مصر.. الأغنياء المستفيد الأكبر من الدعم
مصر.. الأغنياء المستفيد الأكبر من الدعممصر.. الأغنياء المستفيد الأكبر من الدعم

مصر.. الأغنياء المستفيد الأكبر من الدعم

عبارة ملكة فرنسا نهاية القرن الثامن عشر "ماري أنطوانيت" الشهيرة حاضرة دائما للاستدلال على عدم الإحساس بأحوال الفقراء، إذ قالت عندما تحدث لها البعض عن أن العامة لا يجدون الخبز: "إذا لم يكن هناك خبز للفقراء.. دعهم يأكلون كعكا"، كما ذكر الفيلسوف الفرنسي، جان جاك روسو في كتابه "الاعتراف".

هذه الفلسفة يتم التعامل بها من جانب بعض الأثرياء ورجال الأعمال في مصر، الذين يحصلون على الدعم الحكومي الذي خصص في الأساس للفقراء، وتدرج إلى الطبقة المتوسطة التي تلاشت عاما تلو الآخر منذ انطلاق مرحلة الانفتاح في سبعينات القرن الماضي.

هذا الدعم يتم الحصول عليه في الوقود المستخدم للسيارات الفارهة، والكهرباء التي تجعل أنوار قصور زاهية في المنتجعات موقدة، ونفس الأمر ينطبق على المياه التي يتم استهلاكها بنسب عالية في ملاعب الجولف ومسابح القرى السياحية في الطريق الصحراوي والتجمع الخامس، هذه السلع التي تشهد استهلاكا كبيرا من الطبقة الغنية القليلة في مصر، يتم الحصول عليها مدعمة.

منظومة الدعم التي تحاول حاليا حكومة إبراهيم محلب، هيكلتها وترتيبها بنظام اجتماعي متزن، لا تستهدف عزل الأغنياء بعدم توفير خدمات أساسية مثل الكهرباء والمياه والبنزين، ولكن المطلوب بحسب خطة الدعم التي جهزت ومازالت حبيسة في أدراج مكتب رئيس الحكومة، وضع شرائح تصاعدية، يوفر من خلالها الدعم لهذه السلع والخدمات بنسب كبيرة للفقراء، وتتناقص تدريجيا حتى تتلاشى ويتم بيعها بالسعر العالمي للأثرياء أو السعر الحر إلا قليلا.

هذه المنظومة تواجه رفضا كبيرا في الكواليس داخل الحكومة من جهة، وداخل قلاع المال والاستثمار من جهة أخرى، وفي الجلسات الفخمة داخل الفنادق الراقية التي يجتمع فيها رجال الأعمال، والمطلة على نهر النيل، وسط رفض قطاع كبير من رجال المال والصناعة، لأي مساس بمصالحهم الاقتصادية، بحجة توجيه الدعم لمستحقيه، وإقامة نظام اقتصادي متزن في الشارع.

أزمة تطبيق هذه المنظومة ليست متعثرة فقط بسبب سيارات ومنازل الأثرياء، وما يستخدم من خدمات من جانب الطبقة العليا، فالأزمة الحقيقية متعلقة بالغاز والسولار والكهرباء والمياه المدعومة، التي يحصل عليها أصحاب المصانع ورجال الأعمال، بحكم قوانين الأعمال والاستثمار، ويعتبر الدخول في هذا الأمر وتنظيمه من جانب الدولة، بمثابة فتح أبواب جهنم على من يأخذ هذه المبادرة، فالحل سيكون إما إسقاط هذا المسؤول بضغوط تمارس على من هو أعلى منه، أو انطلاق اضطرابات مدفوعة تتحدث عن معاناة الفقراء في الظاهر، ولكن أساسها هو مصالح كبار رجال الأعمال، وهذا المشهد تواجد جزء منه في انتفاضة 18 و19 كانون الثاني / يناير 1977، التي انطلقت بسبب ارتفاع الأسعار، الذي سيستهدف الأثرياء مع توفير الدعم النقدي للفقراء بحسب شرائح اقتصادية واجتماعية.

تطبيق منظومة الدعم وتكسير أعمدة تقيد هذا النظام، بعدم العمل على توجيه الدعم لمستحقيه، أمر قادم لا ريب فيه، وستنطلق فيه الحكومة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، قبل إقرار الموازنة العامة للدولة لعام 2014 - 2015، ولكن طريقة التنفيذ مازالت مجهولة ومرتعشة.

الدعم نظام اجتماعي مصري أصيل، مرتبط بالدولة الحديثة، وليس صحيحا أن تقنينه جاء مع ثورة 23 يوليو 1952، وحقبة الرئيس جمال عبد الناصر، حيث تم تأسيسه منذ عهد الملك فؤاد، مع حكومة سعد زغلول، التي لم تستمر كثيرا، ولكنها انطلقت بتوفير العلاج والتعليم للفقراء، في مذكرات اجتماعية وضعت من جانب البرلمان، ونفذت حكومة "الوفد" وقتئذ جزءا كبيرا منها، وكان هذا النظام سببا دائما في خروج المواطنين في مظاهرات عقب إقالة الحكومة الوفدية، حيث كان يضرب "فؤاد" بهذا النظام بحكومات محسوبة لصالحه، ومع عودة "الوفد" إلى الحكم، تعود قرارات العمل بالدعم للطبقات الدنيا.

ومع وصول الملك الشاب "فاروق" إلى العرش، وفي إطار الوفاق الذي جمعه في بداية حكمه مع الزعيم مصطفى النحاس، الذي ترأس عدة حكومات، تطور نظام الدعم ليطال السلع التموينية، من زيت وسكر وخبز.

ووضع الرئيس جمال عبد الناصر، نظاما للدعم أكثر عدالة، حيث أوجد الأغنياء في شرائح تدفع أكثر، وظهرت بطاقات التموين، وتحول النظام الغذائي إلى المجمعات الاستهلاكية، وتعضد هذا النظام الاجتماعي بالإصلاح الزراعي بامتلاك الفلاحين لأفدنة طينية، بعد مصادرة بعض أراضي النبلاء والأمراء والإقطاعيين.

أما الرئيس الأسبق، أنور السادات، فكان يريد إحداث نهضة مالية في البلاد بعد الخروج من حرب قاصمة، مع الحفاظ على حق الفقير في المعيشة الكريمة، بتحرير الأسعار على الجميع من جهة، مع انطلاق منظومة الدعم النقدي للطبقة السفلى فقط، وهو ما فشل به بشكل ذريع، على الرغم من أن الهدف من ذلك إدخال الفقراء في عصر الرخاء الذي دعا إليه.

أرقام مخفية، توضح الداء الذي تعاني منه منظومة الدعم، وذلك بحسب ملفات إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، تتناول عناصر أساسية يبتلع من خلالها الأرقام المخصصة للدعم في الموازنة، والذي يلتهم الثلث، ويحصل دعم المواد البترولية على ثلثي هذا الدعم، والمقدر بـ 130 مليار جنيه، وتتم الاستفادة من 40 مليار جنيه فقط منه للفقراء، والباقي لدعم الفئات الأعلى دخلا، بحسب وزير المالية الحالي، هاني قدري.

وتتطرق أرقام الإحصاء إلى الطاقة بشكل مفصل، بالكشف عن أن 42% من دعم البنزين يكون للأغنياء الذين يمثلون 5 % من سكان مصر، في حين يحصل 72 مليون فرد على الدعم.

رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، بدأ في الإعداد لمعركة الدعم، بالاستقواء بالفئات الفقيرة والمتوسطة، بالحديث عن وجود مليون ونصف المليون، يحصلون على الضمان الاجتماعي، وأن الحكومة الحالية تستهدف الوصول إلى ثلاثة ملايين، مؤكدا أنه سيتم رفع الدعم عمن لا يستحق ليصل إلى من يستحق، موضحا أن مصر محملة بأعباء اقتصادية كبيرة، وأنه على كل مواطن أن يكون صاحب رسالة.

محلب يؤكد أن معدل النمو 1.8%، وظروف البلد في منتهى الصعوبة وأن الدعم يجب أن يوجه لنمو الاقتصاد، مشيرا إلى أن ربع الموازنة ينفق في الدعم العام الماضي، وأن الدعم وصل هذا العام إلى 33% من الموازنة، والفقر زاد، وهذا يعني أن الدعم لا يصل للفقير.

رئيس الوزراء يوضح أن الفقير لا يصله دعم الغاز لأنه يستخدم أنبوبة البوتاجاز، مضيفا: "الأنبوبة ثمنها 15 جنيها، ونفس كمية الغاز تصل إلى 3 جنيهات، فهنا القادر يدفع 3 جنيهات، وغير القادر يدفع 15 جنيها"، مشيرا إلى أن بعض الناس يسخنون حمام السباحة بالغاز، وبعض الناس لديهم شبكة غاز تحت الرخام للتدفئة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com