هل تحل "البطاقات الذكية" مشكلة توزيع الخبز في مصر؟
هل تحل "البطاقات الذكية" مشكلة توزيع الخبز في مصر؟هل تحل "البطاقات الذكية" مشكلة توزيع الخبز في مصر؟

هل تحل "البطاقات الذكية" مشكلة توزيع الخبز في مصر؟

القاهرة - بفضل جهاز يشبه قارئ بطاقات الائتمان تشهد إحدى نواحي مصر ثورة في توزيع الخبز قد تساعد على تحقيق المستحيل وخفض تكاليف استيراد الغذاء الباهظة.



فقد لجأت الحكومة التي تحرص على تجنب اندلاع احتجاجات تتعلق بتوفير الخبز المدعم - الذي يباع بأقل من سنت أمريكي واحد للرغيف - إلى البطاقات الذكية لإدارة سلسلة توريد الخبز التي تعاني من الفساد والهدر ولم يجرؤ أحد على المساس بها على مدى عقود.

وإذا نجحت التجربة الأولى التي تجريها الحكومة في بورسعيد فقد تستخدم كنموذج لإصلاح نظام دعم الغذاء والوقود في أنحاء مصر.

وقال مسؤول في وزارة التنمية الإدارية يشارك في الإشراف على التجربة "المشروع ذو أهمية ملحة."

ومصر أكبر مستورد للقمح في العالم وتشتري نحو عشرة ملايين طن سنويا لتوفير الخبز المدعم وهو ما يستنفد احتياطيات العملة الصعبة.

وتنفق الحكومة نحو خمسة مليارات دولار سنويا على دعم الغذاء الذي يشمل سلعا أخرى مثل الأرز والزيت والسكر. وحين انخفضت قيمة الجنيه المصري منذ ديسمبر كانون الأول 2012 ارتفعت تكاليف الدعم لأن مصر تشتري جزءا كبيرا من تلك السلع الغذائية من الأسواق الدولية بالدولار.

ويعمل المتربحون على استغلال النظام ويقوم كثيرون باستخدام الخبز كطعام للمواشي لأنه أرخص من العلف.

لكن الحكومات المتعاقبة أحجمت عن تغيير ذلك النظام خشية الانتحار السياسي إذا أقدمت على خفض الدعم.

وشهدت مصر أعمال شغب حين خفض الرئيس أنور السادات دعم الخبز عام 1977 وواجه الرئيس حسني مبارك اضطرابات عام 2008 حين حدثت أزمة خبز بسبب ارتفاع الأسعار.

وحين انتفض المصريون على حكم مبارك قبل ثلاث سنوات كان الهتاف الأبرز "عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية". والعيش هو الاسم الذي يطلقه المصريون على الخبز.

وقبل أن يعزل الجيش الرئيس محمد مرسي في يوليو تموز الماضي كان مرسي وجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها قد بدأوا العمل على ضمان توصيل الخبز إلى المستحقين في خطوة تهدف لكسب التأييد الشعبي.

وبسبب غياب الثقة في الجهاز البيروقراطي للدولة اعتمدت إدارة مرسي على جمعيات إسلامية غير حكومية لإصلاح منظومة الخبز.

غير أنهم قرروا المجازفة والاعتماد على الأجهزة الحكومية في بورسعيد. ومرسي في السجن الآن لكن المشروع بدأ يؤتي ثماره.

وعند كشك معدني بسيط أمام أحد المخابز يتدلى قارئ للبطاقات الذكية على جدار تتوسطه نافذتان تفتحان على طابورين أحدهما للرجال والآخر للنساء. ويتوافر خط اتصال ساخن لتلقي الشكاوى من النظام الجديد.

ولم يكن من الممكن تصور ذلك المشهد قبل عام واحد.

يقول عادل حسن شاطر (63 عاما) الشريك في المخبز "كان هناك زحام .. كانت الناس تأتي من خارج بورسعيد لشراء الخبز الجيد بالجملة" في إشارة إلى السوق السوداء.

وتابع "الآن الأمور منظمة وهذا أفضل للجميع."

وبفضل النظام الجديد المعمول به منذ عام في بورسعيد التي يبلغ عدد سكانها 650 ألف نسمة تمكنت الحكومة من مراقبة الاستهلاك الشخصي للخبز من خلال البطاقات الإلكترونية التي بدأ العمل بها أيضا لسلع أخرى مدعمة مثل الأرز والسكر.

ويحق لحملة البطاقات الذكية الحصول على خمسة أرغفة لكل فرد في الأسرة يوميا وهو رقم يأمل المسؤولون في خفضه.

وتبذل الحكومة جهدا موازيا لإصدار بطاقات ذكية لأصحاب السيارات لمراقبة استهلاك الوقود لكن لم يبدأ تطبيقها بعد. وعلى غرار نظام بطاقات الخبز يهدف ذلك النظام أيضا إلى جمع بيانات يمكن أن تستخدمها الحكومة لوضع سياسات إصلاح الدعم.

ومن المتوقع أن يترشح قائد الجيش المشير عبد الفتاح السيسي - الذي عزل مرسي بعد احتجاجات حاشدة على حكمه - للرئاسة وأن يفوز بالانتخابات المقرر إجراؤها خلال أشهر.

وحتى إذا تمكن السيسي - الذي حظي بشعبية كبيرة بعد حملته ضد الإخوان المسلمين - من تنفيذ وعوده باستعادة الاستقرار السياسي فسيتعين عليه إدارة ملف الخبز الشائك.

وقد يقوم السيسي بتسليط الضوء على مشروع بورسعيد واستنساخه في مدن أخرى.

وقال صفوت عمار وكيل وزارة التموين في بورسعيد إن المشروع يعالج جذر المشكلة: عديمي الضمير من أصحاب المخابز.

لكن القضاء على الجشع لن يكون سهلا في بلد يستشري فيه الفساد.

ويقوم بعض أصحاب المخابز التي تنتج الخبز المدعم بالاستيلاء على الدقيق (الطحين) الذي توفره الحكومة وبيعه في السوق السوداء لتحقيق مكاسب طائلة.

وتقوم مخابز خاصة بعد ذلك بصنع الخبز من ذلك الدقيق وبيعه بأسعار ليست في متناول الفقراء.

ويتحايل أصحاب المخابز على السلطات منذ فترة طويلة لأن من الصعب الحصول على بيانات الاستهلاك.

ويقول صاحب مخبز في بورسعيد إنه يتعاون مع موظفي الحكومة المكلفين بالتحقق من البيانات المسجلة على قارئ البطاقات الذكية لتزويده بحصته اليومية من الدقيق. ويشعر الزبائن بالرضا على ما يبدو.

وقالت بسيمة (55 عاما) وهي موظفة حكومية "نحب النظام ونريد أن تكون الأمور منظمة حتى يتوفر الأمن ويحصل كل واحد على حصته."

وقدمت بسيمة بطاقة بلاستيكية خضراء للمخبز ثم أخذت حصتها من الخبز ووضعتها في حقيبة التسوق.

وقبل تطبيق البطاقات الذكية كان الخبز ينفد من المخبز بحلول الظهيرة.

وقالت بسيمة إن السبب في نقص الخبز ليس قلة المعروض بل أولئك الذين يسيئون استخدام النظام.

ولن تستطيع الحكومة التي تنقصها العملة الصعبة وتحتاج إلى استيراد الوقود مواصلة تمويل نظام الدعم في ظل عدم كفاءته.

وقال وزير التموين في الآونة الأخيرة إن تكاليف دعم الغذاء تصل إلى 35 مليار جنيه (5.03 مليار دولار) سنويا.

ومن المفاجئ أن نظام البطاقات الذكية في بورسعيد لم يلق احتجاجا من الزبائن أو مقاومة من أصحاب المخابز الذين كانوا يستفيدون من النظام القديم.

لكن سيكون تطبيق النظام في أنحاء البلاد مهمة عسيرة.

واعتبر البعض بورسعيد - المعروفة على مستوى البلاد بجودة خبزها - مكانا آمنا للتجربة. لكن يظل ذلك التقدم في المدينة إنجازا في نظر البعض.

وقال مجدي الحناوي وهو ضابط جيش سابق ساعد الحكومة على إطلاق نظام البطاقات الذكية لسلع أساسية أخرى في أنحاء البلاد "تغيير نظام دعم الخبز قرار صعب لكنه ممكن."

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com