ذلك أن الكثير من الضيوف فوجئوا بعدم تخصيص مقاعد لهم في القاعة وهو ما أحدث ارباكا وأدى إلى تأخير الافتتاح لأكثرمن ساعة.
وفي حين جاء حفل الختام أكثر سلاسة، لكن التشدد الأمنى خلق استياء لدى الضيوف، حتى أن المخرج الكبير محمد لخضر حامينا تعرض للزجر من أحد حراس الأمن عند أحد بوابات التفتيش دون أن يعلم أن هذا الرجل الثمانيني هو من أوصل السينما الجزائرية، بل السينما العربية، عموما، إلى أرفع محفل سينمائي عندما فاز فيلمه ”وقائع سنوات الجمر“ بسعفة كان الذهبية منتصف سبعينات القرن الماضي.
وفي إطار التنظيم، لا يمكن إغفال آلية عرض الأفلام والتي أساءت لشروط العرض السينمائي، فبعض الزوار لم يتقيدوا بما يمكن تسميته بـ ”قدسية قاعة السينما“، إذ استمروا في الحديث بهواتفهم الخليوية او الدردشة مع معارف وأصدقاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وكانت العشرات من شاشات الهواتف تضيء القاعة، وهو ما عكر صفو متابعة الفيلم، ناهيك عن أن فتح أبواب الصالة المعتمة وإغلاقها مع دخول كل مشاهد جديد لم يكن ليتوقف، الأمر الذي إربك إيقاع الفيلم وأساء لجمالياته الفنية التي تعتمد أساسا على لعبة الضوء والظلال والعتمة.
ورغم هذه الثغرات في التنظيم، لا بد من الاعتراف أن المنظمين بدوا حريصين على إرضاء الضيوف، وتلبية طلباتهم دون تأفف، وبدت مدينة وهران سخية مع ضيوفها الذين عاشو لحظات جميلة في قلب مدينة متوسطية ساحرة تعشق السينما والحياة.