رغم كثرة الملتقيات الثقافية الأهلية، فإنها لم تنجز انعطافًا يشبه ما فعلته "مجلة شعر" أو "أبوللو" وغيرها، في الكتابة العربية.
ومع الوقت، تحولت ورش الإبداع، إلى مقاهٍ للتسلية، وبات العثور على نصوص تشبه "مطر" السياب، أو نثر الماغوط، أمرًا شبه مستحيلٍ، بعد أن اعتلى المنبر، فرسان مطعمون بالأخطاء الإملائية وهشاشة الصورة واجترار الأساليب.
لماذا لم تتمكن ملتقيات الثقافة من إحداث تغيّرٍ ما في النص؟ هل اختلف العصر، أم استفحل المرض، أم جفّت المخيلات؟
ملتقيات بلا مشروع
يرى الشاعر فاتح كلثوم، أن الملتقيات القديمة، كانت تمتلك مشروعًا تعمل عليه، أما اليوم فقد اختلف المشهد، ويضيف لـ"إرم نيوز": لم تقدر ملتقيات اليوم أن تفعل شيئًا؛ لأنها لا تمتلك مشروعًا ثقافيًّا، أو ربما تنشغل بأهداف أخرى.
ويعود فاتح كلثوم للتاريخ، عندما تحررت المنطقة من السيطرة العثمانية، وكانت حماسة النخب للثقافة العربية على أشدها، ويقول "أراد المثقفون إثبات الخصوصية وفرادة التجربة الإبداعية العربية وعمقها، ولكن منتديات اليوم تعمل بلا رؤيا".
ويوافق الكاتب كمال حمودي، على فكرة غياب المشروع عن ملتقيات اليوم، ويضيف لـ"إرم نيوز" "أصحاب مجلة شعر، أو أبوللو، أو شعراء المهجر، كانوا يحملون همًّا وطنيًّا وقوميًّا، أما اليوم فالأمان المادي والمعنوي هو الهمّ".
ويرى كمال حمودي، أن الملتقيات الثقافية تعكس صورة الواقع المتردي في المنطقة العربية عامة، ويذكر "من الطبيعي عجز الملتقيات عن إحداث تغيير في الكتابة، فهو جزء من عجز عام في الحياة".
ويعبر الشاعر أحمد سبيناتي، عن حزنه لما آلت إليه ملتقيات الثقافة، ويعيده إلى ضعف الإمكانات الذي تسبب في عدم القدرة على الاستمرار حتى نضوج التجربة، ويصرح لـ"إرم نيوز": "تطورت تجربتي في الكتابة، ضمن ملتقى ثلاثاء شعر، الذي تأسس مع بداية الحرب في سوريا عام 2011، ولكن قسوة الظروف الاقتصادية وغياب المكان، أدى إلى توقفه عام 2020".
واشتهر كثير من ملتقيات الثقافة والأدب في سوريا، خلال العقد الماضي، منها "ثلاثاء شعر"، و"يا مال الشام"، و"أضواء المدينة"، ولكنها عانت صعوبات أدت إلى توقف معظمها.
ويضيف سبيناتي "طبعنا كتابين في لقاء ثلاثاء شعر، ضمّا عدة أسماء من الأدباء الشباب، وكانت الخطط والأحلام كبيرة جدًّا على صعيد الكتابة وتطوير الملتقى، ولكن ذلك لم يتم".
ويرى سبيناتي، أن عدم توفر البيئة الملائمة، جعل كثيرًا من الملتقيات تنحرف عن مسارها الأساسي، فتحول بعضها للاستعراض، وأخرى أصبحت مشروعًا تجاريًّا، وبعضها أصبح للتسلية.
ويرى الكاتب كمال حمودي، أن الجمعيات الأهلية، كانت دائمًا بمنزلة الوعاء الحاضن لنشاطات المبدعين المهمشين، ولكن المشكلة كانت في تحولها لمنابر بائسة بعيدة عن النقد، ويضيف "ربما نحصل على ملامح تبشر بولادة كتاب مبدعين في تلك الملتقيات، ولكن سرعان ما تنطفئ الموهبة بسبب الواقع العام الفاسد الذي لم تنجُ منه الثقافة".
اختلف العصر
وتمنى الشاعر أحمد علاء الدين، عودة الملتقيات الثقافية الإبداعية إلى سابق عهدها من الحزم والتركيز على الإبداع من دون مهادنة، ويكشف لـ"إرم نيوز": "بنينا كثيرًا من الآمال على ملتقيات الثقافة، ولكن من يتصدر الواجهة اليوم، هم ضعيفو الموهبة، وأصحاب النصوص الضعيفة المليئة بالأخطاء الإملائية".
ويعتقد علاء الدين، أن الملتقيات أفادت في الحوار والتواصل بين المبدعين، حتى وإن لم تنتج تجارب جديدة وعميقة في الكتابة.
وقال "لا نستطيع تحميل الملتقيات الثقافية كثيرًا من المسؤولية، فهي تتحرك ضمن وسط عام من الأمراض والصعوبات، يجعلها تحتاج وقتًا أطول حتى تتمكن من ترك الأثر".
ويوافق سبيناتي على فكرة توفر الوقت الكافي أمام الملتقيات، لتتمكن من الإنتاج الإبداعي المختلفة، ويضيف "نحن نتحدث عن انعطافات في الكتابة، وليس عن شيء يسير يمكن أن يحدث بين ليلة وضحاها".
ملتقيات الثقافة الأهلية، أمام أسئلة كبيرة تتعلق بالمستوى والهدف والأثر المنتظر في المشهد، وحتى تحصل إنجازات على مستوى النصوص، سيبقى الجميع بانتظار انعطاف يقلب المعايير.