وسط أزمة اقتصادية خانقة.. أسعار العقارات ترتفع بشدة في تونس
وسط أزمة اقتصادية خانقة.. أسعار العقارات ترتفع بشدة في تونسوسط أزمة اقتصادية خانقة.. أسعار العقارات ترتفع بشدة في تونس

وسط أزمة اقتصادية خانقة.. أسعار العقارات ترتفع بشدة في تونس

تشهد أسعار الشقق السكنية في تونس، ارتفاعا غير مسبوق ما جعل حلم امتلاك مسكن مهمة شبه مستحيلة لكثير من التونسيين خصوصًا من الطبقة الوسطى التي تعيش تحت وطأة أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة ألقت بظلالها على القدرة الشرائية وحدت من قدرة الكثيرين على تحمل أعباء الاقتراض من البنوك والمؤسسات المصرفية.

وتبدو عملية اقتناء مسكن، بغض النظر عن صنفه ومساحته وجودة تجهيزاته، رحلة شاقة محفوفة بالمصاعب والعراقيل، فبينما كان أصحاب الدخل الشهري المرتفع أو الأشخاص الميسورون قادرين خلال السنوات الماضية على الحصول على قروض بنكية لإتمام شراء شقة أو منزل أو عقار، ازدادت المهمة صعوبة في ظل الشروط والإجراءات المعقدة وارتفاع أسعار الشقق باختلاف درجاتها.

شهدت تجارة العقارات في تونس ركودا واضحا نتيجة ارتفاع أسعارها وكثرة الإجراءات الإدارية والمصرفية وارتفاع نسبة الفائدة المديرية التي يحددها البنك المركزي، التي تفرض الرفع في قيمة الفوائض البنكية.

للأغنياء فقط

يعمل حمدي الدالي، وهو على مشارف الخمسين من العمر، موظفا بشركة خاصة، يتقاضى مرتبا جيدا بحسب حديثه لـ"إرم نيوز"، لكنه يقر بأن "امتلاك منزل في تونس لم يعد متاحا إلا لرجال الأعمال وأثرياء الرياضة والفن والسينما، لم نعد نحن الموظفين البسطاء قادرين على تحمل الأسعار المرتفعة للمساكن والعقارات، الأمر أصبح بمثابة عملية محفوفة بمخاطر تجويع عائلاتنا".

بملامح تختزل الكثير من الخيبة والغضب، كشف حمدي عن أنه "خرج لتوه من مكتب مدير أحد المصارف البنكية بعد الحصول على الوثائق المطلوبة للاستفادة من قرض عقاري واقتناء شقة بسيطة، لكن يبدو أن الإحباط تملكه بعد أن علم بأن مرتبه الشهري لا يمكنه إلا من الحصول على قرض لا يساوي حتى نصف ثمن الشقة المزمع شراؤها".

وأفاد بأنه "لم يعد بإمكان أحد من المنتمين إلى الطبقة الوسطى التفكير في شراء مسكن، الأمر أصبح ضربا من المستحيل، أسعار العقارات تتصاعد سريعا، بين شهر وآخر تتغير الأسعار بشكل غريب، بعد نحو 20 عاما من العمل لا يبدو أنه بإمكاني الحصول على قرض بنكي لأمتلك مسكنا، زوجتي وأبنائي الثلاثة سيصابون بخيبة أمل عندما أعلمهم بأن الحلم أجهضته هذه الإجراءات المعقدة والشروط المجحفة من المصارف البنكية".

وتشهد أسعار العقارات ارتفاعا مهولا ومتسارعا في السنوات الأخيرة، وبينما يوجه الحرفاء أصابع الاتهام لأصحاب شركات المبادلات العقارية (الوسطاء في البيع والشراء) والمستثمرين العقاريين (مقاولي البناء) بأنهم يعمدون إلى اعتماد أسعار مرتفعة تفوق بكثير القدرة الشرائية للتونسيين، وتضعهم أمام مأزق الاكتواء بنيران الفوائض البنكية العالية، فيما يرجع المستثمرون العقاريون المسؤولية للسلطات بدرجة أولى وللمضاربين بدرجة ثانية.

ويستوجب على الموظفين أو الأجراء الذين يرغبون في شراء مسكن (شقة أو فيلا أو أرض معدة للبناء) بواسطة قرض بنكي أن يوفر وجوبا 20 % من ثمن ذلك العقار، ثم يستظهر بما يفيد حصوله على مرتب شهري يكفل له دفع الأقساط البنكية المستوجبة عليه شهريا لمدة تصل إلى 15 عاما وهو أمر دفع الكثيرين إلى التراجع عن التفكير في شراء شقة أمام تلك الشروط المجحفة والأسعار المرتفعة التي يضاف إليها دفع إتاوات عالية القيمة لتسجيل العقار وإثبات ملكيته.

تهرب الحكومة

وتختلف أسعار المحلات السكنية باختلاف المناطق الموجودة فيها أولا ثم درجة جودتها ورفاهيتها ثم مساحتها إذ يمكن أن تصل إلى أكثر من مليون دينار (ما يقارب 330 ألف دولار) في بعض الأحياء الراقية بالعاصمة تونس أو على سواحل مدينة سوسة ومدينة الحمامات.

ويتراوح سعر شقة من الصنف الاقتصادي المتوسط بين 150 ألف دينار في الأحياء والضواحي الشعبية للعاصمة و400  ألف دينار أي حوالي 140 ألف دولار في الأحياء الراقية، أما أسعار الفيلات فعادة ما يبلغ 200 ألف دينار في أحياء شعبية لكنه يتجاوز 500 ألف دينار (170 ألف دولار) في مناطق راقية ويصل مليون دينار في أحياء فاخرة جدا.

وأوضح فهمي شعبان رئيس الغرفة الوطنية التونسية للمستثمرين العقاريين أن "ارتفاع أسعار الشقق يعود أساسا إلى تهرب الحكومة التونسية من دورها في معاضدة جهود الشركات التي تشيد البنايات والعقارات وفي فرض حزمة من الإجراءات المعقدة على الحرفاء، إضافة إلى ذلك تراجع سعر صرف الدينار التونسي مما تسبب في تضاعف سعر شراء شقة خلال العامين الماضيين".

وقال لـ"إرم نيوز"، إن "ارتفاع أسعار الأراضي وراء تزايد أسعار الشقق، فالمتر المربع لقطعة أرض قبل تشييدها يصل أحيانا إلى 1500 دينار، أي 500 دولار تقريبا، وتشهد أسعار مواد البناء مثل الحديد والآجر والإسمنت ارتفاعا صاروخيا، كما أن أجرة اليد العاملة تجعل من تكلفة تشييد مسكن أمرا باهظ الثمن، فالسلطات مطالبة بالتدخل لتعديل الأمور وتسهيل مهمة الباعثين العقاريين بما سيعود بالفائدة على الحرفاء".

من جهته كشف مصدر بالمعهد التونسي للإحصاء لـ"إرم نيوز"، عن "تراجع حجم المبادلات العقارية في 2021 حيث انخفض بنسبة 6,9% مقارنة بـ 2020".

وحسب المعهد، فإنه رغم تراجع الإقبال على اقتناء المساكن والعقارات وتراجع الطلب، فإن المؤشر العام لأسعار العقارات سجل زيادة بنسبة 6,2 % خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2021، مقارنة بما كان عليه في الفترة ذاتها من 2020، كما سجلت أسعار الشقق، ارتفاعا بنسبة 1,3 % أما أسعار الأراضي السكنية فقد شهدت ارتفاعا بنسبة 9,6 % في حين سجلت أسعار الفيلات ارتفاعا بنسبة 2,1 %.

يشار إلى أن البنك المركزي التونسي قرر في منتصف شهر أيار/مايو الجاري، رفع سعر الفائدة المديرية (نسبة استفادة البنوك عند منح القروض لحرفائها) بمقدار 75 نقطة لتصل إلى 7 % وذلك لمحاربة التضخم بحسب بيان للبنك وهي الزيادة الثانية في غضون عامين مما سيؤثر على قدرة التونسيين على الحصول على قروض بنكية فيما سيزيد من معاناة الطبقة الوسطى ويعمق تدهور المقدرة الشرائية بحسب خبراء اقتصاديين.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com