هل يصمد الاقتصاد المصري بالاعتماد على المنح والودائع الخليجية؟
هل يصمد الاقتصاد المصري بالاعتماد على المنح والودائع الخليجية؟هل يصمد الاقتصاد المصري بالاعتماد على المنح والودائع الخليجية؟

هل يصمد الاقتصاد المصري بالاعتماد على المنح والودائع الخليجية؟

يُعتبر الملف الاقتصادي من أهم وأثقل الملفات على طاولة حكومة إبراهيم محلب، خاصةً مع عدم الاستقرار الذي يسيطر على المشهد المصري والذي يؤثر على القطاعات الاقتصادية الأساسية؛ مما زاد من أعباء الاقتصاد المصري المنهك في الأساس، وأصبح في حاجة ماسة إلى الدعم والمساندة، وهو ما التمسته الحكومة في القروض والمنح الخليجية.



وفي ضوء ارتفاع حجم الديون وزيادة الودائع والمنح؛ أصبح الاقتصاد المصري بين قطبي رحى التزامات السداد، وواقعه المتأزم بسبب انحشاره في زاوية الاعتماد على المساعدات والودائع الخارجية، في ظل تعثر عجلة الإنتاج وتراجع موارد الدولة لتأثرها بالأوضاع السياسية في البلاد، لتبقى التساؤلات حول مدى تأثير تلك المنح والودائع على الاقتصاد المصري وقدرتها على المساعدة في سرعة تعافيه.

في هذا الشأن تقول د.علياء المهدي أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة: إن الاقتصاد المصري يمر بمرحلة إعادة بناء لمقوماته وقطاعاته الأساسية بعدما لحق به من خسائر، كالسياحة شبه المتوقفة بفعل الأوضاع الأمنية، والاستثمارات التي تراجعت بشكل كبير، واقتصرت على الاستثمارات السعودية والإماراتية التي توفّر للاقتصاد القدرة على البقاء دون نمو أو تحسُّن، خاصةً مع انخفاض إنتاج كافة المصانع وهو ما تسبب في قلة المعروض من المنتجات، ومن ثم ارتفاع الأسعار ووصول حجم التضخُّم إلى 20%.

وتابعت: الاقتصاد في هذه المرحلة يكون بحاجة إلى المساعدات التي تمنحه القدرة على دعم قطاعاته المختلفة، وتشير إلى أن المنحة الكويتية الأخيرة والمقدرة بحوالي مليار دولار وما سبقها من ودائع ومنح سعودية وإماراتية، بلغت حوالي 12 مليار دولار، جاءت في إطار دعم الاقتصاد المصري من خلال زيادة الاحتياطي النقدي، وتعويض الوديعة القطرية التي سحبتها قطر والتي بلغت قيمتها 3 مليار دولار؛ مما أدى إلى انخفاض الاحتياطي النقدي، واستدعاء تدخل سريع لإنقاذ الوضع الاقتصادي وإعادة الاحتياطي النقدي إلى المستوى المطلوب.

ولفتت إلى أن نمو الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي بفعل الودائع والمنح الخليجية، انعكس إيجابياً على استقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار وقلّل الضغوط على الموازنة العامة، بالإضافة إلى المساعدة في توفير العملة الصعبة للحد من عمليات المضاربة على الدولار، وتقليص الفجوة بين السعر الرسمي والسوق الموازية.

وترجع المهدي اعتماد الحكومة على المنح والمساعدات الخارجية إلى توقف المصانع في الفترة الأخيرة؛ مما أثّر بشكل كبير على الإنتاج وأصبحت مصر لا تنتج سوى 15 % فقط مما تستهلكه وتستورد الباقي من الخارج، بالإضافة إلى قلة الموارد من النقد الأجنبي نتيجة تراجع عوائد السياحة وانخفاض الصادرات ووقف تحويلات المصريين من الخارج.

وتضيف أن الاقتصاد المصري يواجه مشكلة رئيسية تتمثل في الإنفاق الاستهلاكي المتزايد بجانب الديون المتراكمة، في حين تتراجع الموارد مع قلة التدفقات النقدية من السياحة والاستثمارات؛ مما أدى إلى حدوث فجوة تحاول مصر تغطيتها بالاعتماد على الودائع والقروض، لافتة إلى ضرورة أن تدخل تلك المساعدات إلى الموازنة العامة للدولة ويتم التصرُّف فيها وفق أولويات المرحلة، والتي يمكن أن تساعد في تنشيط الاستثمارات وأيضاً في إعادة هيكلة الأجور.

وفي رأي د.عبدالله شحاتة أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن الودائع الخليجية أتت في الوقت المناسب لمساندة احتياطي النقد الأجنبي الذي يشهد تراجعاً بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، لافتاً إلى أن المساعدات الخليجية لها دور مؤثر في دعم الدولة في ظل تخبُّط النشاط الاقتصادي وتراجع معدل الإنتاج، بالإضافة إلى أن الاستثمارات الخليجية تزيد من الثقة في الاقتصاد المصري، وتسد فراغ تراجع الاستثمارات الخارجية وتقلُّص فترة التعافي الاقتصادي.

ويوضح أن الأموال الخليجية تمتاز بأنها ودائع ومنح وبالتالي بالإمكان الاستفادة منها مباشرة، وليس كالاستثمارات التي تكون فوائدها من خلال فرص العمل والسيولة الموجودة في السوق، لافتاً إلى أن تلك المنح والمساعدات ستساهم في توقف تدهور قيمة الجنيه وكبح موجة ارتفاع الأسعار، كما ستساعد في زيادة إيرادات الدولة وتقليص عجز الموازنة، كونها تساهم في زيادة المنح من الحكومات الأجنبية في الموازنة العامة.

ويختلف معه د.شاهر عبدالله أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، فهو يرى أن الودائع والمساعدات الخليجية لا تتعدى كونها مجرد مسكنات وقتية، إذا لم يتم استخدامها للدفع باتجاه عودة عجلة الإنتاج كماً وكيفاً، وهو ما يفرض على الحكومة المصرية مسؤولية حُسن استخدام هذه الأموال وتعظيم الاستفادة منها.

ولفت إلى ضرورة وجود تحرُّك موازٍ بالتركيز على دفع عجلة الإنتاج في المرحلة المقبلة، وإلا سيظل الاقتصاد المصري دائماً في حاجة إلى المساعدات الخارجية.

وتابع: المنح والودائع تساعد في دعم الاقتصاد ولكنها تجعله ضعيفاً غير قادر على تطوير نفسه.

وأضاف من الممكن أن تتخذ المنح شكلاً آخر وهو عرض المشروعات المحددة في الموازنة على المستثمرين لتمويلها كما فعلت حكومة الببلاوي في مشروع صوامع القمح.

ويوضح أن المنح والودائع هي لعبة سياسية في الأساس تستخدمها الدول في دعم الحكومات الحليفة، حيث نجد أنه عقب ثورة 25 يناير، اقتصر الاقتراض الخارجي على الودائع القطرية والتركية، وفي أعقاب 30 يونيو سحبت قطر وديعتها من البنك المركزي المصري، لتدفق الأموال السعودية والإماراتية والكويتية إلى مصر كبديل، لافتاً إلى أن اعتماد الاقتصاد على الودائع والمساعدات الخارجية يجعله اقتصاداً غير حر، كونه مرهوناً بقرارات الدول المانحة والعلاقات السياسية مع الدولة صاحبة الودائع.

ويأشار إلى أن الحكومة الحالية تفتقد للرؤية الاقتصادية التي تشمل خططاً لزيادة الإنتاج والتوسع في الاستثمارات، وتنتهج سياسات عشوائية غير واضحة، بالإضافة إلى اعتماده على المنح والمساعدات الخارجية لسد العجز بالموازنة العامة وزيادة الاحتياطي الأجنبي، لافتاً إلى ضرورة إيجاد آليات جديدة لدعم الاقتصاد، وتوفير السيولة اللازمة وتقليل حجم الديون.

وعن تأثير زيادة حجم الودائع والمنح على الاقتصاد المصري، يقول د.أنور النقيب أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات إن تلك الودائع والمنح هي التزام على الدولة المصرية، وبالتالي فهي تؤدي إلى ارتفاع حجم الديون، ومن ثم انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وإضعاف قدرة الدولة على تمويل مشروعات التنمية المختلفة، والتي تساعد على حدوث انتعاش اقتصادي وتوفّر فرصاً للعمل، بالإضافة إلى ضغط الإنفاق على الخدمات المختلفة كالتعليم والصحة والمرافق والإسكان؛ مما يزيد من ضغوط الحياة على المواطن البسيط، ويزيد من الضغوط على الموازنة العامة.

وتابع: التوسُّع في الاقتراض من الخارج يعمل على زيادة التضخُّم وارتفاع الأسعار، حيث تقل القيمة الشرائية للنقود ويقل الدخل الحقيقي للمواطن، لأن عجز الموازنة الناتج عن الديون لا يقابله إنتاج موازٍ يساعد على تقليص هذا العجز، بل زيادة في الاستهلاك وانخفاض في الإنتاج، ويشير إلى أن الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة يتمثل في وضع رؤية شاملة للنهوض بالاقتصاد، من خلال الاعتماد على الاقتصاد الوطني وضغط النفقات العامة للدولة، وتطبيق الحد الأقصى للأجور وزيادة الإيرادات من خلال الإنتاج.

وفي سياق متصل يشير د.فخري الفقي المستشار السابق لصندوق النقد الدولي، أن الديّن الخارجي لمصر تخطى الخطوط الحمراء وتم فتحه بشكل غير منضبط، ومن المتوقع أن يصل إلى 55 مليار دولار في حالة ما إذا استمرت الحكومة في سياستها المعتمدة على الاستدانة من الخارج، لافتاً إلى أن الدولة تعتمد على القروض والمنح كحل سهل لمواجهة الأزمة الاقتصادية في ضوء عدم وجود استراتيجية واضحة لحل مشاكل الاقتصاد المصري.

وأوضح أن الحكومة تلجأ إلى المساعدات الخارجية والمنح من أجل تغطية العجز الناتج عن تراجع النشاط الاقتصادي، وخروج الاستثمارات الأجنبية وانخفاض معدلات السياحة، حيث أصبح الديّن الخارجي والداخلي لمصر يمثل 98 % من قيمة الناتج القومي، الأمر الذي يعطي مؤشراً على دخولنا مرحلة الخطر.

وتابع: ليس أمام الحكومة سوى اتباع سياسة الإنتاج من خلال إعادة تشغيل المصانع التي أُغلقت في أعقاب ثورة يناير، وزيادة معدلات الإنتاج القومي وتخفيض الواردات وزيادة الصادرات، ويؤكد على أن الاقتصاد بحاجة لعملية إدارة قوية تحدد الرؤية، وتدير مواردها مع ضبط النفقات ومحاربة الفساد.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com