ما مدى واقعية استثمار الصين لمصدر جديد للطاقة النووية على القمر؟
ما مدى واقعية استثمار الصين لمصدر جديد للطاقة النووية على القمر؟ما مدى واقعية استثمار الصين لمصدر جديد للطاقة النووية على القمر؟

ما مدى واقعية استثمار الصين لمصدر جديد للطاقة النووية على القمر؟

عادت قضية التعدين الفضائي للظهور بعد إعلان الصين الشعبية، حديثا، عن اكتشاف مسبار "تشانغ إيه 5" لمصدر مهم للطاقة النووية.

ورسمت الصين سيناريو مفترضا عن استجلاب عنصر "الهيليوم 3" المكتشف في تربة القمر، واستخدامه في أبحاثها النووية؛ وفقا لوكالة "شينخوا" الصينية للأنباء.

وأعلنت وكالة الفضاء الصينية، بالاشتراك مع هيئة الطاقة الذرية الصينية، أن العينة التي أحضرتها المركبة من القمر، أكدت احتواء تربته على عنصر "الهيليوم 3"، ما يساعد العلماء على تحديد معايير استخراجه، لاستخدامه في المستقبل وقودًا لمفاعلات الاندماج النووي.

ويتصف نظير "الهيليوم 3" باستقراره الشديد لاحتواء ذراته على بروتونين مقابل نيوترون واحد، ويمكن لتفاعله النووي أن ينتج 164 ميغاواط من الطاقة لكل غرام منه.

عنصر نادر

ويرى الباحثون أن الاندماج النووي لـ"الهيليوم 3" لا يصدر عنه أي مواد مشعة، أي أن تفاعله لا يؤدي إلى إصدار نفايات نووية.

ويحتاج "الهيليوم 3" لحرارة مرتفعة جدا مقارنة بغيره من المواد، مثل التريتيوم، ومن الصعب استخراجه من الأرض بسبب ندرته.

والطريقة الحالية لاستخراجه تعتمد على انتظار الثوريوم ليتحلل نوويا إلى "الهيليوم 3" في الرؤوس النووية، بمعدل 15 كيلوغراما في العام، ويوجد أيضا في طبقات الأرض وفي الجو ولكن بتراكيز قليلة جدا يصعب الوصول إليها.

ونظرا لأهميته، ازداد الطلب على "الهيليوم 3"، وارتفع سعره إلى حوالي 18 ألف دولار للغرام الواحد.

فما مدى واقعية الطرح وسط تأكيدات مدير المشروع الصيني لاكتشاف الفضاء، أويانغ زيوان، على أن "3 مهمات فضائية تستطيع استجلاب وقود يكفي البشرية كل عام"، وفقا لموقع "نيو أطلس"؟

يشكل استخراج "الهيليوم 3" من تربة القمر تحديا صعبا، إذ يقدر تركيزه بنحو 50 جزءا في المليار، ما يستدعي معالجة 150 طنا من تربة القمر الغبارية لاستخراج غرام واحد من "الهيليوم 3"، ثم يجب إعادته إلى الأرض.

وفي ظل غموض الأرقام الرسمية؛ تشير التقديرات إلى أن تكلفة أولى رحلات "تشانغ 1" وصلت إلى 219 مليون دولار.

وبما أن الرحلة الأخيرة كما ذكر موقع "ساوث تشاينا مورنينغ بوست"، كلفت ضعف المهمات السابقة، نستنتج أن تكلفتها قاربت 440 مليون دولار.

وأمام هذه الأرقام؛ ماذا عن التكاليف المرتفعة؟ وهل يبقى سيناريو جلب "غاز الهيليوم 3" من القمر إلى الأرض طرحا واقعيا؟

أهمية الاعتماد على الطاقة النووية

وفي حديث خاص لـ "إرم نيوز"، قال الباحث الأردني في مجال الطاقة النووية، الدكتور أيمن أبو غزال، إن "الهيليوم 3 هو أحد النظائر غير المشعة لعنصر الهيليوم، وهو من عناصر الأرض النادرة، إذ تبلغ احتياطاته حوالي 0.000137% من العدد الإجمالي للعناصر على كوكب الأرض".

وأضاف "ازداد الاهتمام بنظير الهيليوم بعد أن أصبحت البشرية قريبة جدا من أزمة طاقة خطيرة، فمصادر الطاقة الهيدروكربونية تقترب من نهايتها، وفي غضون العقود المقبلة ستنفد بالكامل ولن تستطيع مصادر الطاقة البديلة، مثل الرياح والشمس، تغطية احتياجات البشرية بالكامل".

وأكد أبو غزال لـ "إرم نيوز"، أن "المصدر الوحيد للطاقة الذي يحقق شرط الاستدامة هو القائم على انشطار نوى اليورانيوم، أي الطاقة النووية التي تشكل حوالي 7% من رصيد الطاقة العالمي. ومع ذلك هناك مشكلة محورية في جميع محطات الطاقة النووية، وتكمن في التخلص من النفايات المشعة وتخزينها فهي تتراكم كل عام وتصبح أكثر خطورة".

حلول

وقال أبو غزال "الحل المثالي، يكمن في استخدام الوقود بناء على تفاعلات الاندماج الحراري النووي مع الهيليوم 3".

وأضاف "هناك نقطة مهمة جدا، وهي أن التفاعلات النووية القائمة على الهيليوم 3، ينتج عنها البروتونات على العكس من التفاعلات النووية الأخرى التي تطلق النيوترونات".

وأوضح أبوغزال "تكمن أهمية ذلك في أن النيوترونات جسيمات نشطة جدا وقادرة على اختراق المواد الهيكلية للمفاعل وتدمير بنيتها، وبمرور الوقت تصبح مشعة، ما يُوجِب استبدال الأجزاء والمواد المتضررة كل بضعة أعوام، ليتمكن المفاعل من العمل بشكل طبيعي".

وتابع "البروتونات على العكس من النيوترونات، لا تعمل على تحفيز النشاط الإشعاعي وهي غير قادرة على اختراق المواد".

وعمليا، فإن تدفق البروتونات هو تدفق للهيدروجين والمواد التي تصنع منها مكونات مفاعلات الهيليوم3، ويمكن أن تستمر في الخدمة لعقود طويلة.

ويحتوي تفاعل "الهيليوم 3" على نشاط إشعاع أقل بمقدار 50 مرة من تفاعلات الاندماج الحراري النووي المعتمدة على تفاعل الديوتيريوم مع التريتيوم، لذلك فإن "الهيليوم 3" يعد مصدرا آمنا تماما للطاقة وصديقا للبيئة.

وعن أماكن توفره بالكميات المطلوبة؛ قال أبو غزال "يوجد الهيليوم 3 بكميات قليلة على كوكب الأرض ولا يمكن الحديث عن استخراجها صناعيا، وأصبحت حقيقة احتواء سطح القمر على احتياطيات ضخمة من الهليوم 3 معروفة منذ زمن، عندما جُلِبت العينات الأولى من تربة القمر إلى الأرض بواسطة المركبات الفضائية السوفيتية (لونا) ورواد الفضاء الأمريكيين ضمن برنامج (أبولو)".

وأضاف "تبين أن تركيز الهيليوم 3 في تربة القمر أعلى بألف مرة من تركيزه في باطن الأرض، بسبب تعرض سطح القمر للإشعاع الشمسي المنتظم كونه غير محمي بغلاف جوي".

واستطرد "وفقا للتقديرات الأولية، يبلغ إجمالي احتياطي الهليوم 3 على القمر حوالي مليون طن، وهذه الكمية ستكون كافية للبشرية لحوالي ألف عام".

واقعية الطرح

وعن واقعية استخراج "الهيليوم 3" من القمر، بين أبو غزال، أن "كل طن واحد من الهليوم 3، يمكن أن يكافئ 20 مليون طن من النفط، ما قد يوفر طاقة إنتاجية تصل إلى 10 غيغاواط من محطات الطاقة النووية خلال العام".

وقال "رغم ذلك وبغض النظر عن الحجم الإجمالي لاحتياط الهيليوم 3، فإن محتوى هذا النظير في التربة القمرية يبقى قليلا جدا ويقدر بنحو 10 ميليغرامات لكل طن من الصخور، لذلك فنحن نحتاج إلى 20 مليار طن من فتات الصخور القمرية كل عام، لتلبية الاحتياجات البشرية".

تكاليف النقل الباهظة

وتمثل معالجة مليارات الأطنان من تربة القمر مشروعا طموحا جدا، ولكن، ماذا عن تكاليف النقل؟ إذا أخذنا في الحسبان أن نقل بضع مئات من الكيلوغرامات من المعدات فقط إلى القمر يُصنَّف على أنه إنجاز عظيم.

وقال أبو غزال، إن "قرار نقل تربة القمر إلى الأرض ليس صائبا، ولكن الأجدى تنظيم دورة تعدين متكاملة، تبدأ من الاستخلاص وصولا إلى مرحلة التخصيب على سطح القمر، للحصول على المنتج النهائي من الهيليوم 3".

هل نحن جاهزون؟

أما عن الجانب التقني، فيرى أبو غزال أن التقنيات الراهنة والتطور الكبير للعلوم، كافية للبدء في نقل جزئي لعملية التعدين إلى سطح القمر.

وقال "بالطبع، ستستغرق هذه العملية أعواما عديدة، لكن كلما بدأت مبكرا كلما سرعنا الحصول على النتائج المرجوة".

وأشار إلى ضرورة أن تشمل المرحلة التحضيرية أعمال الاستكشاف، فضلا عن إجراء اختبارات جيولوجية كجزء من العمل البحثي العام على سطح القمر، مع التركيز على دراسة الهيكل الداخلي للقمر، والحصول على بيانات عن التركيب الكيميائي لوشاح القمر السفلي، وكذلك تحديد حجم نواة القمر.

درجات حرارة مرتفعة

ولتحقيق تفاعل اندماج "الهيليوم 3"، يحتاج العلماء إلى الوصول لدرجة حرارة مرتفعة بمقدار 600 مليون درجة مئوية.

وفي هذا الإطار، ذكر أبو غزال أن "إنشاء مفاعل حراري نووي يستخدم الوقود على أساس الهيليوم 3، يحتاج إلى طاقة أعلى بثلاث مرات من الطاقة المستخدمة في مفاعلات الاندماج الحراري النووي المعتمدة على تفاعل الديوتيريوم مع التريتيوم".

وختم أبو غزال حديثه لـ "إرم نيوز"، قائلا "إذا أخذنا بعين الاعتبار، أن البشرية احتاجت لنحو نصف قرن لإنتاج طاقة نووية، منذ اكتشاف التفاعلات النووية وصولا إلى لحظة إنشاء مفاعل اندماج نووي حراري ITER، فافتراض إنشاء مفاعل الهيليوم 3، لن يتحول إلى واقع في المستقبل القريب، ويحتاج أن يأخذ وقتا كافيا".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com