قد يلتبس على قاصدي لبنان هذا الصيف، أنّ وجهتهم إنّما هي بلد تصنفه المؤسسات والمنظمات الدولية في المراتب الدنيا وفق المقاييس المختلفة من سياسية واقتصادية، وصولًا إلى مقاييس التنمية البشرية.
وجوه اللبس قد تبدأ بمطار رفيق الحريري الدولي، ولا تنتهي في المواقع السياحية ومراتع السهر والحفلات الفنية العامرة.
يغصّ مطار رفيق الحريري الدولي ومنذ بداية شهر حزيران/ يونيو الماضي، بحركة توصف بأنها فوق العادة، قياسًا لعدد الواصلين من مغتربين ومن سياح كذلك.
وتشهد قاعات المطار يوميًا وصول آلاف الوافدين، وبنسب تصاعدية، ناهزت نسب أعوام ما قبل الأزمة المالية والاقتصادية التي أطلت في العام 2019.
وبحسب إحصاءات رسمية، يصل إلى مطار بيروت نحو 36,000 ألف راكب كمعدل وسطي في اليوم. وسط توقعات تقدر عدد الوافدين في أشهر الصيف مجتمعة بنحو مليون ونصف المليون زائر.
وتترافق هذه الحركة النشطة مع نسب تشغيلية مرتفعة يسجلها القطاع الفندقي والقطاعات المتصلة من مطاعم ومقاهي.
هذه الصورة المثلى، ليست في حقيقة الأمر إلا صورة ظاهرية، تعكس تنعّم أقلية بمتع لا يقرب منها غالبية اللبنانيين.
ووفق مصادر اقتصادية، فإنّ هذه الأقلية التي تبلغ نسبتها نحو 20% في أحسن الأحوال، تعطي هذه الصورة غير التامة عن حقيقة الوضع في لبنان، مستندة إلى مداخيل تتلقاها بالدولار أو إلى تحويلات من الخارج، وإلى هذه الطبقة الجديدة التي ترتاد عادة المطاعم والملاهي وأماكن السهر، تضاف أعداد المغتربين والسياح.
ويتوقع أن تدر هذه الحركة الناشطة مبالغ كبيرة بالعملة الصعبة على قطاع السياحة، ولن تدخل في الدورة الاقتصادية العامة، ما يعني أنها لن ترفد بالضرورة القطاعات الأخرى بشكل كبير ومباشر.
يزيد من انتعاش الصيف اللبناني هذا العام، تعدد الحفلات الفنية التي غابت في سنوات وباء كورونا، وفي بدايات الأزمة المالية والاقتصادية، فيما كان اللافت نفاد بطاقات هذه الحفلات بعد قليل من طرحها للبيع.
فور عبور سحابة الصيف هذه وما أن تسكن الليالي العامرة، يحل فصل الاستحقاقات، وتعود المعضلات اللبنانية تتقدم المشهد العام، تتصدره قضايا نحو 80% من اللبنانيين، استمروا يجهدون لتأمين الغذاء والدواء، ولم يقربوا متع الجنة اللبنانية.. خصصهم بالإشارة حصرًا، أحدث تقرير لليونسيف، أفاد أن 9 من كلّ 10 أسر"لا تملك ما يكفي من المال لشراء الضروريات ما يجبرها على اللجوء إلى تدابير قاسية للتعامل مع الأزمة".
هو مجرد مشهد من تناقضات لبنان الكثيرة، الجمهورية التي تعيش الفراغ الرئاسي منذ أكثر من ثمانية أشهر.