كيف خسرت الولايات المتحدة السيطرة على سوق المعادن النادرة؟
كيف خسرت الولايات المتحدة السيطرة على سوق المعادن النادرة؟كيف خسرت الولايات المتحدة السيطرة على سوق المعادن النادرة؟

كيف خسرت الولايات المتحدة السيطرة على سوق المعادن النادرة؟

أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهاية سبتمبر أمراً تنفيذياً يدعو الجميع للعمل على إنهاء احتكار الصين لمعادن الأرض النادرة والمستخدمة في العديد من الأجهزة ذات التقنية العالية.

وأدت هيمنة الصين على هذه الموارد إلى نقل صناعات أمريكية بأكملها مثل التصوير الطبي، والتكنولوجيات، وفرص العمل إلى الصين، وأضعفت سلسلة التوريد في صناعة الدفاع الأمريكية.

ولم تهيمن الصين على صناعة المعادن النادرة منذ البداية، وفي الواقع حتى عام 1980، كان 99% من المعادن النادرة الثقيلة في العالم منتجا ثانويا لعمليات التعدين الأمريكية التي تنتج التيتانيوم والزركون والفوسفات.

ويعود الفضل في هيمنة الصين على الأمر لتغييرات في اللوائح الأمريكية، والنقل الطوعي للخبرات والملكية الفكرية، وضعف السياسة الصناعية.

ووفقا لمجلة "فورين بوليسي"، تكشف قصة تسليم الولايات المتحدة وغيرها صناعة التكنولوجيا الإلكترونية للصين عن الطرق التي قد تعيد بها البلاد الاعتماد على الذات.



وبدأ سقوط هيمنة الولايات المتحدة على صناعة المعادن النادرة في عام 1980، عندما قامت اللجنة التنظيمية النووية الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية بتعديل تعريفها للمواد المحظورة لعلاقتها بالتخصيب النووي (المواد التي تحتوي على اليورانيوم أو الثوريوم).

وفي السابق، لم تكن المعادن النادرة الثقيلة تعتبر بين تلك المواد، ما يعني أنه كان من الممكن بيعها بسهولة ومعالجتها في مواد عالية القيمة، ولكن بموجب التعريف المعدل، تم وضعها فجأة تحت قواعد مسؤولية الترخيص والتنظيم والتصرف.

ونظراً للتكلفة والمسؤولية الإضافية، توقفت الشركات الأمريكية عن إنتاجها وتكريرها في نهاية المطاف في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وفي حين لم تكن الصين مقيدة بلوائح الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لأنها ليست سوى مراقب للوكالة، وليست عضواً فيها، تمكنت من التدخل لتحل محل الولايات المتحدة في إنتاج ومعالجة المعادن النادرة.

وأدى ذلك إلى نقل التكنولوجيا المعتمدة على المعادن النادرة من الغرب إلى الصين، وفي حين كانت الولايات المتحدة ودول الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخرى مشغولة بالحد من قدرتها على إنتاج المعادن النادرة في الثمانينيات، منح الكونغرس الأمريكي الصين مكانة المركز التجاري الأكثر تفضيلاً، ما فتح الباب أمام تبادل السلع والمعرفة والتكنولوجيا بين البلدين.

وعلى مر السنين، نقلت الشركات الأمريكية واليابانية والفرنسية ملكيتها الفكرية في مجال التكرير والتكنولوجيات المعدنية إلى الصين، وحصلت في المقابل على تكاليف إنتاج أقل، نتيجة للعمالة الرخيصة، والتراخي في التنظيم البيئي، والدعم السخي الذي تقدمه الحكومة الصينية، ومن ثم أخذت الصين تلك التكنولوجيا، وطورتها.

وكانت الولايات المتحدة أول دولة تتقدم ببراءة اختراع دولية للمعادن النادرة في الخمسينيات، ولم تظهر أول براءة اختراع في الصين حتى عام 1983، ولكنها عوضت الوقت الضائع بإنشاء 5 مختبرات وطنية ذات تمويل جيد تعمل على تطوير المعادن النادرة، عملت في إطار سلسلة من مبادرات السياسة الصناعية الوطنية، في حين تمتلك الولايات المتحدة مختبرا وطنيا واحدا فقط، ويعمل على الابتكارات المرتبطة بالمعادن النادرة بشكل متقطع.

وسرعان ما تجاوزت الصين الولايات المتحدة في عدد براءات الاختراع الميدانية بحلول عام 1997، وبحلول عام 2021، تشير التقديرات إلى أن الصين ستكون قد جمعت براءات اختراع أكثر من الولايات المتحدة وبقية دول العالم مجتمعة.

وتمكنت الصين من تكييف سياستها الصناعية لتحويل التركيز إلى الطرف الأعلى لسلسلة القيمة في مجال المعادن النادرة، حيث تنتج الصين أو تسيطر على أكثر من 70 % من المعادن النادرة في العالم، وتكرر أكثر من 80 % من جميع المعادن النادرة المحولة إلى أكاسيد مختلطة وتفصل أكثر من 90 % من جميع المعادن النادرة المحولة لعناصر فردية.



وتنتج الصين والشركات التي تسيطر عليها الصين أكثر من 99% مما يسمى بالمعادن النادرة الجديدة، والتي يتم إنتاجها من الخامات البكر.

ومع تركز القيمة الاقتصادية للمعادن النادرة على إنتاج المعادن والسبائك والمغناطيس، وهي المواد التي تدخل في صناعة التكنولوجيا الحديثة، تتطلع الصين الآن إلى بلدان أخرى، بما في ذلك ميانمار وفيتنام وبوروندي والولايات المتحدة، للقيام بأعمال التعدين نيابة عنها، وهي استراتيجية جديدة تحمي البيئة في الصين، وتحافظ على مواردها، وتخلق بيئة تنافسية عالية السعر بين مورديها.

وعلى عكس التحركات السريعة للصين في مجال المعادن النادرة، لم تمتلك الولايات المتحدة القدرات الأساسية لإنتاج المعادن النادرة منذ أكثر من عقد من الزمان، وبالمثل، أنهت اليابان إنتاجها للمعادن النادرة في عام 2018.

وسمحت سيطرة الصين على هذه الصناعة للبلاد بإجبار شركات التكنولوجيا الأجنبية على نقل الملكية الفكرية وعمليات التصنيع إلى الصين. وبموجب قانون غامض للمواد الحرجة، تستخدم المعادن النادرة الصينية في صناعة الدفاع الأمريكية على مدى 15 عاما الماضية.

وقد عرّف القانون، الذي كان يهدف إلى ضمان الإنتاج المحلي للمواد الحيوية، تلك المواد بأنها مغناطيس وسبائك، ولكن حتى المغناطيس والسبائك الأمريكية الصنع تستخدم المعادن النادرة الصينية، ما يعني أن الجيش الأمريكي لا يزال يعتمد اعتماداً كلياً على الصين في بناء أنظمة أسلحته.

واتخذت إدارة ترامب الخطوات الحقيقية الأولى لتصحيح المشكلة في عام 2019، بدءاً بتعديله لقانون الإنتاج الدفاعي لعام 1950، ونتيجة لذلك التعديل، أعادت وزارة الداخلية، بالتنسيق مع وكالات أخرى، تعريف المواد الحيوية إلى سابق عهدها، ما أجبر البنتاغون على البحث عن بدائل لاستخدام المعادن النادرة الصينية بشكل مباشر أو غير مباشر داخل صناعة الدفاع الأمريكية.



وفي الآونة الأخيرة، أصدرت الإدارة أمرا تنفيذيا جديدا للتعجيل بالسياسة العامة التي تركز على المعادن النادرة والمعادن الحرجة الأخرى، وفي الوقت نفسه، كان هناك العديد من الجهود التشريعية من البنتاغون ووزارة الطاقة لتعزيز الاستثمار في القدرات المحلية.

وتشمل هذه الخطط تقديم الدعم وضخ التمويل في عمليات البحث والتطوير في القطاع الخاص، ولم يبدأ هذا التدافع إلى العمل إلا بعد عقد من فشل الاستثمار الخاص الذي كان يهدف لتحدي احتكار الصين. وبعد فشل أكثر من 400 شركة ناشئة في مجال المعادن النادرة منذ عام 2010، بدأت واشنطن أخيراً في البحث عن طرق لتحقيق التوازن في المنافسة غير المتكافئة.

وكان أحد الاقتراحات الأخيرة في الكونغرس - وهو تشريع "Onshoring The Rare Earth Act" الذي قدمه السناتور الجمهوري تيد كروز من ولاية تكساس هذا الربيع - يقترح أن الولايات المتحدة يمكنها أن تشق طريقها للخروج من هذه المشكلة من خلال تقديم إعانات ضخمة موجهة إلى صانعي المعادن والمغناطيس المحليين.

لكن استخدام الإعانات بهذه الطريقة سوف يترجم إلى فوضى في مجال التعدين والتكرير، لأن عمال المناجم سيخضعون لقوة التسعير العالمية الصينية، حيث يمكن أن تنتشر عمليات التهرب من القواعد البيئية والتهرب من الالتزامات عن طريق إشهار الإفلاس بعد تلقي المعونات.

ومن شأن الإعانات لعمال المناجم والمصافي أن تؤدي إلى مزيد من أوجه القصور وتشوهات في التسعير، كما أن القانون لا يملك جواباً للتعامل مع التلاعب بالأسعار الصينية وغيرها من المنتجين الجدد المنخفضي التكلفة في المنطقة الآسيوية والأفريقية.

وكان هناك قانون " REE-Coop 21st Century Manufacturing Act"، الذي طرحه السيناتور الجمهوري ماركو روبيو في العام الماضي، والذي يقترح أن تبدأ الولايات المتحدة في استخدام المعادن النادرة العالية القيمة، التي كانت تاريخياً منتجاً ثانوياً للعديد من السلع الأخرى، والتي يجري التخلص منها حالياً كجزء من التغيير التنظيمي لعام 1980، على أن يتم إرسال هذه الموارد إلى منشأة خاصة لإنتاج المعادن النادرة لصالح الولايات المتحدة وغيرها من شركات التكنولوجيا التي تستخدم المعادن النادرة، ويمكن لهذه المنشآت أن تستفيد من استخدام المنتجات الثانوية للتعدين المنخفضة التكلفة.

ويشير تاريخ تمويل المشاريع الخاصة التي تحتاج إلى دعم للاستمرار إلى أن اقتراح روبيو قد يكون الأفضل، خاصة أنه يعالج أحد الأسباب الأساسية لخسارة الولايات المتحدة هيمنتها على الصناعة، وبهذه الطريقة، قد تعيد الخطة الولايات المتحدة إلى المسار الصحيح.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com