لم تمنع الدراسة الجامعية ونمط الحياة العصري الذي تعيشه علياء الخالدي، الشابة السعودية من تعلم "حياكة السدو" من خلال مقاطع فيديو على شبكة الإنترنت، تلك الحرفة اليدوية التي أتقنتها نساء شبه الجزيرة العربية في الماضي البعيد، قبل أن تندثر في العصر الحديث.
وتعتزم علياء، التي تعيش في الرياض، إتقان كل مهارات إعداد "خيوط السدو" وحياكتها من خلال اتباع دورات احترافية باتت تتوفر في المملكة مع عودة البريق لتلك الحرفة وحرف قديمة أخرى تشكل موروثا في الخليج العربي.
وتقول علياء الخالدي لـ "إرم نيوز" إنها "ستلتحق بالدورة المسائية المقبلة لتعليم حياكة السدو في المعهد الملكي للفنون التقليدية، شأن شابات سعوديات معاصرات كثر تعلمن أو يعتزمن تعلم حياكة السدو بشكل كامل لانتشارها في الأسواق التجارية".
ونشأت "حياكة السدو" المسجلة في قائمة "اليونسكو" التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي، في الأساس بسبب شح الموارد، ما دفع النساء العربيات في الماضي لاستخدام وبر الإبل وشعر الماعز وصوف الأغنام، في حياكة منسوجات متنوعة تلبي احتياجاتهن، مثل البطانيات والسجاد والوسائد والخيام وزينة رحال الإبل.
لكن "حياكة السدو" المندثرة، تجد حاليا إقبالا كبيرا على تعلمها بعد أن زاد الاهتمام الرسمي بها بشكل لافت في الأعوام القليلة الماضية، ضمن توجه عام تنتهجه الرياض لإحياء الكثير من موروث المملكة الشاسعة الثقافي.
فقد ساعد استلهام السعودية "للسدو" في تصميم شعار رئاستها لمجموعة العشرين عام 2020، في إعادة البريق لتلك الحرفة بعد أن تم تداول الشعار في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي طوال عام كامل لتغطية عشرات الاجتماعات والمؤتمرات.
وفي العام التالي، اختارت المملكة رسميا فن "حياكة السدو" ليزين أطراف سجاد مراسم استقبال ضيوف الدولة الرسميين من رؤساء ووزراء وسفراء، وممثلي الدول الشقيقة والصديقة.
وبات "السدو" حاضرا في كثير من المناسبات والفعاليات الثقافية والفنية التي تشهدها المملكة، ليحقق شعبية كبيرة، لا سيما بين جيل الشباب الذين يشكلون غالبية مواطني المملكة التي تشهد حراكا ثقافيا وفنيا كبيرا.
وقبل أيام قليلة فقط، توجت فاطمة المطيري، خبرتها الطويلة التي تمتد لعقود في "حياكة السدو"، بإصدار كتاب وثقت فيه كل ما تعلمته عن ذلك الموروث، لتنقل تجربتها للراغبات الكثر بعد أن كانت لعقود واحدة من سعوديات قلائل لا يزلنَّ متقنات لإعداد و"حياكة السدو".
واستعان القائمون على إحياء ونشر التراث في السعودية، بالمطيري وشريكاتها في الشغف بالسدو، في خططهم لتدريب الجيل الجديد على "حياكة السدو" بدءا من مرحلة إعداد خيوطه وتلوينها وحتى إعداد منسوجاته للاستخدام.
وتخرجت الشهر الماضي، الدفعة الأولى من الشابات السعوديات اللاتي تعلمن "حياكة السدو" في المعهد الملكي للفنون التقليدية، فيما سيجري المعهد دورات أخرى مع الإقبال الكبير على ذلك الفن المندثر.
وتقول علياء الخالدي إنها "تسعى لتعلم حياكة السدو، بهدف تطوير هذه الحرفة من خلال تصميمات خاصة بها لمنتجات معاصرة تلبي الاحتياجات، مثل حقائب وأزياء نسائية تجمع بين الماضي والحاضر وبات لها وجود في الأسواق التجارية بالفعل".