إعلام إسرائيلي: نتنياهو يجري مشاورات الليلة لبحث الرد على الهجوم الإيراني
أصبح الضعف اللغوي، سمةً تلازم نصوص اليوم، فمن النادر أن نقرأ نتاجاً، لكتّابٍ شباب، لا يطيح بقواعد سيبويه وأبي الأسود الدؤلي والفراهيدي، بل إن بعضهم شرع يكتب رواياتٍ وقصصاً باللهجات العامية، معتبراً ذلك حرية شخصية في انتقاء الأسلوب.
أحوال لغة الضاد، ليست على ما يرام، في ظل التطور التكنولوجي والعولمة، وانتشار مواقع التواصل، واستسهال النشر.
فالنخب الأدبية التي كانت تعتبر إتقان العربية جزءاً من عملية الإبداع، تنازلت عن هذا الشرط، واعتبره بعضهم "دقّة قديمة" في التفكير، مع أن مسلمات المنطق تقول: "إن كاتب العربية لا بد أن يتقنها، وإلا فليكتب بلغة بأخرى".
وتشكل أخطاء الكتّاب والإعلاميين اللغوية، الخطر الأكبر فيما تتعرض له العربية، وقد كانت مدعاة للاستهجان والمحاسبة سابقاً، لكنها اليوم تُمارس بثقة في المنابر الإعلامية.
وقبل رحيله، كتب نجيب محفوظ في جريدة الأهرام قائلاً "اللغة العربية تلقى على الناس، متعثرة بأخطاء النحو والنطق، ويعمل التلفزيون على نشر الخطأ بهيمنته على الحواس والأذواق".
ودفعت هذه الظاهرة، بعض المهتمين باللغة، لنشر كتب تلاحق أخطاء الكتاب والإعلاميين، منهم أحمد مختار عمر، صاحب كتاب "أخطاء اللغة العربية المعاصرة عند الكتاب والإذاعيين"، الذي انتقد المخطئين وصحّح عباراتهم، حتى يتخلصوا من اللحن في اللغة نهائياً.
حال اللغة العربية
ويقول الدكتور سعد الدين كليب، الأستاذ في كلية الآداب بجامعة حلب، لـ"إرم نيوز":"العربية ما تزال تصمد أمام المتغيرات، وما تزال تتحرّك وتتقدّم بقوة دفع ذاتية، أقصد قوة خصائصها اللغوية، لا بقوة الدفع الموضوعية التي من المفترض أن نمدّها بها نحن، عبر القنوات الاجتماعية والعلمية والأدبية والثقافية".
ويوافق الدكتور هايل الطالب، أستاذ اللسانيات في جامعة حمص، على أن ظاهرة الضعف في العربية قد تفشت بشكل كبير. ويعيد ذلك لعدة أسباب.
وذكر لـ"إرم نيوز": تتحمل السياسات التعليمية، مسؤولية تراجع العربية، سواء في المدارس، أم في خطابات المؤسسات. فقد شهدت العربية تراجعاً واضحاً في البرامج الإعلامية لصالح اللهجات المحلية، وانعكست آثار ذلك على اللغة العربية من الناحية النطقية والكتابية معاً".
ويشن الكاتب سامر محمد إسماعيل، هجوماً على المؤسسات التعليمية؛ بسبب إهمالها للغة العربية، ويقول لـ"إرم نيوز": "اللغة العربية تدرّس في جامعاتنا ومدارسنا كلغة أجنبية، وهذا ما جعل العديد من هذه المدارس والجامعات الخاصة، تُخرّج في معظمها، أجيالاً من الأميين الذين يتكلمون لغات أجنبية، ويحتقرون اللغة العربية".
مسؤولية الإعلام ومؤسسات التعليم
ولا تبدو وسائل الإعلام بريئة، مما أصاب العربية من تراجع وضعف، بل هي من أكبر مرتكبي الجرائم بحق العربية، كما يقول الدكتور كليب.
ويضيف "تلك القنوات في معظمها مصابة بالفساد وبالخلل في الأداء اللغوي، ونلحظ ذلك واضحاً في الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع، ونلحظه في طرائق تدريس العربية، بل في التدريس الجامعي، وفي المنتديات والمؤتمرات أيضاً".
ويرى الكاتب إسماعيل، أن التلفزيون من المتورطين الكبار في تهديم العربية، أكد "الغريب في الأمر أن التلفزيون كرّس هذه الفكرة، فلطالما شاهدتُ مسلسلات تتكلم فيها الشخصيات الأجنبية اللغة العربية الفصحى، فيما تتكلم الشخصيات العربية بلهجات محلية".
ويشير الدكتور هايل الطالب، إلى البرامج الأدبية التي تبث عبر وسائل الإعلام، تحت إشراف أشخاص ضعيفين في اللغة، وأضاف "في مجال الكتابة الأدبية، فتحت هذه المواقع أبوابها لمن هب ودب، كي يصبح كاتباً أو أديباً، فانعدمت الرقابة، وهذا ما عزز انتشار لغة خاصة بمصطلحاتها وتراكيبها عامرة بالأساليب الركيكة والضعيفة من ناحية الإملاء والقواعد، بل إن كثيراً منها قد تخلى عن كل القواعد".
وسائل التواصل الاجتماعي
واكتملت الكارثة المحدقة باللغة العربية، بولادة وسائل التواصل الاجتماعي، التي أرادت ممارسة دور ثقافي، بلغة مكسرة وهجينة، ويقول الدكتور كليب"وسائل التواصل الاجتماعي، خليط عجيب من العربية وعامياتها المختلفة، وعلى أية حال، لا تختلف لغتها، عن الاستخدامات اللغوية اليومية، فهي شكل من أشكال الخطاب اللغوي اليومي".
لكن الدكتور هايل الطالب، يرى أن السوشيال ميديا، يمكن أن تفيد العربية كثيراً، فيما لو وضعت ذلك هدفاً لها.
وأضاف: "يمكن أن تكون السوشيال ميديا، وسيلة لتكريس العناية باللغة العربية، وقد بتنا نرى كثيراً من تلك البرامج التي تقدم نماذج ممتازة من عيون الشعر العربي، ومنها ما يقدم أخطاء اللغة، أو أساليبها بطريقة لطيفة ومبتكرة".
مسؤولية الفنون
ويرجع الكاتب سامر محمد إسماعيل، إلى بدايات المسرح القومي في سوريا ومصر، ويذكّر باعتمادهما الفصحى كمعادل للنصوص الأجنبية المترجمة، مثل أعمال شكسبير وموليير وتشيخوف، لكنه يشير إلى ما حصل لاحقاً من تجاوزات أطاحت بتلك القاعدة.
وقال "كان على الجمهور العربي منذ الستينيات، أن يتقبل تقديم هذه النصوص بالعربية الفصحى، وهذا ما عزز فكرة اللغة العربية للأجانب، فيما قدم كل من عادل إمام وسمير غانم وفؤاد المهندس ودريد لحام ومحمود جبر، مسرحياتهم بلهجات بلدانهم، وهكذا أمست السمة العامة للغة العربية الفصحى هي لغة المسرح العابس المتجهم، مسرح نفر منه الجمهور، وتركه إلى غير رجعة".
وذكر إسماعيل: "المفارقة أن القائمين على المسارح القومية، كانوا يحرصون على تقديم عروضهم باللغة العربية الفصحى، بغية تمكين اللغة، في الوقت الذي كانوا يقدمون مآس إغريقية وإنكليزية وفرنسية وملاه إيطالية، على أنها لغة الخواجات. حدث ذلك في الإذاعات الرسمية أيضاً، وكانت الهوة تزداد بين اللغة والجمهور، وبين الجمهور والثقافة".
الحلول الممكنة لإنقاذ العربية
عملية إنقاذ العربية اليوم، تبدو مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة إذا ما ركزت على جذور المشكلة في مؤسسات التعليم وسواها من المؤسسات، ويقول الدكتور هايل: "ضرورة العناية باللغة العربية في المناهج الدراسية والتربوية وجعلها وسيلة لتلقي العلوم المختلفة، انطلاقاً من أن اللغة هي العنصر الأهم في تشكيل هويتنا الثقافية".
فيما يبدو الكاتب سامر محمد إسماعيل، أكثر تشاؤماً، حول إمكانية إنقاذ اللغة العربية بالسهولة المتوقعة، يقول سامر "اليوم لا طائل من تصحيح أخطاء اللغة العربية على وسائل التواصل، بعد أن تم الإجهاز على اللغة".
لكن الدكتور سعد الدين كليب، لا يرى أن العربية في خطر، أو أنها تتراجع عن مكانتها وقدراتها التعبيرية، رغم المشاكل التي تعاني منها.
وقال "ثمة مشاكل عويصة تواجهها العربية، لكنها مشاكل تربوية أو ثقافية أو تقنية محدّدة، وليست مشاكل لغوية في الصميم، إنها مشاكل ناجمة من طرائق تعاملنا مع المستجدات العلمية والتقنية وعدم استطاعتنا تطويع تلك المستجدات لتكون في خدمتنا وخدمة لغتنا".
ويؤكد كليب "المشكلة الأساسية فينا إذن لا في العربية؛ أما الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية المتناثرة هنا وهناك، في هذا المنبر أو ذاك، ولدى تلك الشريحة الأدبية أو تلك، فإنّ العربية تستطيع أن تهضمها وهي تبتسم من جهل بعض أبنائها بها".
أمام هذا المشهد، يبدو حرف الضاد، يقاتل وحيداً، أمام جيوش تكتسح العربية من كل صوب، وتلك اللغة التي قال عنها الشاعر يوماً: لغةٌ إذا وقعت على أسماعنا.. كانت لنا برداً على الأكبادِ. تنتظر اليوم خططاً إستراتيجية لإنقاذها.