تعتزم تونس فكّ ارتباطها بصندوق النقد الدولي مع إقرار إجراءات في موازنتها للعام الجديد تعكس هذا التوجه، فيما يعتبر البعض أن العلاقة لا تزال قائمة مع المؤسسة الدولية المانحة رغم الخلافات.
ويرى خبراء في الشأن الاقتصادي، أن تونس قطعت علاقاتها مع صندوق النقد الدولي بسبب تفاقم الخلافات التي نشبت منذ تعطل المشاورات بين الطرفين، السنة الماضية، رغم توقيع "اتفاق تقني"، في شهر أيلول/ سبتمبر 2022، وصفه عدد من المسؤولين التونسيين في حينه بأنه "خطوة مهمة" في الحصول على قرض من الصندوق.
لكن مشروع موازنة، سنة 2024، التي عرضتها الحكومة على البرلمان تضمن توجيه الحكومة التونسية أكثر من ثلث نفقات الدعم المخصص لسلة المواد الأساسية، دون المحروقات والنقل، إلى قطاع الحبوب والعجين الغذائي بقيمة تزيد على مليار دولار.
وأصبحت العلاقة بين الصندوق وتونس محل اهتمام على الساحة الدولية، بعد أن أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد رفضه لما اعتبره "إملاءات الصندوق".
وتدخلت أطراف أخرى في محاولة لرأب الصدع الحاصل بين تونس والصندوق، بينها رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، التي طالبت الصندوق بتمكين تونس من قرض دون اشتراط القيام بإصلاحات هيكلية في الاقتصاد.
لكن حتى هذه المساعي للضغط على صندوق النقد الدولي فشلت في تقريب وجهات النظر، وبقي الصندوق متمسكًا بضرورة رفع تونس للدعم عن المواد الأساسية، في حين بقيت تونس متمسكة بموقفها.
إلغاء الدعم مقابل إعادة ملف تونس
وبحسب عدد من المراقبين، فإن تلك الخطوة تؤكد رفض تونس التفاعل مع صندوق النقد الدولي الذي يشترط أن تقوم تونس بإلغاء الدعم مقابل إعادة دراسة ملفها، لتمكينها من قرض يبلغ 1.9 مليار دولار.
ويرى النائب في البرلمان التونسي ياسين مامي، أنه رغم كل ما يقال حول خلافات وصراعات بين تونس وصندوق النقد الدولي، إلا أن العلاقة بين الطرفين لم تُقطع نهائيًا.
وأضاف "مامي" أنه ورغم عدم التوصل إلى اتفاق بين تونس والصندوق في السنة الماضية، إلا أن التواصل بين الطرفين مازال قائمًا ويمكن أن تكون نتائجه إيجابية.
بينما يرى القيادي في حركة البعث التونسية، صهيب المزريقي، أن مفاوضات تونس مع صندوق النقد ما زالت قائمة، وهو ما أعلن عنه وزير الخارجية التونسي نبيل عمار مؤخرًا.
المزريقي أكد أن تونس لا تسعى إلى تغليب أطراف دون أخرى في سياستها الدولية وتعاملاتها المالية، ومن هذا المنطلق فهي لم تقطع علاقتها مع المانحين الدوليين.
سيادة واستقلال تونس أمام الإملاءات
وشدد "المزريقي" على أن الصندوق أصبح ذراعًا للنظام الرأسمالي بعد الحرب العالمية الثانية من أجل التحكم في السياسات الداخلية للدول ومس سيادتها، و"هذا ما رفضته تونس، خاصة في محاولة فرض التخفيض في حجم الرواتب، وإلغاء الدعم".
وأضاف المزريقي، أنه ورغم رفض الدولة التونسية لإملاءات الصندوق، فإن هذا لا يعني القطيعة، وإغلاق باب التفاوض، بل تسعى تونس، اليوم، إلى تقريب وجهات النظر، والبحث عن نقطة التقاء لا تمس السيادة الوطنية واستقلال القرار الوطني.
يذكر أن وزيرة المالية التونسية سهام البوغديري نمصية أعلنت، في وقت سابق، أن تونس لم تقدم برنامج إصلاحات جديدًا إلى صندوق النقد الدولي.
وأوضحت الوزيرة في تفاعلها مع عدد من نواب البرلمان، أن عدم توصّل تونس إلى اتفاق مع المؤسسة المانحة سببه الشروط التي وضعها الصندوق، لا سيما تلك التي من شأنها أن تمسّ الظروف الاجتماعية للتونسيين.