ما سبب غيرة البيت الأبيض من ألمانيا؟
ما سبب غيرة البيت الأبيض من ألمانيا؟ما سبب غيرة البيت الأبيض من ألمانيا؟

ما سبب غيرة البيت الأبيض من ألمانيا؟



يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن ينقذ صناعة بلاده من قبضة العولمة، فالتجارة الدولية من وجهة نظره هي المنافسة، حيث تتكدس القواعد ضد الولايات المتحدة، وقد وعد أن فرص العمل والرخاء يكمنان في الطرف الآخر من طاولة المفاوضات، كما قال مؤخرًا لمجموعة من ممثلي النقابات "نحن في طريقنا لوقف الصفقات التجارية السخيفة التي أبعدت الجميع عن بلدنا".

وفي الأسبوع الماضي، تحوّل التركيز نحو ألمانيا حليفة الولايات المتحدة، التي يبدو أن إدارة ترامب ستعتبرها عدوة إلى حد ما، كما اتهم  بيتر نافارو، وهو مستشار تجاري كبير، ألمانيا باستخدام عملة غير مقومة بقيمتها الأصلية لاستغلال الولايات المتحدة، كما أنه قبل بضعة أيام، تحدث نافارو نفسه عن ألمانيا كنموذج قد تقوم الولايات المتحدة بمحاكاته.

استراتيجية متكررة

وقال في تصريح له لشبكة "سي إن بي سي": "نحن نتصور اقتصاد على غرار الاقتصاد الألماني حيث إن 20% من القوى العاملة لدينا تعمل بمجال الصناعة".
وبالنسبة لترامب، فإن الاستراتيجية المتكررة كانت تعمل على إظهار شركاء أمريكا التجاريين كغشاشين وسارقين، لكن من الصعب ضم ألمانيا لهذا الوصف، حيث إن ضعف اليورو هو ظاهرة حديثة نسبيًا، الأمر الذي لا يفسر كيفية تمكن القطاع الصناعي الألماني من مناورة العولمة خلال الخمسة عشر سنة الماضية مع هذه النعمة المذهلة.

وكنتيجة لدراسة جديدة قام بها  مجموعة من الاقتصاديين، فولفغانغ دوث وسباستيان فينديسن وجينس سويدكام، فإن عمال المصانع الألمانية استفادوا من زيادة الحجم التجاري والمنافسة في بداية القرن الواحد والعشرين. وعلى الرغم من أن مراكز التصنيع الناشئة في أوروبا الشرقية والصين أضرت ببعض القطاعات الصناعية مثل لعب الأطفال والملابس، فإن الألمان قاموا بأكثر من ذلك عن طريق زيادة صادراتهم في القطاعات الأخرى وخاصة قطاع صناعة السيارات والآلات.

بطبيعة الحال، معدل التوظيف في المجال الصناعي منخفض على مدى طويل في كل من الولايات المتحدة وألمانيا بسبب الاتجاه نحو استخدام الروبوتات وليس العولمة.
ويقول الباحثون، إن التجارة زادت من تسارع فقدان الوظائف في الولايات المتحدة خلال بداية القرن الواحد والعشرين، في حين ساعدت في الإبقاء على الوظائف في ألمانيا ضد ظهور الأوتوماتيّة أو الروبوتات.

تحذيرات ترامب

كانت ألمانيا قادرة على حماية أعمالها في القطاع الصناعي عن طريق الانحناء أمام الاقتصاد العالمي وليس الانكماش بعيدًا عنه، وذلك على النقيض تمامًا مما تفعله استراتيجية البيت الأبيض الحالية، في حين يهدد الرئيس ترامب بفرض رسوم مرتفعة وحذر قائلًا "إذا أرادت الشركات القيام بأعمال في بلدنا سيتوجب عليها جعل هذه الأعمال داخل البلد مرة أخرى".

وحذر ترامب أيضًا الشركات من الانتقال إلى خارج الولايات المتحدة، كما اقترحت الإدارة مؤخرًا بأن فرض ضريبة بقيمة 20 % على الواردات من شأنه أن يساعد على دفع ثمن جدار ترامب الحدودي مع المكسيك، في حين يعتقد كثير من الاقتصاديين أن مثل هذه الأعمال الحمائية ستسبب الألم للمستهلكين الأمريكيين وليس لمعدل الوظائف، كما أن التجربة الألمانية تعلمنا أن هناك بدائل.

وبدلًا من توجيه أصابع الاتهام نحو الصين، قامت الشركات الألمانية بأفضل من ذلك، لكن بعض التفاصيل في القصة الألمانية سيكون من الصعب تكرارها في الولايات المتحدة، حيث استفادت ألمانيا في السنوات الأخيرة من أسعار الصرف المواتية نسبيًا والناتجة عن ضعف الاقتصاد في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، والتي تشاركها العملة، كما كانت محظوظة جدًا بالنسبة للمجالات التصنيعية التي تخصصت فيها.

فعلى سبيل المثال كانت صناعة الآلات الألمانية مساهمًا كبيرًا في نجاحها. يقول ويلي شيه، الأستاذ في كلية هارفارد للأعمال، والذي يدرس الصناعة العالمية: "إذا كانت الصين هي ورشة عمل العالم فإن ألمانيا هي من بنت ورشة عمل العالم، حيث تصنع ألمانيا كل الآلات التي تقوم عليها المصانع الصينية، فالروبوتات وأنظمة التشغيل الآلي وأجهزة التحكم القابلة للبرمجة كلها مصدرة من ألمانيا، وإذا ذهبت إلى مصنع لصهر الحديد في الولايات المتحدة ستجد الآلات الألمانية، وإذا ذهبت إلى مصنع للصلب في الصين ستجد بعضًا من نفس الآلات".

الدرس الأكبر
الدرس الأكبر، هو أن ألمانيا تمكنت من إيجاد سوق تنافسي مناسب، فالسيارات التي تعد من أكبر الصادرات لألمانيا تواجه سوقًا أكثر ازدحامًا من ذلك بكثير، ولكن العلامات التجارية مثل بي إم دبليو ومرسيدس بنز لا تزال قادرة على النمو من خلال سمعتها الهندسية الرفيعة.
ويقول مارتن بيلي، وهو زميل بارز في معهد بروكينغز: إن ألمانيا تنتج منتجات تتمتع بوضعية فريدة من نوعها في الأسواق ليس لأنها الأرخص، ولكن لكونها متخصصة نسبيًا وذات جودة عالية.

ويساعد تركيز ألمانيا على الصادرات التي لها قدرة تنافسية عالية في تفسير كيفية حفاظها على حصتها في سوق التصنيع العالمية، حتى في ظل تحوّل قدر كبير من الإنتاج العالمي لدول مثل الصين، ولكنه لا يفسر تمامًا لماذا حافظت ألمانيا على الكثير من الوظائف في مجال التصنيع؟ ولذلك يشير الاقتصاديون إلى عدد من العوامل الأخرى تتضمن ثقافة قوية من التعاون بين الحكومة والشركات والنقابات، وكذلك الاستثمارات في تدريب العاملين، وهذا هو الدرس الآخر الذي يمكن أن تتعلمه واشنطن من ألمانيا، وهو أن اللوم على فقدان بعض الوظائف يقع على خياراتنا الشخصية.

وبدلًا من خفض عدد الوظائف، حاولت الشركات الألمانية إيجاد سبل أخرى لإبقائها من خلال الاستثمار المستمر في تقنيات صناعية جديدة، وكذلك رفع مستوى مهارات العاملين.

بحث وتطوير

وما سمحت به العولمة للشركات الأمريكية، هو التركيز على أجزاء من سلسلة الإنتاج التي تجيدها الولايات المتحدة في المقام الأول، من مرحلة البحث والتطوير ومرحلة التسويق والاستخدام الكثيف لرأس المال في الإنتاج. وبالنسبة للمهندسين الأمريكيين كان هذا التغيير رائعًا، بينما لم يكن جيدًا بما فيه الكفاية لعمال التصنيع من خريجي الجامعات، وذلك وفقًا لما قاله جوردون هانسون، أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو.

ومن الأمثلة على ذلك منتج الــ "آي فون" والذي تم تسويقه وتصميمه من قبل شركة "أبل"، والذي يحتوي على أجزاء مصنعة في مجموعة متنوعة من الدول، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتم تجميعها في الصين، وهذه الخطوة الأخيرة هي الأقل ربحًا.

ووفقًا لشركة "أي إتش إس" للأبحاث يتكلف جهاز "  iPhone 6s " حوالي 4.50 دولار أي أقل من واحد على عشرة في المئة من سعر الهاتف المباع بالتجزئة، فالقيمة الحقيقية للجهاز ليست في تجميعه وإنما في الرقائق الإلكترونية والبطارية والشاشة، والأهم من أعمال التصميم التي يقوم بها مهندسو الشركة في كاليفورنيا.
وانتقال خطوات التجميع هذه إلى الولايات المتحدة لن يجلب الكثير من المنافع، والأكثر احتمالية للحدوث هو أنه إذا أجبر ترامب شركة أبل على صنع هاتفها داخل الولايات المتحدة فإن الشركة ستجد طريقة لتجهيز خطوط إنتاجها بالروبوتات، ولهذا السبب فإن أي خطة لزيادة فرص العمل في الولايات المتحدة غير مرجح نجاحها، بل إن هذا الأمر قد يبدو مستحيلًا.

 

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com