تأخر الرواتب يعمق الجراح المعيشية لموظفي السلطة الفلسطينية
تأخر الرواتب يعمق الجراح المعيشية لموظفي السلطة الفلسطينيةتأخر الرواتب يعمق الجراح المعيشية لموظفي السلطة الفلسطينية

تأخر الرواتب يعمق الجراح المعيشية لموظفي السلطة الفلسطينية

تسود أجواء من القلق والترقب بين صفوف موظفي السلطة الفلسطينية، لعدم صرف الحكومة رواتبهم عن شهر أيار/مايو المنصرم، في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها؛ ما أثار استياء موظفي السلطة وخصوصا في قطاع غزة.

وتمر السلطة الفلسطينية في أزمة مالية خانقة لرفضها تسلم أموال المقاصة من السلطات الإسرائيلية، بعد قرارها بأنها في حلّ مِن جميع الاتفاقيات ردا على خطوة الضم؛ ما أدى إلى عدم صرف الحكومة الفلسطينية رواتب موظفيها لشهر أيار/ مايو.

قلق موظفي السلطة

وعبر المواطن الفسطيني أبو محمد مطر -البالغ 39 عاما، ويقطن في بيت لاهيا شمال القطاع، ويعمل موظفا عسكريا في السلطة- عن استيائه لعدم صرف راتبه الذي ينتظره وعائلته بداية كل شهر، مشيرا إلى أن تأخر الراتب زاد الوضع الاقتصادي في بيته سوءا.

ويقول مطر لـ"إرم نيوز"، إن تأخير صرف الراتب زاد من مديونيته في البقالة، بالإضافة إلى عدم سد احتياجات ومتطلبات أسرته وبيته الأساسية.

وأضاف أنه بالرغم من أن راتبه لا يتعدى الـ1200 شيقل إسرائيلي (ما يقارب الـ300 دولار أمريكي) بعد الخصومات التي أقرتها الحكومة الفلسطينية على موظفيها في قطاع غزة، إلا أنه أكد أن هذا الراتب يسد شيئا مِن احتياجات العائلة.



المواطن أبو أحمد دياب من وسط قطاع غزة موظف -أيضا- لدى السلطة، يوافق سابقه بالرأي، بأن تأخر الراتب هذا الشهر "زاد الطين بلة" على وضع عائلته، ويقول إن "بيته الآن خال من مستلزمات الحياة، وإنه يستدين المواد الغذائية الضرورية من السوبر ماركت بشكل يومي وعند الحاجة فقط ".

وبحسب ما قاله دياب لمراسل "إرم نيوز"، فإن مديونيته زادت هذا الشهر كثيرا لعدم صرف راتبه الشهر الماضي، مضيفا أنه "يخشى أن يطلب أحد أطفاله مصروفا منه، لعدم قدرته على تلبية طلبه".

ويضيف: "أنا أعيل 5 أطفال أكبرهم عمره 12 عاما، هؤلاء ومنذ أزمة الراتب لم أستطع أن أعطيهم مصروفهم اليومي، وفقط أستدين من السوبر ماركت المجاور الحاجات الضرورية".



أما أبو خالد عمشة الموظف المتقاعد لدى السلطة الفلسطينية، فعبر عن خشيته من أن تطول أزمة رواتب السلطة، "لأنه في حال طالت هذه الأزمة فهذا يعني أن الراتب لن يصرف لنا، وأنا أعتمد كليا على راتبي الذي أتقاضاه كمتقاعد من السلطة".

ويشير في حديث لـ"إرم نيوز"، إلى أنه المعيل الوحيد لعائلته ولأمه التي تسكن معه، وأن راتبه هو مصدر الدخل الوحيد لأسرته، لافتا إلى أنه في حال تأخر صرف الراتب أكثر من ذلك، فإن الأمر سيصل به إلى "مرحلة معقدة".

وطالب عمشة السلطة الفلسطينية بالكشف عن آخر مستجدات الأزمة، وإلى أين وصلت أحوالها، لأنه على حد قوله فإن "السلطة حتى الآن لم تخرج بتطمينات حول أزمتها؛ ما يجعلنا نعيش في حالة قلق كبيرة".

ويعيش موظفو السلطة الفلسطينية في قطاع غزة أزمة عدم استقرار وظيفي، جراء اختلاف نسب صرف رواتبهم الشهرية، وعدم مساواتها برواتب نظرائهم في الضفة الغربية.



وكان رئيس الحكومة في رام الله، محمد اشتية، أقر منذ تسلم مهامه في نيسان/ أبريل الماضي، مبدأ توحيد نسب صرف الرواتب، ووقف التمييز ضد موظفي قطاع غزة، إلا أن هذا القرار لم يطبق حتى هذه اللحظة.

وتشكل فاتورة الرواتب ما نسبته 53% من إجمالي النفقات الفلسطينية، وطالب صندوق النقد الدولي في أكثر من مناسبة، السلطة الفلسطينية، بضرورة ضبط النفقات عبر منع تضخم فاتورة الأجور التي تشكل أكثر من نصف نفقات الحكومة.

ووفقا للبنك الدولي فإن دعم موازنة السلطة الفلسطينية لهذا العام هو الأدنى منذ عقدين.

لا انفراجات للأزمة

في السياق، قال وزير التنمية الاجتماعية في الحكومة الفلسطينية، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، إنه "من المبكر الحديث عن انفراجات قد تؤدي إلى معالجة أزمة السلطة المالية، خصوصا أنها تتزامن من الأزمة السياسية وتراجع أداء الاقتصاد الفلسطيني بفعل جائحة كورونا".

وأضاف مجدلاني في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن "توقف استلام السلطة لأموال المقاصة التي كانت تشكل نحو 68% من ايرادات الخزينة الفلسطينية العامة، أثر على الوفاء بالتزامات الحكومة الفلسطينية تجاه العديد من القضايا، أهمها عدم صرف رواتب الموظفين؛ ما كان له تأثير كبير على الحياة الاقتصادية في البلاد".

وأوضح أن "جزءا من الأزمة له علاقة بالجائحة وجزءا آخر له علاقة بالقرار السياسي الذي اتخذته القيادة الفلسطينية بوقف العمل والتحلل من الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، كرد على خطوة الضم"، لافتا إلى أن "الأزمة السياسية الراهنة غير واضحة المعالم حاليا".

وتابع: "نحن في خضم معركة سياسية قد تطول على الأقل حتى نهاية العام الجاري، وسنرى إلامَ ستؤول الأمور والتطورات السياسية المقبلة".

ووفق المسؤول الفلسطيني، فإن الناتج القومي الإجمالي الفلسطيني تراجع تراجعا كبيرا هذا العام، بنحو 10% حتى اللحظة الراهنة، متوقعا أن يتراجع -أيضا- 10% في نهاية العام الحالي؛ إذا ما استمرت الظروف على ما هي عليه الآن، وهذا ما يؤدي إلى ازدياد العجز في الموازنة الفلسطينية العامة.



وأعلنت الحكومة الفلسطينية بداية شهر مارس الماضي، فرض حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية بسبب جائحة كورونا؛ ما رفع فاتورة المصروفات وقلص الإيرادات، وأحدث بالمحصّلة خللا في الميزانية الحكومية.

من جهته، أكد الناطق باسم الحكومة الفلسطينية، إبراهيم ملحم، أنه "لم يطرأ أي جديد بشأن صرف رواتب موظفي السلطة الفلسطينية"، موضحا أنه سيتم الإعلان عن تفاصيل الرواتب حال توافر الأموال.

وقال ملحم خلال مؤتمر صحفي عقد يوم الأحد، في رام الله، إن "وزير المالية يدرس الأمر بجدية، وعند توافر إجابات حول موعد صرف رواتب الموظفين سيتم الإعلان عن ذلك، وعندما تتوافر الإمكانية عند وزارة المالية لصرف الرواتب بأي نسبة كانت سيتم الاعلان عن ذلك أيضا".

وتعتمد السلطة في إيراداتها بشكل كبير على المعونات الخارجية التي من المتوقع أن تتأثر -أيضا- بفعل جائحة كورونا، وعلى أموال المقاصة التي تشكل 60% من خزينة السلطة؛ ما يجعل من الصعب الاستمرار في الإجراءات المتبعة لمحاربة فيروس كورونا لفترة طويلة.

تأثير الأزمة على الاقتصاد

وفي الإطار ذاته، يرى الخبير الاقتصادي، معين رجب أن تأخر صرف رواتب السلطة الفلسطينية أثر تأثيرا كبيرا على الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام، وعلى اقتصاد قطاع غزة بوجه الخصوص، مشيرا إلى أن الحركة الشرائية في أسواق غزة توقفت بشكل كلي لعدم صرف رواتب موظفي السلطة.

وبحسب رجب فإن "موظف السلطة يعيش الآن في حالة قلق شديد؛ لأن الصورة قاتمة بالنسبة له، لعدم خروج أي مسؤول من السلطة حتى الآن لإيضاح الصورة أكثر حول أزمة الرواتب".



وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "الصورة غير واضحة بالنسبة للسلطة وما هي الرؤية وما هي السياسة التي تتبعها لحل هذه الأزمة"، لافتا إلى أن كل هذه العوامل أثرت بشكل سلبي على الموظف.

وأشار إلى أن الأسواق في قطاع غزة تتأثر بشكل كبير جرّاء عدم صرف رواتب موظفي السلطة، لأن أسواق غزة تعتمد على رواتب الموظفين بشكل أساس، مؤكدا أن نسبة موظفي السلطة ليست قليلة وتؤثر تأثيرا كبيرا على الحركة الشرائية وعلى السوق.

وتابع رجب: "الاقتصاد في غزة سيئ جدا خصوصا بعد الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، وفي ظل أزمة رواتب السلطة سيزداد سوءا "، لافتا إلى أن "الرواتب جزء أساس من دورة الحياة الإنتاجية، فهي تشكل سيولة عالية لأنها تنتقل إلى السوق مباشرة".



وتأثرت غالبية القطاعات الاقتصادية وخاصة الأسواق في قطاع غزة بأزمة تأخر الرواتب، وسط حالة من الترقب لخطوات السلطة الفلسطينية المقبلة للخروج من هذه الأزمة التي يمكن أن تشكل شرارة الانفجار في المرحلة التالية، وتعد رواتب موظفي السلطة الفلسطينية المحرك الأساس لحركة الأسواق في قطاع غزة.

وانعكست الأزمة المالية التي تولّدت بسبب تأخر الرواتب على الحركة الشرائية في أسواق قطاع غزة، وبدت الأسواق شبه فارغة من المشترين مع انتصاف الشهر الذي غالبا ما يشهد تزاحما للناس في مثل هذا الوقت بعد تقاضي موظفي القطاع رواتبهم.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com