ما هي تداعيات بيتكوين على قواعد النظام الرأسمالي العالمي؟

سلط تقرير بريطاني الضوء على مستقبل وآفاق العملات المشفرة التي يطرحها البعض كبديل للعملات التقليدية، وما إذا كانت بمقدورها أن تغير قواعد اللعب في النظام الرأسمالي العالمي.

وذكر التقرير، الذي نشرته مجلة "سوشاليست ووركر"، أنه "حتى وقت قريب، كان يتم الترويج لعملة بيتكوين وشقيقاتها من العملات المشفرة الأخرى على أنها مستقبل المال، بل وذهب البعض إلى أن تلك العملات هي مستقبل الرأسمالية نفسها، وقال أنصارها إنها متحررة من سيطرة الدول وبنوكها، ومن ثم فإنها تمثل تحديا مدمرا للنظام".

وقالت المجلة: "لكن الآن يبدو أن الانهيار الهائل لسوق العملات الرقمية قضى على العديد من هذه التوقعات، فقد انخفضت قيمة البيتكوين بأكثر من 50 % منذ مارس/آذار الماضي، حيث شهدت سيدة العملات المشفرة أكبر هبوط لها في الأسابيع الأخيرة، وسارت معظم العملات المشفرة الأخرى على نفس المسار الهبوطي".

وأضافت: "يبدو أن الدافع وراء الانخفاض الكبير في قيمة العملة كان إعلانا من شركة الأعمال والملياردير الأمريكي إيلون ماسك، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة (تسلا)، الذي كتب تغريدة عبر موقع تويتر الشهر الماضي قال فيها إن الشركة لن تقبل الدفع بعملة بيتكوين في معاملاتها بعد الآن، معللا ذلك بمخاوف بيئية".

مخاوف وقلق

وسرعان ما تبع "تسلا" بيان من بنك الصين المركزي قال فيه إنهم يشددون اللوائح التي تحظر المؤسسات المالية من تقديم الخدمات المتعلقة بالنقود الرقمية، وقال البنك إن "العملات الافتراضية غير مدعومة بأي قيمة حقيقية".

وينبع القلق البيئي الواضح لشركة "تسلا" من الطريقة التي تحتاج فيها العملات المشفرة إلى قوة حوسبة ضخمة لإنشاء وتداول وتأكيد شرعيتها، وهي عملية تسمى "التعدين".

وتعمل العملات المشفرة باستخدام تقنية لامركزية تسمى "البلوكتشين" في تسجيل المعاملات، ومن ثم كانت هناك حاجة إلى بنوك ضخمة من خوادم "سيرفرات" الكمبيوتر عالية الطاقة، والمخزنة في مستودعات عملاقة، لمعالجتها مع ارتفاع قيمتها التبادلية.

 

وتشير بعض التقديرات إلى أن استخدام الطاقة في عملية تعدين بيتكوين وحدها يزيد على استخدام دولة الأرجنتين بأكملها من الكهرباء، لكن من غير المرجح أن يكون قلق ماسك البيئي هو الدافع الرئيسي له، فهو مالك شركة "سبيس إكس"، الشركة التي ترغب في استخدام كميات هائلة من الوقود الحفري حتى يتمكن البشر من استعمار كوكب المريخ.

التفسير الأكثر ترجيحًا لموقف ماسك إزاء بيتكوين هو الطريقة التي تكون فيها قيمة العملات الرقمية عرضة لتقلبات هائلة نتيجة لأنماط الاستثمار.

انهيار

عندما انهارت أسواق الأسهم العالمية في مارس/آذار العام الماضي، هرب العديد من المستثمرين خوفا من أن وباء كورونا سيصيب بشدة معظم الشركات المدرجة في البورصات المالية.

ومع توقع هبوط الأرباح، كان من المؤكد أن تتراجع أسعار الأسهم هي الأخرى، لذلك كان على أصحاب الملايين التفكير في أماكن أخرى لتخزين أموالهم.

وكانت البنوك تقدم معدلات فائدة منخفضة للغاية، ومن غير المرجح أن تحقق السندات الحكومية عائدا مرتفعا بدرجة كافية، وانتهى المطاف ببعض هذه الأموال الفائضة في عملات مشفرة وساعدت في رفع أسعارها إلى ارتفاعات لم تكن معروفة من قبل.

فقد استغل الكثير من المستثمرين الصغار هذه الضجة واستثمروا مدخراتهم في بيتكوين ومنافسيها، بما في ذلك دوجكوين وإيثريوم، اعتقادا منهم أن قيمتها سترتفع فقط.

وأفادت المجلة بأنه بحلول شهر مارس/آذار الماضي، ارتفعت قيمة بيتكوين بحوالي 800 % على مدار العام، لكن على عكس معتقدات المبشرين بالعملة الرقمية، يتم التلاعب بقيمة بيتكوين ومنافسيها.

وتعاون رجل الأعمال البارز في مجال تكنولوجيا المعلومات مايكل سايلور مع ماسك لمحاولة جعل السوق مركزية، وتشكيل "مجلس تعدين بيتكوين" مع شركات تعدين العملات الرائدة، واستثمر إيلون ماسك أكثر من مليار جنيه إسترليني في بيتكوين. وهذا الاستثمار الضخم يسمح له بالتلاعب بالسوق بسهولة، ونقل الأموال من بيتكوين يؤدي إلى انخفاض قيمتها.

يُشار هنا إلى أن حوالي 40 % من العملات المشفرة مملوكة لمجموعة صغيرة من المستثمرين الأكثر ثراء.

وتعادل القيمة الإجمالية للعملات المشفرة الكبيرة أكثر من تريليون جنيه إسترليني، ويبدو هذا كأنه مبلغ ضخم من المال حتى تعرف أن السوق العالمية للأسهم، ناهيك عن العملات والسندات القابلة للتداول، بلغ إجمالي قيمتها 67 تريليون جنيه إسترليني،

وبعيدا عن كونها شكلاً أكثر ديمقراطية للتبادل والصرف يمكنه تجاوز الأقوياء، فقد أظهرت الأسابيع الأخيرة أن العملات المشفرة هي مجرد لعبة في أيدي الأثرياء.