كيف سيسهم انخفاض الجنيه في تعزيز إصلاح الاقتصاد المصري؟

كيف سيسهم انخفاض الجنيه في تعزيز إصلاح الاقتصاد المصري؟

رغم سريان توقعات سابقة بانخفاض الجنيه المصري، تمهيدا لاتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، إلا أن نسبة انخفاضه تجاه الدولار، يوم أمس الخميس، جاءت أعلى من المتوقع..

وهذا الانخفاض علّلته تحليلات متخصصة بأنه ربما جاء نتيجة التزامن بين اتفاق الصندوق مع اعتماد البنك المركزي المصري لنظام سعر صرف مرن للجنيه، مرفوقا برفع أسعار الفائدة.

وأتاحت الإجراءات المتزامنة هامشا واسعا، ليس للمضاربات والتقارير الاستهدافية فقط، وإنما لإساءة قراءة ما حصل أيضاً.

وتوارثت الذهنية العامة قراءة المعادلة الاقتصادية من زاوية سعر صرف العملة وليس من منظور مستوى التضخم، وهي المشكلة التي يتصدى لها البنك المركزي المصري الآن في إعطائه الأولوية للتضخم، مقابل ما تعوّده المواطنون من إعطاء الأولوية لسعر الصرف.

وأعلنت مصر وخبراء صندوق النقد، الخميس، الاتفاق على تسهيل ائتماني ممتد بقيمة 3 مليارات دولار، على أن يُعرض هذا الاتفاق على مجلس إدارة الصندوق خلال شهر ديسمبر 2022 لاعتماده.

ويُتيح برنامج الاتفاق، الممتد لـ4 سنوات، إمكانية حصول مصر على تمويل إضافي قدره مليار دولار عبر “صندوق المرونة والاستدامة" الذي تم إنشاؤه حديثاً من قِبل صندوق النقد الدولي، وعلى حزمة تمويلية خارجية إضافية تبلغ نحو 5 مليارات دولار من عدّة مؤسسات تمويل دولية وإقليمية بشروط ميسرة.

وجاء البيان بعد ساعات قليلة من رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة 200 نقطة أساس، كما قرّر اعتماد سعر صرف مرن للجنيه مقابل العملات الأجنبية استناداً لآلية العرض والطلب في السوق، كما قرر الإلغاء التدريجي للتعليمات الخاصة باستخدام الاعتمادات المستندية في عمليات تمويل الاستيراد، حتى إتمام الإلغاء الكامل لها في ديسمبر.

وكانت المحصلة أن تراجع الجنيه المصري بأكثر من 14% أمام الدولار ليبلغ سعر الصرف 22.50 جنيه للدولار، قبل أن يعود إلى 22.25 جنيه، وهو أمر لم يكن متوقعا في ضوء رزمة الأخبار الإيجابية.

ونقلت وكالة "بلومبيرغ" عن محللين اقتصاديين أن حصول مصر على 3 مليارات دولار هو رقم جيد جداً، خصوصا أن هناك اتفاقا جديدا متوقعا مع الصندوق خلال العام المقبل.

الأولوية لكبح التضخم أم لسعر العملة؟

تتمثل الحالة الاقتصادية المصرية الراهنة كما تقول الحكومة، في أن الاقتصاد يشهد منذ بداية العام جملة تحديات، وهي ممتدة من تداعيات جائحة كورونا، وفاقمتها الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث صنّفت المؤسسات الدولية مصر بأنها من أكثر الدول تأثراً بالأزمة العالمية الحالية.

فمصر تعتمد في وارداتها من القمح مثلا على أوكرانيا وروسيا، وكانت لجأت إلى المقرضين الدوليين للحصول على الدعم بعد معاناتها من تأثير ارتفاع أسعار السلع الأساسية منذ بداية 2022، كما شهدت البلاد تراجع عائدات السياحة مع وصول عدد أقل من الزوار الروس.

ومع ذلك، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في مؤتمر الاستثمار الذي انعقد الأسبوع الماضي، إن احتياطيات مصر من السلع الغذائية الرئيسية "آمن"، واحتياطي القمح تحديداً يغطي ما يزيد عن 5.5 شهر..

كما أفصح عن التوافق مع دائنين دوليين على إسقاط ما يزيد عن 43 مليار دولار أمريكي من الديون على مدى السنوات المقبلة، ومن ضمن آليات تنفيذ هذه المبادرة استبدال ديون باستثمارات، موضحاً أن 73% من ديون مصر الخارجية هي ديون متوسطة وطويلة الأجل.

لكن المشكلة، كما تحددها الحكومة والبنك المركزي، تكمن في التضخم الذي تسارع خلال سبتمبر الماضي لأعلى مستوى منذ نوفمبر 2018، حيث سجّلت أسعار المستهلكين 15% في سبتمبر على أساس سنوي، مقابل 14.6% في أغسطس، فيما قفز التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار السلع الأكثر تقلّباً، إلى 18%.

وتوقَّع المركزي المصري، في بيانه أمس، ارتفاع معدل التضخم عن مستهدفه السابق البالغ 7% في المتوسط خلال الربع الرابع من العام الحالي 2022.

ولذلك، أعلن رئيس الوزراء أن الأولوية بالنسبة لحكومته التركيز على كبح جماح التضخم، وليس سعر العملة المحلية؛ فالمسألة لا تتعلق بالمقارنة بين مواجهة إحداهما من قبل الآخر، لأن المهمة الأساسية، والتي تقع على عاتق البنك المركزي، هي مراقبة وضبط وضمان استقرار الأسعار، أي الحفاظ على معدل التضخم عند مستوى معقول..

والتقدير الرسمي هو أن "التأثير الأكبر على مستويات التضخم في مصر حتى نهاية العام سيتأتى من استمرار ارتفاع أسعار السلع عالمياً، بشكل أساسي، وليس من ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه".

وبموجب هذه القناعة، قال محافظ البنك المركزي المصري إن الدولة ستطور مؤشرًا جديدًا للعملة، في محاولة لفطم الناس عن فكرة ربط الجنيه المصري بالدولار الأمريكي وأن المؤشر سيعتمد على عدة عملات وربما الذهب.

وقال، أمام المؤتمر الاستثماري الأحد الماضي: "هذا من أجل فكرة الربط - وأنا لا أتحدث عن السعر، أنا أتحدث عن الفكرة.. أمريكا ليست شريكي التجاري الرئيسي. لا أعرف لماذا يركز الناس دائمًا على الدولار. جزء من نجاحنا سيكون في تغيير الثقافة وفكرة أننا مرتبطون بالدولار".

يشار إلى أنه كان تم تثبيت الجنيه المصري فعليًا عند حوالي 15.70 جنيه مقابل الدولار الأمريكي لمدة 18 شهرًا قبل أن تتسبب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في هروب مليارات الدولارات من سندات الخزانة المصرية في غضون أسابيع، ما دفع البنك المركزي إلى خفض قيمة العملة والسماح لها بذلك..

وتعزز الجنيه المصري أمام اليورو والجنيه الإسترليني والليرة التركية منذ أزمة أوكرانيا.

وقال محافظ المركزي في المؤتمر: "لكن الناس لا يرون كل ذلك"، مضيفا أنه "رغم تجديد العملة، فإن المهمة الأساسية للبنك المركزي ستكون السيطرة على التضخم - الذي يصل الآن إلى 14%".

أداء اقتصادي جيد يجري التشويش عليه

في تفسير ما جرى يوم الخميس الماضي من مستجدات يُفترض أنها إيجابية، لكنها حَظيت بتغطيات إعلامية ملتبسة، تفاوتت تقديرات الاختصاص التي سجلت لمصر أرقام أداء إيجابية، وتحملت مثل بقية الاقتصادات العالمية نتائج سلبية من تداعيات الحرب في أوكرانيا خفضت الكثير من أسعار العملات ومن بينها الجنيه، ومع ذلك يجري تصوير ما يحدث في الاقتصاد المصري بنهج التبخيس.

وفي الأرقام المرجعية، سجّل الناتج المحلي الإجمالي في مصر نمواً بلغ 6.6% في السنة المالية 2021-2022 التي انتهت في 30 يونيو الماضي، مقابل 3.3% للسنة المالية 2020-2021، التي شهدت انتشار جائحة كورونا، بحسب بيان للبنك المركزي المصري.

وأعلن رئيس الوزراء أن مصر نفذت مشروعات قومية بأكثر من 350 مليار دولار خلال السنوات الماضية، كما تم التوافق مع دائنين دوليين على استبدال 43 مليار دولار ديون باستثمارات.

وكانت ارتفعت سندات مصر الدولارية بنسبة 5%، وجاءت ضمن أكبر ثلاثة أسواق ناشئة من حيث الأداء، وفقاً لمؤشرات "بلومبيرغ"، ولا تزال عقود مقايضة العجز الائتماني لديون مصر أعلى من 1000 نقطة أساس- وهو مستوى يصنف الديون عادة بأنها متعثرة.

وتنقل "بلومبيرغ" عن كالي ديفيس، الخبيرة الاقتصادية في "أكسفورد إيكونوميكس أفريكا": "من المؤكد أن التوصل لاتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي سيعطي زخماً متجدداً لأجندة الإصلاح، وهو أمر ضروري لاستعادة ثقة المستثمرين وفتح الباب على مصراعيه أمام قروض من دائنين آخرين، كما أنه سيمنح الوضع الخارجي لمصر (ميزان المدفوعات) دفعة ضرورية".

ولذلك تخلص التقديرات إلى أن تصوير ما يجري في مصر، من انخفاض أو تخفيض طوعي للعملة، بأنه استثناء من البيئة العالمية المماثلة وهو مراوحة بين التشويش والاستهداف الإعلامي الخارجي، لكنه لا يلغي الإحساس المحلي بمرارة الدواء.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com