هل تقود حرب العملات بين واشنطن وبرلين إلى حرب اقتصادية عالمية؟
هل تقود حرب العملات بين واشنطن وبرلين إلى حرب اقتصادية عالمية؟هل تقود حرب العملات بين واشنطن وبرلين إلى حرب اقتصادية عالمية؟

هل تقود حرب العملات بين واشنطن وبرلين إلى حرب اقتصادية عالمية؟

بعد أكثر من أسبوع على تنصيب ترامب، وبعد أن أشارت إدارته بالفعل إلى أنها تستعد لحرب اقتصادية عالمية فإن حرب العملات التي يفكر فيها البيت الأبيض بشكل واضح ليست فقط ضد الصين التي طالما اشتبه في قيامها بالغش لتحقيق الفوز في لعبة العولمة، ولكن أيضًا ضد ألمانيا حيث ادعى "بيتر نافارو" الرئيس الجديد للمجلس التجاري الوطني أن ألمانيا تستخدم عملتها لاستغلال جيرانها والولايات المتحدة، في حين ينظر البيت الأبيض إلى الاتحاد الأوروبي والاتحاد النقدي الذي أسس عملة اليورو كآلية أساسية لحماية المصالح الألمانية وبسط سلطتها.

وبحسب ما نشرته صحيفة "فورين بوليسي" الأمريكية يعتبر هذا الخوف من ألمانيا تعبيرًا غريبًا0 عن جنون الاضطهاد، كما يعتبر فكرة متأصلة بين بعض الاقتصاديين وصناع القرار على حد سواء، ولا يشك أحد في أن البيت الأبيض لديه العديد من الأدوات تحت تصرفه والتي يمكنه بها إجبار ألمانيا على تغيير سياستها الاقتصادية، بما في ذلك التزامها باليورو الذي يربط دول الاتحاد الأوروبي ببعضها وفي الواقع يبدو أن إدارة ترامب على وشك أن تفعل ذلك تمامًا.

وجاءت النسخة الأولى من هذه الانتقادات التي توجه نحو ألمانيا في أواخر العام 1970 والتي كانت تركز على النظام النقدي الأوروبي الذي سبق وجود اليورو، حيث كان نظام النقد الأوروبي، نظام سعر صرف ثابت لكنه قابل للتعديل ما أعاد إنتاج معظم مميزات نظام بريتون وودز العالمي الذي تأسس في العام 1944 وتم تصميمه من قبل الأوروبيين كرد فعل فوري لسوء إدارة الدولار الأمريكي في عهد الرئيس جيمي كارتر.

وأفاد تقرير الصحيفة بأن ضعف الدولار أدى إلى وجود سيولة كبيرة لرأس المال قصير الأجل في ألمانيا، ما دفع المارك الألماني مقابل الفرانك الفرنسي، وقام بتعقيد العلاقات التجارية في الاتحاد الجمركي الأوروبي إلى حد كبير، لكن كان هناك دائماً شك في أن ألمانيا تحاول الحصول علي مزايا تجارية على المدي الطويل عن طريق ربط العملات.

وفي وقت مبكر من العام 1980 أقنع السياسي السابق بحزب العمال البريطاني "دينيس هيلي" نفسه بأن النظام النقدي الأوروبي كان أداة ألمانية وذلك بعد أن أخبره وزير المالية الألماني آنذاك "مانفريد لانشتاين" بأن ألمانيا تتوقع أن تحصل علي ميزة تنافسية عن طريق الحد من نطاق العملات الأخرى وتقليل قيمتها.

وأوضح التقرير أنه منذ أن كانت معدلات التضخم في الأجور في ألمانيا أقل من فرنسا وأقل بكثير من بلدان البحر المتوسط، كانت العملة المغلقة تضمن زيادة تصدير الفائض، وكان الاقتراح أن النظام النقدي الأوروبي ومن بعد اليورو سيسمح للسيطرة الألمانية على الأسبقية الاقتصادية الأوروبية بالنجاح في نهاية القرن العشرين وفي الألفية الجديدة.

والشيء الغريب بشأن هذه النظرية أنها كانت أكثر حداثة بكثير في بريطانيا والولايات المتحدة مما كانت عليه في القارة الأوروبية.

ويوضح التقرير أن وجهة نظر ألمانيا تشير إلى أن الهدف من وجود عملة موحدة ليس فقط جعل المعاملات العادية أكثر سهولة، ولكن لإزالة الشك حول مزايا التجارة عندما تتحرك العملات غير الثابتة ضد بعضها، فعلي سبيل المثال عندما غادرت أسبانيا وإيطاليا نظام النقد الأوروبي، بدأ المزارعون الفرنسيون يطلبون الحماية ضد نبيذ الجنوب الأرخص سعرًا.

وكان لدي الإدارات الأمريكية السابقة بما في ذلك إدارة باراك أوباما قلق بالغ إزاء حجم فوائض الحساب الجاري الألماني وفائض الاستثمار بواسطة الألمان في الخارج والذي يتوافق مع المبلغ المستهلك في السلع والخدمات، لكن هذه الإدارات قرأت ذلك بشكل مختلف، ليس على أنه دليل على التلاعب التجاري ولكن على أنه دليل على نهج خاطئ للسياسةا الاقتصادية التي كبحت الاقتصاد العالمي ككل.

وحاولت واشنطن مواجهة هذا في "قمة العشرين" التي عقدت في سيول في العام 2010، حيث كانت هناك محاولة موجزة ولكن سيئة الحظ للتشجيع على الحد من حجم الفوائض في الحساب الجاري إلى 4% من الناتج المحلي، ويوشك حجم فوائض ألمانيا أن يتفوق على مثيله الصينى في الحجم المطلق، وبالنظر إلى نسبته من الناتج المحلي الإجمالي فهو أكبر منه بكثير حيث تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن فائض ألمانيا في العام 2017 يساوي 8.1 % من الناتج المحلي الإجمالي في حين أن فائض الصين يساوى 6.1% فقط.

وتتمثل انتقادات بيتر نافارو لليورو المقيّم بقيمة أقل من قيمته الأصلية في أن الاتحاد النقدي هو وسيلة دائمة للحفاظ على قيمة المارك الألماني أقل مما ينبغي أن تكون عليه، وكبديل لذلك من المقبول أن ننظر إلى سويسرا التي يقوم اقتصادها على التصدير متشابها في ذلك مع الاقتصاد الألماني والتي لديها أيضا فائض كبير في الحساب الجاري.

ومنذ الأزمة المالية أصبح الفرنك السويسري موضع تقدير كبير أمام كل من الدولار واليورو، ولبعض الوقت حاول البنك الوطني السويسري أن يخفض قيمة الفرنك لكنه لم يفلح في ذلك في يناير من العام 2015 علي الرغم من أنه لا يزال يتدخل لوقف الارتفاع المفرط السرعة في قيمة العملة، لكن فائض الحساب الجاري السويسري لا يزال ضخمًا ويفوق نسبته من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنظيره الألماني حيث يساوي 8.95 % عام 2017.

ويقول التقرير: "باختصار، يعكس ميزان الحساب الجاري في سويسرا الاختلافات العميقة بين ارتفاع معدلات الادخار وانخفاض معدلات الاستثمار المحلي وليس مجرد التلاعب التجاري، الأمر الذي لا يمكن تعديله بسهولة حتى عن طريق رفع قيمة العملة عن المقدار الذي تعهده سويسرا والذي جلب الآلام الحادة لبعض القطاعات الرئيسية للاقتصاد بما في ذلك السياحة والآن أيضا صناعة الساعات".

ويرى تقرير "فورين بوليسي" أن الحل للحالة الألمانية يكمن في السياسة الداخلية كما حدث في سويسرا من أجل وقف ارتفاع قيمة الفرنك، حين قام البنك المركزي السويسري بالتدخل للحصول على أصول أجنبية معظمها سندات حكومية تابعة لمنطقة اليورو وليس مثل الصين التي قامت بشراء سندات الخزانة الأمريكية.

كما يوجد لألمانيا مقابل في منطقة اليورو حيث إن البنك المركزي الألماني يجهز مطالبات كبيرة ضد جنوب أوروبا بخصوص أزمة أرصدة نظام المدفوعات الأوروبي، والهدف في هذه الحالة ليس الحفاظ علي سعر صرف العملة الألمانية منخفضًا، الأمر الذي لا يمكن القيام به لوجود اتحاد العملة ولكن الهدف هو الحفاظ علي اليورو من السقوط.

يذكر أن أزمة أرصدة نظام المدفوعات الأوروبي ليست سياسة مقصودة من قبل برلين ولكنها نتيجة لتسرب الأموال من جنوب أوروبا بعد محاولة البنك المركزي الأوروبي تحفيز النمو هناك عن طريق عمليات شراء الأصول (التيسير الكمي)، وقد نشأ هذا التيسير الكمي نتيجة الضغط من قبل جنوب أوروبا وأيضاً الولايات المتحدة لفعل شئ لإنقاذ اليورو. ولذلك فإن المطالبات الألمانية تنشأ بسبب المنطق الكامن للنظام وليس بسبب أن الحكومة الألمانية أو البنك المركزي يحاولان التلاعب بأي شيء.

وتعتقد الصحيفة في تقريرها أن الألمان ليسوا قلقين بشأن كونهم ناجحين جدًا كمصدرين ولكن لديهم قلق عميق حول نوعية الأصول التى تم شراؤها مع الفائض في الحساب الجاري، ويواجه دافعو الضرائب الألمان فاتورة يحتمل أن تكون كبيرة ولكن ذلك لن يكون إلا بسبب انهيار اليورو.

في الواقع يوجه الهجوم الأمريكي إلى السياسة الداخلية الألمانية وإلى منتقدي أنجيلا ميركل ويمهد لحملة الانتخابات التي سوف تتمحور حول سياستين هما اليورو واللاجئين، واللتين ستعارضهما الولايات المتحدة، حيث يقول السفير المحتمل للاتحاد الأوروبي أنه يراهن على انهيار اليورو وأنه يريد خفض قيمته ولكن ماذا يمكن أن تكون عواقب انهيار اليورو؟ سيؤدي ذلك إلى إضعاف أوروبا كمنافس وسيجعلها أيضاً غير مستقرة، كما سيطلق العنان للمنافسات الوطنية القديمة مرة أخرى.

ففي الماضي كان الأمريكيون يرون أوروبا كقطب للاستقرار في عالم متقلب، ولكن الرؤية الجديدة تريد زعزعة الاستقرار الأوروبي السياسي والاقتصادي والنتيجة النهائية أن أوروبا ستكون أكثر انقساما بل أكثر من ولايات ترامب المتحدة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com