ماذا قدمت الدراما السورية بعد 10 أعوام من الحرب؟
ماذا قدمت الدراما السورية بعد 10 أعوام من الحرب؟ماذا قدمت الدراما السورية بعد 10 أعوام من الحرب؟

ماذا قدمت الدراما السورية بعد 10 أعوام من الحرب؟

لاقى إنتاج الدراما السورية صعودًا لافتًا في سوق القنوات العربية في العقد الأول من الألفية الثالثة، بالنجاح في توظيف المخزون الثقافي الفني السوري ليظهر بشكل لائق ومختلف عن السائد، وتزامن هذا النجاح مع تطور كبير على صعيد التقنيات الفنية.

وتعكس الدراما صورة المجتمع بفلسفته وثقافته وعاداته وقضاياه النفسية والاجتماعية وأزماته الاقتصادية، فهي بمثابة عدسة ناقلة تصل إلى أكبر شريحة ممكنة من المجتمع.

وللدراما آثارها الإيجابية والسلبية على مختلف القضايا، ولا نغفل دورها الحساس في صقل الوعي الجمعي، والمساعدة في ابتكار الحلول، وتحفيز النقاشات حول جوانب اجتماعية واقتصادية وسياسية متنوعة.

وأسست جامعة الدول العربية في سبعينيات القرن الماضي، منظمة الاتصالات الفضائية العربية (عربسات)، لتصبح أول مؤسسة عربية للبث عبر الأقمار الاصطناعية، وبدأت القناة الفضائية السورية إرسالها التجريبي أواخر التسعينيات.

وعززت هذه الحقبة دور التلفزيون كوسيط إعلامي يتمتع بقاعدة جماهيرية واسعة، بعد عقود من اقتصار الإنتاج الدرامي التلفزيوني في سوريا على البث المحدود.



ازدهار

في العام 2005، ازدادت المنافسة بعد تأسيس جائزة خاصة للدراما السورية تحت عنوان "أدونيا" من قبل شركة "المجموعة المتحدة للنشر والإعلان" المتخصصة بالدراما السورية تحديدًا.

وشهدت الدراما السورية نقلة نوعية، العام 2006، لتتجاوز نسبة الإنتاج الفني أكثر من 50 مسلسلًا، يليه إنتاج 37 مسلسلًا، العام 2007، وفي 2009 تراجعت قليلًا ليكون مجموع الأعمال 30 عملًا دراميًا.

وخلال هذه الفترة تألقت الدراما السورية بإنتاج المسلسلات التاريخية، وكان لها الحظ الأكبر بالنجاح والانتشار عربيًا، بما أنها مبنية على قيم فكرية تحاكي قاعدة واسعة من الجمهور على اختلاف مستوياتهم الثقافية.



تراجع

النجاح اللافت للدراما السورية لم يستمر على الوتيرة ذاتها، إذ تراجع المحتوى بشكل ملحوظ، في ظل مرور المسلسلات في العقد الأخير بأزمة حقيقية، كانت انعكاسًا لما تمر به البلاد من ويلات الحرب وتبعاتها.

وباتت معظم أفكار المسلسلات مكررة، تدور عن أفكار مبتذلة غير هادفة؛ حول فكرة الخيانة والغدر، والعلاقات المشبوهة، والانحلال الأخلاقي، وتجارة المخدرات.

وإلى جانب الأعمال التجارية، برزت أعمال أخرى سلطت الضوء على صورة الحرب.

وغاب عن سيناريو الأعمال الدرامية السورية في الأعوام العشرة الأخيرة، عناصر لطالما كانت من أبرز أسرار نجاحها؛ وهي الفكرة القوية والحبكة المترابطة والخاتمة التي تركز على عنصر المفاجأة والتجديد.

فغزت الشاشات أعمال غير مكتملة الأركان؛ فإذا وجدت الفكرة القوية غاب ترابط الحبكة، وإن نجح العمل في شد المتلقي في بداياته تلاشى عنصر التشويق خلال تسلسل الأحداث لتغدو النهاية متوقعة.

ورغم أن بعض الأعمال الأخيرة حقق شرط قوة الفكرة، إلا أن تنفيذها وإخراجها لم يرقَ لاحترافيتها، والعكس صحيح؛ إذ شهدنا أعمالًا امتازت بمتانة الشكل وتقنيات عالية، لكنها مجرد تنفيذ إخراجي لحبكة سطحية مشتتة، لنصل في النهاية إلى عمل غير متكامل.



غياب الأصالة

وأثرت الحرب سلبًا على أصالة العمل الدرامي السوري، وأدت إلى انعدام القيمة الفنية والقدرة الإنتاجية في تقديم محتويات ذات قيمة تعكس المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وحتى السياسية.

وفي جانب آخر، نلحظ تحول العمل الفني المرئي من مرآة لنقل هموم ومآسي الفرد، إلى واجهة لإعلانات تجارية مبطنة.

وفقدت الدراما السورية كثيرًا من نجومها بعد توجههم إلى الأعمال المشتركة التي تحقق لهم أجورًا أعلى بكثير من أجور الأعمال المحلية، ما أدى إلى فقدان الدراما لجانبها الإبداعي المؤثر الحقيقي الذي يلامس الجميع.

ويبدو أن أزمة الدراما المحلية ما هي إلا انعكاس للأزمة السورية، فليس بمقدور الدراما النجاة من هذه الأزمة.

أما صناع الدراما فتسرب معظمهم إلى أسواق عربية أخرى، فضلًا عن حالة التشتت التي يعيشها كل من الكتّاب، والممثلين، والمخرجين، والمنتجين، والتي تؤثر على جودة العمل في ظل غياب بوصلة محلية واحدة تجمع الكل.

ومع تركيز الدراما المصرية على أعمال البطولة الفردية، وتعاقد شركات الإنتاج المصرية مع عدد محدود من النجوم السوريين، لم يحظَ كثير من الممثلين السوريين بفرصتهم في مصر.

ومن هنا، برزت العاصمة اللبنانية بيروت كحاضن لنجوم سوريا، وجسدت نافذة مهمة للإطلالة الدرامية، إذ شجعت ممثلين سوريين على الهجرة إلى لبنان، رغم أنه ليس بحال أفضل من سوريا على الصعيد الاقتصادي.

ولكن جملة من المغريات دفعت نجوم سوريا إلى اختيار بيروت؛ أولها العمل مع شركتي الإنتاج الأشهر (الصباح، وإيغل فيلم) والأجور التي يتلقونها بالعملة الصعبة، فضلًا عن استثمار أضواء لبنان في الترويج.

وساهمت حالة القرب الجغرافي بين سوريا ولبنان في ازدهار عصر جديد من العمل الدرامي، لنشهد تشجيع وجود عشرات الفنانين السوريين في صناعة الدراما السورية العربية المشتركة، التي تجمع بين نجوم سوريين ولبنانيين.



تعثر

وتوقف معظم المنتجين السوريين عن العمل بسبب زيادة الأجور التي يفرضها الممثل السوري على شركات الإنتاج، ما أدى إلى توقف بعضهم عن العمل مؤقتًا، فيما تحاول بعض الشركات احتواء مجموعة من الأفكار أو النصوص وترجمتها إلى مسلسلات طويلة، لتحصر الممثل في دائرة واحدة لموسمين أو 3 مواسم من العرض، على غرار مسلسلات البيئة الشامية.

ويرى مخرجون أن التقصير بدأ من قبل شركات الإنتاج والقائمين على الدراما، إذ شهدنا ضعفًا لافتًا في التسويق بسبب ظروف الحرب، ما أدى إلى تراجع الدراما السورية كمًا ونوعًا.

بالمقابل، تحظى الأعمال العربية المشتركة بتسويق ضخم، لأنها متبناة من شركات كبيرة ذات مكانة في الساحة الفنية العربية، والمفارقة أن اعتمادها بالدرجة الأولى قائم على كوادر سورية؛ من مخرجين، وكتّاب، وممثلين، أو حتى فنيين.

رقابة

وحين تتجه نصوص درامية إلى عكس سوداوية الواقع وتسليط الضوء على حقائق مرة، في قالب فني درامي، تخضع حكمًا لقيود الرقابة.



قيد مجهول

منذ بداية الأزمة السورية تخبط صناع الدراما بحثًا عن عمل يليق بعقلية وفكر الدراما السورية العريقة، ولكن -للأسف- لم يصدر في الأعوام الأخيرة سوى قائمة طويلة من الأعمال التجارية، ما أدى إلى نفاد صبر المتلقي السوري.

واستمر هذا الواقع إلى أن قفز إلى الساحة اسم جديد، هو المخرج السدير مسعود، بتجربته الأولى في مسلسل "قيد مجهول"، الصادر عام 2021، والمكون من 8 حلقات، لينجح في خلق تجربة جديدة رغم تكرار الفكرة في أفلام ومسلسلات عالمية سابقة.

وحظي العمل بنجاح نسبي، وحقق ضجة إعلامية وردود فعل إيجابية من قبل شريحة واسعة من الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وما زال الجمهور السوري والعربي بانتظار تعافي الدراما السورية العريقة، وأن تبرز إلى الساحة أعمال ذات قيمة فنية حقيقية، ترقى لقامات ذات باع طويل، مثل: الكاتب ممدوح حمادة، والمخرج الليث حجو، والمخرجة رشا شربتجي، وغيرهم.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com