18 قتيلاً وعشرات الجرحى في قصف على مدرسة تؤوي نازحين في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة
بعد نحو سنتين ونصف من الحرب الروسية في أوكرانيا، تبدو برلين منهمكة بمراجعة سياساتها حيال الدعم السخي واللامحدود لكييف، والتي يصح وصفها بـ"سياسة شيك على بياض".
ومع بقاء موازين القوى على أرض المعركة متأرجحة بين كييف وموسكو، دون بوادر حسم في الأفق المنظور، راحت دول الغرب تراجع جدوى سياساتها في دعم كييف، ومعاداة موسكو، وتفكر في حلول أخرى ناجعة، غير "العسكرة".
وتأتي في مقدمة هذه الدول، بالطبع، ألمانيا، التي تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية دعم كييف.
ومنذ بدء الحرب قدمت ألمانيا دعمًا لأوكرانيا بقيمة حوالي 23 مليار يورو، شمل أسلحة، ومدفوعات مالية مباشرة، ومساعدات إنسانية.
ومن المقرر أن يبلغ مقدار الدعم الذي ستتلقاه كييف من برلين هذا العام ثمانية مليارات يورو.
وأولى المؤشرات على خفوت هذا الزخم الألماني هو ما ورد في مشروع موازنة ألمانيا للعام 2025، إذ نص على خفض مساعداتها العسكرية لأوكرانيا إلى النصف، أي إلى أربعة مليارات يورو، وهو رقم لا يزال ضخمًا، لكنه ينطوي على تغيير في المزاج السياسي الألماني حيال أوكرانيا.
ووفقًا لخبراء، فإن السر وراء هذه الانعطافة الألمانية هو الاقتصاد، ذلك أن ألمانيا كانت من أكثر الدول تضررًا من الحرب بعد أن فقدت الغاز الروسي الذي كان يصل إلى الأراضي الألمانية بـ"أبخس الأثمان" لتشغيل منشآتها ومصانعها الضخمة.
اضطرت ألمانيا بعد الحرب الأوكرانية إلى بذل جهود لتعويض الغاز الروسي الرخيص، وهو ما كبد خزينة الدولة مبالغ إضافية ضخمة، فضلًا عن مبالغ الدعم لأوكرانيا، وكل ذلك انعكس سلبًا على أسعار السلع، وعلى الوضع الاقتصادي الألماني عمومًا، بحسب خبراء.
ويرى الخبراء أن هذا التراجع النسبي عن دعم كييف نابع من رغبة الحكومة الألمانية في تحقيق وفر اقتصادي للألمان الذين بدأوا يشكون من تردي الوضع المعيشي.
ووفقًا لتقرير بثته "دويتشه فيله"، فإن برلين ستتراجع عن الدعم بشكل تدريجي، إذ تخطط لتقديم دعم أقصاه ثلاثة مليارات يورو عام 2026، وأكثر قليلًا من نصف مليار يورو سنويًا لعامي 2027 و2028.
شرق ألمانيا
في شرق ألمانيا، ترتفع الأصوات بوضوح أكبر للجم الاندفاع الألماني، كما هو الحال في ولايات ساكسونيا وتورينغن، وبراندنبورغ التي تستعد لإجراء انتخابات محلية مع حضور قوي لموضوع الدعم لأوكرانيا في الحملات الانتخابية.
ولا يخفي الكثير من السكان في شرق ألمانيا، التي كانت إبان الحرب الباردة موالية للاتحاد السوفييتي السابق ولعقيدته الشيوعية، دعمهم للتفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدلا من هذا السخاء نحو كييف.
ومن المقرر أن تجرى في الولايات الثلاث انتخابات المجالس التشريعية في غضون أسابيع قليلة، فيما تحتل أوكرانيا صدارة المشهد هناك.
وينظر خبراء إلى الانتخابات المحلية في شرق ألمانيا على أنها تصويت، كذلك، على قضية الدعم لأوكرانيا، وعلى مسألة التفاوض مع بوتين.
وفي هذا السياق، طالب رئيس وزراء ولاية ساكسونيا ميشائيل كريتشمر (من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي) بخفض المساعدات العسكرية لأوكرانيا في ظل ميزانية الحكومة الفيدرالية، ودعا إلى مبادرات دبلوماسية لحل النزاع في أوكرانيا.
ونقل الإعلام الألماني عن كريتشمر قوله: "أدعو مرة أخرى إلى تعزيز الجهود الدبلوماسية. نحن بحاجة إلى تحالفات، على سبيل المثال مع الصين والهند، التي يمكنها الضغط على بوتين ليكون مستعدًا لوقف إطلاق النار".
إلى ذلك، أفاد استطلاع لمعهد أبحاث الرأي "فورزا" بأن 34% من المستطلعة آراؤهم في شرق ألمانيا يعتقدون أن بلادهم تفعل أكثر مما ينبغي لدعم أوكرانيا".
ومن المعروف أن هناك أحزابًا ترفع صوتها عاليًا، وتعارض بشدة إرسال الأسلحة لكييف، وتدعو للتفاوض مع روسيا، ومن أبرزها الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا"، وكذلك حزب "تحالف سارة فاغنكنيشت"، اليساري الذي تأسس حديثًا.
ويمكن إدراج مذكرة الاعتقال التي أصدرتها ألمانيا، الأربعاء الفائت، بحق مدرب غوص أوكراني يعتقد أنه كان ضمن فريق نفذ تفجير خطوط أنابيب نورد ستريم للغاز، ضمن المزاج الألماني العام في الابتعاد شيئًا فشيئًا عن كييف.
ويرى خبراء أن مذكرة الاعتقال هي اعتراف ضمني بأن لأوكرانيا دورًا في تفجير "نورد ستريم" الذي يكتنفه الغموض.