"تبييض الجنس" في تركيا.. قوننة الاغتصاب أم دعم الزواج الشرعي؟
"تبييض الجنس" في تركيا.. قوننة الاغتصاب أم دعم الزواج الشرعي؟"تبييض الجنس" في تركيا.. قوننة الاغتصاب أم دعم الزواج الشرعي؟

"تبييض الجنس" في تركيا.. قوننة الاغتصاب أم دعم الزواج الشرعي؟

يثير تصويت البرلمان التركي، اليوم الثلاثاء، لتمرير قانون "تبييض الجنس"، حفيظة معارضين وجماعات حقوقية تتهم حكومة حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية، بمحاولة "قوننة الاغتصاب" وفتح الباب أمام الزواج بقاصرات وضمان عدم ملاحقة مرتكبيها قانونيًا.

وحاول الحزب الحاكم، الأسبوع الماضي، تمرير مشروع القانون، بعد مرور حوالي عشرة أعوام على إبطاله، إلا أن عدم اكتمال نصاب الجلسة في البرلمان، حال دون اعتماد التصويت، وتم تأجيله إلى جلسة اليوم الثلاثاء، في ظل اعتراض شديد من أعضاء أحزاب المعارضة العلمانية؛ مثل: حزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية.

ويستمر السجال في الأوساط الداخلية؛ حول مشروع القانون، المتعلق فقط بالقضايا الجنائية التي تم فتحها قبل الـ 16 من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، إذ يرى معارضون أنه "يهدف لدعم الزواج القسري، وإطلاق سراح المغتصبين، بحجة العفو عن متزوجي القاصرات"، في حين تدافع عنه الحكومة بقوة، معتبرة أنه "يسعى لضبط مشكلة زواج القاصرات القائمة، ولا ينطبق على حالات استخدام القوة والإجبار المجرّمة قانونيًا".

ويجرّم القانون التركي، زواج القاصرات، لكنه يسمح بتزويج من تجاوزت أعمارهن 16 عامًا، بشرط حضور وتوقيع أحد الوالدين. وتعتمد تركيا الزواج المدني، عبر مكاتب التسجيل المتخصّصة في البلديات، كما يمنع القانون تعدّد الزوجات.

وتتّسم القوانين التركية المتعلقة بالقاصر، بالغموض؛ فقانون العقوبات يقول إن "أي شخص أقل من سن الـ18 يعد طفلًا، وعند الإشارة إلى الإساءة للطفل يكون الطفل من هو أقل من سن الـ15".

ومن شأن التصويت بالأكثرية على المشروع، تحويله إلى قانون ينطبق على الحالات التي لم تشهد استخدام القوة أو العنف في الفعل الجنسي، وقد يستفيد من تمريره نحو ثلاثة إلى أربعة آلاف سجين.

وعلى الرغم من أن مشروع القانون لا يمتد ليشمل قضايا مستقبلية، إلا أن معارضين يتخوفون من لجوء بعض المتزوجين بقاصرات مستقبلًا إلى المحكمة الدستورية العليا، مطالبين بالمساواة مع قضايا مشابهة، تم قوننتها قبل الـ 16 من نوفمبر، "لتضطر المحكمة أخيرًا إلى تعميم القانون، وفقًا لمبدأ المساواة ويتحول زواج القاصرات إلى عادةٍ منتشرة مسموح بها قانونيًا".

غضب شعبي

وأثار إصرار الحزب الحاكم على تمرير مشروع القانون، موجه غضب انعكست في مواقع التواصل الاجتماعي، ليطلق مغردون أتراك وسمًا حمل عنوان "الاغتصاب لا يمكن تمريره" (#TecavuezMesrulastırılamaz) معبّرين من خلاله عن رفضهم لتمرير المشروع في البرلمان.

وأكد أنصار حزب "الشعب الجمهوري" من خلال الوسم الذي لقي انتشارًا واسعًا، على أن أكبر الأحزاب المعارضة لن يسمح بتمرير القانون، وأن المئات من نواب الحزب يتجهون اليوم إلى أنقرة، للمشاركة في الجلسة، والتصدي للحزب الحاكم.

ويرى مدافعون عن حقوق المرأة، أن زواج الصغيرات يحرم البنات من طفولتهن ومن التعليم، ويزيد مخاطر العنف المنزلي والانتهاكات الجنسية.

ويقول عضو حزب الشعب الجمهوري، جمال أوكان يوكسال، إن "ما نفعله هنا هو أننا نكون إن وافقنا على هذا القانون، قمنا بتبرئة الرجل الذي اغتصب فتاة في الـ11 من عمرها، ثم قام فيما بعد بمنح عائلتها النقود (المهر) وشراء الطفلة".

ويضيف يوكسال "أشعر بالأسف الشديد. أرجوكم تراجعوا عن هذا المشروع ودعونا نُعد النظر فيه تحت سقف البرلمان مرة أخرى. لا يمكن أن نتحمل مسؤوليته السياسية والوجدانية أبدًا. المنحرفون الذين يرون هذا قد يجبرون الضحايا على الزواج، وسيصبح الإفلات من العقاب أمرا رسميا".

وهاجمت صحف مقربة من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الرافضين لمشروع القانون، واتهمتهم بـ"تشويهه"، ووصفتهم "بمؤيدي الزنا بدلًا عن النكاح"، ورأت في القانون "فرصة لرفع الظلم عن آلاف الأسر المتضررة".

ظاهرة تؤرّق المجتمع

في ظل سيطرة الأعراف العشائرية والعادات الموروثة في الكثير من المناطق التركية وبشكل خاص في الأرياف، تشهد حالات زواج القاصرات زيادة ملحوظة لتتحول إلى ظاهرة نالت في الآونة الأخيرة نصيبًا من الاهتمام، سواء عبر طرحها في وسائل الإعلام أو محاولة معالجتها من قبل صناع السينما والمسلسلات التلفزيونية.

وشهدت تركيا خلال الأعوام العشرة الأخيرة، أكثر من نصف مليون حالة زواج بقاصرات، وتعتبر مناطق جنوب شرق تركيا، الأعلى في نسب الزواج تلك.

ولا تتمكن ما نسبته 97.4% من القاصرات المتزوجات من إتمام تعليمهن، وفقًا لأرقام وزارة التعليم القومي، عام 2014.

وتبقى أرقام ونسب زواج القاصرات غير دقيقة، لعدم توثيقها مدنيًا، واقتصارها على إبرام عقد زواج شرعي لا يسجل في المحاكم التركية، أو يتم تأجيل تثبيت الزواج لحين بلوغ السن القانونية، إذ يستمر أئمة المناطق الريفية النائية في عقد هذا النوع من القران على الرغم من القانون الذي يحظره، والعقوبات التي من الممكن أن تطال الأئمة وتتراوح بالسجن من شهرَين إلى ستة شهور.

كما تمتد تبعات زواج القاصرات إلى مرحلة الولادة، إذ يمتنع الأهالي عن إجراء عمليات توليد بناتهم القاصرات في المستشفيات، تخوفًا من تسجيلهن، وتعرضهم للعقوبات، ويلجؤون إلى ممرضة أو مطببة شعبية (داية) تخشى بدورها الإبلاغ عن تلك الحالات، لتبقى القاصر الأم عرضة لمشاكل نفسية جمّة جراء أمومتها المبكرة، وترتفع نسبة الوفيات بينهن، في ظل عدم توافر الشروط الصحية للولادة.

ومع تسليط الإعلام التركي الضوء على ظاهرة زواج القاصرات، لم تغب قضيتهن عن صانعي الأفلام والمسلسلات الدرامية، خلال العامَين الأخيرَين؛ وكان آخر تلك الأعمال، الفيلم الوثائقي (أن تكبري متزوجة Growing Up Married) للمخرجة التركية إليم أتاكاف، الذي عُرِض نهاية الشهر الماضي، وفيلم الدراما والتشويق التركي (الخيول البرية Mustang) الحائز على عدد من الجوائز الدولية.

وعلى الرغم من الأذى النفسي والجسدي الذي تتعرض له القاصرات المجبرات على الزواج في سن مبكرة، إلا أن الأعراف الريفية المحافظة، لا تزال تنظر للطلاق على أنه من الأمور المرفوضة، وإن توافرت الأسباب المقنعة لوضع نهاية للزواج؛ ما يدفع بالكثير من القاصرات إلى التعايش مع وضعهن، والسكوت عن مأساتهن الشخصية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com