في ثلاثين عاما.. شاب عربي يبدأ بفكرة صغيرة وينتهي بملايين الدولارات في دبي
في ثلاثين عاما.. شاب عربي يبدأ بفكرة صغيرة وينتهي بملايين الدولارات في دبيفي ثلاثين عاما.. شاب عربي يبدأ بفكرة صغيرة وينتهي بملايين الدولارات في دبي

في ثلاثين عاما.. شاب عربي يبدأ بفكرة صغيرة وينتهي بملايين الدولارات في دبي

إن أردنا إثباتا عمليا لمقولة أن النجاح يبدأ بفكرة، فعلينا أن ننظر إلى شركة أرامكس في دبي، إحدى الشركات الرائدة عالميا في مجال خدمات النقل والحلول اللوجستية ، فكيف بدأت؟ وماهو دور مؤسسها في نقلها من شركة محلية إلى أحد عمالقة الشركات العالمية في مجال النقل والخدمات؟

فادي غندور

جلس يوما وهو في سن الثامنة عشرة في جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأمريكية ليطالع كتابا يتحدث عن الرئيس التنفيذي لشركة البريد الأمريكية "فيديرل اكسبرس" (فيدكس)، أعُجب بشخصيته القيادية وبأسلوبه الفذ في إدارة الأعمال، لتراوده فكرة إنشاء شركة لنقل البريد وتوزيعه في الوطن العربي.

لم يعدم فادي غندور مؤسس شركة أرامكس ورئيسا التنفيذي لمدة 30 عاما، الوسيلة في خلق مشروعه الخاص، فعاد الشاب الأردني ذو الأصول اللبنانية إلى الأردن في مطلع ثمانينيات القرن الماضي بعد دراسته للعلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، وترسخ الحلم لديه بعد أن درس احتياجات أسواق الشرق الأوسط لخدمات النقل البريدي.

وربما حمى الثروة وصناعة المال انتقلت من الأب إلى الابن، فعائلة غندور اشتهرت في مجال الصناعة والتجارة في الشرق الأوسط، وكان والد فادي أحد مؤسسي الخطوط الجوية الملكية الأردنية، ليتنقل الشاب الأردني مع والده في أسفاره حول العالم، ولتكون تلك الأسفار خبرات تراكمية له ساعدته على تحقيق أهدافه في عالم المال.

يروي غندور بداية نشأة أرامكس من مطلع ثمانينيات القرن الماضي، حين كانت شركة "دي اتش أل" تعمل بمفردها في الشرق الأوسط وباكستان، وهنا بدأ التطبيق العملي لإنشاء شركة تنافس عملاق النقل الألماني، ولم تمنع قلة الخبرة وضعف الإمكانيات المادية غندور عن تحقيق هدفه، فلجأ إلى عدد من الأصدقاء لتنفيذ مشروعه المستقبلي.

فكرة

فكرة غندور لإنشاء أرامكس وبكل بساطة تلخصت في إنشاء شركة بريدية تكون الذراع العامل لشركات البريد العالمية في الشرق الأوسط، وبدأت الفكرة بالتطبيق في عام 1981، حينها أراد الشاب الأردني أن تشابه شركته التليدة شركة فيدكس الأمريكية، ولم يكن غندور غافلا عن أن نجاح شركته يتطلب مئات الملايين من الدولارات، ولكن مثابرته وصبره منحه الثقة ومنذ البداية أنه سيصل إلى مبتغاه، وخطوة خطوة بدأ المشوار، فأسس مركزا للعمليات في العاصمة الأردنية عمان، ثم انتقل إلى العواصم العربية وافتتح فروعا لشركته فيها، فعمل مع شركة فيدكس وشركات أمريكية أخرى، وكان يحاول منافسة العملاق الألماني "دي اتش ال" فعتمد غندور اقناع متعامليه من الأمريكيين بضرورة أن تكون شركته المنشأة في الشرق الأوسط بديلا عن الـ دي اتش ال، وسرعان ما اقتنع شركات البريد الأمريكية بالفكرة لتجنب التعامل مع منافسهم الألماني، وتطور العمل في الشركة خلال حقبة ثمانينيات القرن الماضي وعرفت الشركة وقتها بـ "شركة البريد لشركات البريد".

خبرات متراكمة

استفاد غندور من خبرات شركائه الأمريكيين، وخاصة من شركة "ايربورن اكسبرس"التي عمل معها لفترة طويلة، وبدأ رجل الأعمال الأردني بالاستحواذ شيئا فشيئا على شركات البريد الصغيرة في مصر وتركيا والسعودية وإيران والهند وباكستان، وتوسع مع شركة ايربورن اكسبرس التي لم تجد وقتها سيولة كافية لتوسيع أعمالها في منطقة الشرق الأوسط، فوجدت من ارامكس الشريك المناسب لها، وزودت الشركة بأنظمة تنافس الـ دي اتش ال وفيدكس، وبدأت بتدريب كوادر ارامكس وعلمتهم صناعة بيزنس البريد من الألف إلى الياء، كما اشترت ايربورن حصة كبيرة في ارامكس.

أول شركة عربية تدرج في ناسداك

وكما يقال إن العمل التجاري يتطلب جرأة وإقداما لاقتناص الفرص، وهو ما فعله غندور عندما قرر إدراج شركة أرامكس في سوق ناسداك في نيويورك مستفيدا من السيولة المالية المتوافرة لديه نتيجة شراء اير بورن حصة في أرامكس، ولتكون الشركة أولى الشركات العربية التي تُدرج في أسواق نيويورك للبورصة، وبدأت الشركة بتحقيق نمو يصل إلى 200 مليون دولار سنويا، مع 3 ألاف موظف اكتسبوا خبرة وحنكة العمل البريدي الأمريكي.

ومع بدء استخدام النت في عالم الأعمال في أواخر تسعينيات القرن الماضي، هبدط سعر أسهم أرامكس بشكل دراماتيكي، ومع ذلك آمن غندور بقدرة شركته على تجاوز المحنة، واستغل رخص سعر السهم ليشتري جميع حصص عبر شركة "أبراج كابيتال" في دبي عام 2002.

ولم يتوقف المشوار التجاري عند غندور إلى ذاك الحد، خاصة أن شركة دي اتش ال اشترت في عام 2003 شركة ايربورن، والتي اعلنت بدورها أنها ستتوقف عن التعامل مع شركائها القدامى ومنهم أرامكس بداية عام 2004 وستمنعهم من استخدام نظامها البريدي، وهنا بدأ غندور في التفكير ليحل مكان شركة ايربورن بشكل تام، واجتمع مع كافة شركائه في لندن ليعلن أن أرامكس بدأت تطور برنامجا على الكمبيوتر ليحل محل نظام ايربرون، وسيكون البرنامج جاهزا للعمل مع نهاية عام 2004.

العالم مسطح

ويقص الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان في كتابه "العالم مسطح" الذي اتخذ فيه فادي غندور مثالا لرجل الأعمال الناجح في عصر التكنولوجيا الحديثة: 'في الحقيقة أخبرهم غندور أن الفأرة ستحل محل الفيل. فشركته الصغيرة نسبيا لا تستطيع تأمين غرفة الدعم نفسها التي كانت تقدمها ايربورن من سياتل. فكان عليها ايجاد شركاء عالميين ليملؤوا الفراغ التي ولده خروج ايربورن. وليحقق ذلك، أخبر الشركاء المحتملين أنه سيوظف المحترفي ليديروا جميع مكاتبهم حول العالم ويؤمنوا حاجتهم، وذلك ليخفف عليه أعباء الكلفة التي يدفعونها امتدادا من أوروبا الى أميركا'. وبالفعل، اتخذ غندور المبتكر زمام المبادرة والقيادة.

كذلك أوجد غندور جيلا شابا جديدا من مهندسي البرمجيات ليقدموا الخدمات للشركاء الجدد. كما وفر لهم جميع الأدوات اللازمة التي كانت تؤمنها ايربورن لموظفيها في سياتل. فكانت المسألة فقط تتمحور حول الحصول على طاقة ومخيلة لتبني هذه الأدوات واستخدامها بالشكل الصحيح. وتم تأمين التكنولوجيا المناسبة لتحل محل تقنية ايربورن. كذلك تم انتاج نظام شحن ومتابعة عبر موقع الانترنت. وبالفعل كانت خطوة إدارة غرفة عمليات جميع شركاء التحالف عبر الإنترنت أكثر فعالية من ربط الجميع بنظام واحد وغرفة عمليات في سياتل. إذ ألغت المركزية التي كانت تشكلها ايربورن.

وولد تحالف التوزيع العالمي الجديد"GDA" بمدخول 7.5 مليار دولار سنويا، وحل هذا النظام المتطور مكان نظام ايربورن.

وينقل موقع اقتصادي أردني عن غندور قوله: "لم اكن مرتاحا لنظام الشحن الأميركي. إذ كان يمكنني التوجه مباشرة إلى الإنترنت واستخدام آخر التقنيات. فموقع الإنترنت مكنني من تقليص تكاليف هائلة، خصوصا أني ما زلت لاعبا صغيرا.. الفكرة كانت مثالية، لأنني أعرف أن العالم مسطح. كل ما بشرت به الموظفين هو أننا نستطيع النجاح، فقواعد اللعبة بدأت تتغير، لا نحتاج لأن نكون عمالقة، يمكننا إيجاد ثغرة في الحائط، والتكنولوجيا ستمكننا من منافسة كبار الصبية'.

ويضيف غندور: 'أدارت ارامكس هذه الشبكة العالمية مع 40 شريكا، ونحن نغطي كل مساحة جغرافية على الأرض. لقد وفرنا الكثير من المال. فمن خلال البرنامج على الإنترنت، كل ما تحتاجه كان محركا وكلمة سر لتدخل إلى شبكة أرامكس، وفجأة تصبح داخل نظام إدارة شحن عالمي.

و بدأت البنوك العربية وحتى البنوك الأجنبية في الشرق الاوسط ترسل البطاقات الائتمانية إلى عملائها عبر 'ارامكس'، كما بدأت هذه الاخيرة تجبي الفواتير لمصلحة عدد من الشركات.

شخصية إدارية بامتياز

عرف عن غندور بحسب الموقع الاقتصادي الأردني، الشخصية القوية والقاسية احيانا. فهو لا يستسلم أمام أي صعوبة مهما عظمت. وفي يونيو عام 2005، أعاد إدراج ارامكس كشركة مساهمة، لكن هذه المرة في سوق دبي المالي. ويعود سر نجاح غندور في الكثير من المراحل الى حسن إدارته. إذ أولى، منذ تأسيس الشركة، اهتماما كبيرا بفريق عمله. فهو من المقتنعين بحقيقة أن المنظمات ينجحها البشر قبل الحجر. وبهدف توظيف أفضل المهارات والحفاظ عليها، اتبع غندور اسلوب تمليك الموظفين اسهما في الشركة، وخلق لديهم مناخ الاكتفاء. واليوم، هناك عدد كبير من الموظفين يخدم منذ اكثر من 10 أعوام في الشركة. وبفضل الاكتتاب العام، يملك 400 موظف حوالي 7% من أسهم 'ارامكس'.

واشتهر عن غندور حبه للابتكار ومثال ذلك فكرة "تسوق واشحن" التي جعلت ايرادات 'ارامكس' تنمو بسرعة كبيرة. إذ كان المستهلكون في المنطقة يجدون صعوبة في التسوق عبر الإنترنت بسبب عدم توفر خدمة الايصال الى المنطقة، أو أن المواقع لا تقبل بطاقات الائتمان غير الأميركية. وهذه المشاكل شكلت فرصة لـ ارامكس، فابتكر مؤسسها خدمة تسوق واشحن، التي تسمح للزبائن باختيار السلع عبر الإنترنت من متاجر في الولايات المتحدة وبريطانيا، فتشتريها لهم مكاتب ارامكس هناك وتشحنها إلى منازلهم أينما وجدوا في المنطقة. ويصف غندور هذه الخدمة "لقد كان وقعها كالرصاص. إنها خدمة شعبية بالنسبة لنا".

وفي تقرير لصحيفة التايم البريطانية، يقول غندور، أحد مؤسسي موقع "مكتوب دوت كوم" أيضا، والذي يقضي معظم وقته متنقلا بين دبي و بكين ودبلن ونيويورك: "تغيرت الأشياء في العالم. إنها لعبة مختلفة كليا. لكننا مستعدون لها".

نهاية لبداية جديدة

في 27 يوليو 2016م، باع فادي غندور كامل حصته في شركة أرامكس والبالغة 9,9% لمجموعة من المستثمرين الخليجيين بما فيهم شركة "العبار انتربرايس" المملوكة لرئيس مجلس إدارة إعمار العقارية محمد العبار. وتبلغ قيمة الحصة المباعة 523 مليون درهم، أو ما يعادل 142 مليون دولار، وبسعر يفوق سعر السوق.

ويعتزم مؤسس شركة جمع ما يقارب 500 مليون دولار للاستثمار في مجال التجارة الإلكترونية المزدهرة في منطقة الشرق الأوسط، عقب بيع حصصه في أرامكس.

وقال غندور لوكالة بلومبيرغ، إنه سيقوم قريباً بإغلاق أول صندوق تمويل في “ومضة كابيتال” قيمته 70 مليون دولار، مشيرًا الى أنه سيمول الاستثمارات الناشئة ذات رأس المال ما بين 250 ألفًا إلى 5 ملايين دولار في شركات التجارة والتكنولوجيا الإلكترونية، وبقيمة تتراوح بين 300 إلى 500 مليون دولار ستساهم في تمديد الاستثمارات لتصل إلى تركيا وباكستان.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com