يستعد البرلمان التونسي لمناقشة قانون المالية ومشروع موازنة 2021، في ظل وضع اقتصادي ومالي حرج، أثار حالة إرباك اقتصادي واجتماعي وغابت معه الحلول والخيارات، ما بات ينذر بانهيار اقتصادي ومالي، وفق خبراء.
وأعلنت الحكومة التونسية مساء الخميس بدء ضبط الخطوط الكبرى لمشروع قانون المالية، وسط إقرار بصعوبة الوضع وخطورته لا سيما مع تفشي فيروس كورونا بشكل كبير، ومع استمرار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها المؤسسات، والتي عمقها انتشار الوباء.
وأكد رئيس الحكومة التونسي هشام المشيشي خلال جلسة عمل بقصر الحكومة حول تقدم إعداد مشروع موازنة الدولة، "ضرورة أن يكون مشروع الموازنة قائما على الشفافية ومصارحة الشعب بحقيقة الأوضاع المالية للدولة، ومكرسا لمبدأي تحسين القدرة الشرائية للمواطن، وتدعيم القدرة التنافسية للاقتصاد التونسي"، وفق بيان لرئاسة الحكومة.
وسيكون آخر أجل لتقديم مشروع قانون المالية لسنة 2021، يوم 15 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. ويتولى مجلس الوزراء إعداد المشروع وتقسيم أبواب الموازنة وتحديد مجالات الإنفاق وتحديد الأولويات، قبل عرض المشروع على البرلمان للمصادقة.
ويستأنف البرلمان دورته البرلمانية للعام الجديد مطلع تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، وسيكون مشروع موازنة الدولة وقانون المالية لسنة 2021 أبرز الرهانات التي تنتظر البرلمان في المرحلة المقبلة، بحسب مراقبين.
وأكد الخبير في الشأن الاقتصادي محسن العباسي، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن "السياق العام الذي يتم فيه إعداد مشروع الموازنة يعتبر من أدق المراحل التي تمر بها تونس في العشرية الأخيرة"، موضحا أن "المشاكل تتفاقم والمؤشرات الاقتصادية تزداد سوءا ما يدفع الحكومة إلى إكراهات في التصرف في الموازنة وفي الإنفاق العام".
وأشار العباسي إلى أن الحكومة السابقة "أصدرت منذ أيار/ مايو الماضي بالجريدة الرسمية للبلاد، منشورا حول إعداد موازنة الدولة، آخذة في الاعتبار دقة المرحلة وشح الموارد، ونص المنشور على عدم إقرار انتدابات جديدة في القطاع العام باستثناء بعض الاحتصاصات الملحة والضغط على المصاريف واعتماد سياسة التقشف، ما قد يعمق من الأزمة الاجتماعية ويزيد من نسب البطالة".
مؤشر إيجابي
من جانبه، علق الخبير الاقتصادي سالم بن عيسى، قائلا إن "دعوة المشيشي إلى الشفافية والمصارحة بحقيقة الوضع وفقا للأرقام الحقيقية، مؤشر إيجابي على أن هناك توجها للتعاطي مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي بواقعية وتحميل كل طرف مسؤوليته من أجل تعبئة موارد الموازنة من مصادرها والتوجه نحو إصلاح حقيقي للنظام الضريبي بما يخفف كاهل المواطنين من تحمل تبعات العجز المتفاقم في الموازنة".
وأضاف بن عيسى في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن "المصارحة بحقيقة الوضع تخفف من وطأة الصدمة على الشعب التونسي الذي لم يعد يتحمل تبعات أخطاء السياسيين وتوجهاتهم وسياساتهم المالية التي أغرقت البلاد بالديون وفاقمت من نسبة المديونية إلى مستويات غير مسبوقة، غير أن ذلك لا يكفي بل يجب أن ترافقه إجراءات عاجلة وملموسة لتحسين القدرة الشرائية للمواطن والحد من غلاء المعيشة".
اعتبارات داخلية وخارجية
وحذر المحلل السياسي المنصف المالكي من أن "إعداد قانون المالية والموازنة العامة للدولة مرتبط باعتبارات داخلية وخارجية، وأن هناك إكراهات من جانب المؤسسات المالية التي تفرض شروطها وضوابطها وباتت في كل مرة تلمح إلى الحد من الدعم المالي لتونس في غياب نسب نمو معتبرة ومتفق عليها مسبقا".
وأوضح المالكي أن "نسبة النمو في تونس لا تزال سلبية، وزاد تفشي وباء كورونا من تعميق الأزمة حتى أن أكثر المتفائلين لا يرى أفقا لتجاوز نسبة -1% في أحسن الحالات بنهاية العام القادم، علما أن الفترة التي تلت شهرين من الحجر الصحي الشامل تدهورت فيها نسبة النمو إلى ما دون -5%".
وحذر المالكي من أن "موازنة العام الجديد ستقوم كسابقاتها على مبدأ الاقتراض داخليا وخارجيا والزيادة في الأداءات والترفيع في أسعار بعض المواد ما يعني أن المواطن العادي هو الذي سيتحمل وزر هذه الإجراءات وأن لا شيء سيتغير في الفلسفة العامة لإعداد الموازنة".
وأشار إلى أن "الخطر يكمن أيضا في رفض البرلمان مشروع الموازنة لا سيما في غياب حزام سياسي قوي وداعم لرئيس الحكومة، ما قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على المستوى المالي"، بحسب تعبيره.