كيف يتعامل المترجم الأدبي مع مقاومة النص؟
كيف يتعامل المترجم الأدبي مع مقاومة النص؟كيف يتعامل المترجم الأدبي مع مقاومة النص؟

كيف يتعامل المترجم الأدبي مع مقاومة النص؟

تمتد نطاقات الترجمة الأدبية منذ انطلاقها في خمسينيات القرن الماضي، إلى الشعر والسرد بنوعيه القصة والرواية، وكذلك الدراما والمسرح، أما الغاية النبيلة في ذلك فهي توسيع رقعة امتداد الأدب إلى العالم قدر المستطاع.

وتتمثل أهمية الترجمة الأدبية في المسالك الفكرية التي تفتحها أمام الذهن، من خلال تمرير الثقافات المختلفة، وخلق التفاعل الحي بين ثقافتين مختلفتين على الأقل في وعي الإنسان.

فلم تعد الجغرافيا سجنا للثقافة، كما كان في السابق، فأصبحت قيم وطقوس ومقدسات أي شعب قابلة للتناقل والفهم والبحث، بالنسبة لمجموعة أخرى على الكوكب، بفضل ما تم نقله من الترجمات.

ومع التطور الهائل لوسائل التواصل الرقمية، صار من السهل الحصول على منتج أدبي أو فلسفي أو نقدي في العالم، من خلال مجهود بحثي قليل على المكتبات الرقمية العالمية مثل "أمازون" عالميا، و"نيل وفرات"، و"جملون" عربياً.



وخصوصية ترجمة الأدب تكمن في تعددية المعاني التي ترسي إليها الجملة الأدبية، ففي النثر يتكبد المترجم مهمة شاقة متعلقة بجذور الكلمة عند شعب ما، والثقافة المحيطة بها، والتحولات الحادثة عبر الزمن.

هذا التاريخ قد يُسقط المترجم في فخ كبير في حال لم يكن باحثا متمكنا وفطنا لما تحمله الفقرة السردية من مضمون. يقول بول ريكور "هناك أصعدة مزروعة في النص غير قابلة للترجمة، وهذا يجعل من الترجمة أشبه بالمأساة".

لذا يكون من الضروري التفريق بين المترجم المتكيف والمترجم المتصلب. فالأول يتكيف مع بيئة وطقس النص، ويبدو آخذا بكل الأسباب التي تضمن له البقاء في مكان آمن، غير متورط في خلخلة أعمدة النص الأصلي.

أما الثاني فهو يباشر ترجمة غير واقعية للنص، قائمة على عدم احترام لبيئة المكان الموصوف ولا الحدث، فيكتفي بملامسة الكلمات دون الحفر، ليكون المحتوى الناتج غير نابض، وكأنما يتحدث أحدهم عن الحدث بحسب روايته لا الرواية الأصل، وهكذا يكون أقرب ما يكون للترجمة الآلية.

ويلخص جورج ستاينر مهمة المترجم في تعريف موجز حين يقول: "الفهم هو الترجمة".

فإن المترجم الذي ينقل الترجمة الحرفية للنص السردي دون إحاطة وانغماس وفهم، فإنه كمن يريد اصطياد الحمام، فيقوم بكسر بيضه. وهو في هذه الحالة يكتسب صفات المترجم الفاشل. فلا يمكن نزع النص من تربته، ولا البيئة المحيطة به، ولا بد أن تظهر ملامح الكاتب الأصلي في العمل، فالمترجم كي يكون شفافا يجب ألا تظهر صورته في النص.



إيقاع النص

أما في الشعر، وبالإضافة إلى تاريخ الكلمة أو المصطلح، فإن المترجم المتكيف يجب أن يكون على دراية تامة بطريقة ومهارة صياغة الجملة الشعرية، والمقدرة على إعادة ترتيب الجملة الشعرية، محافظا على المعنى والصوت، والدال والمدلول، بحيث لا يفقد النص المعنى الذي ألمح إليه الكاتب الأصلي.

فالقيود في هذه الرحلة ليست بالسهلة أمام المترجم المقيد بعدد مقاطع معينة للقصيدة الأصل، وإيقاع شعري لا يصح النزول عنه، أو التنشيز في ركوبه، لإبقاء هوية النص الأصلي. كما أن  المهمة الأشق هي نقل النص بروح شاعرية، تقوم على الجذب والتكثيف والإحاطة بالمعنى الشمولي للقصيدة.

عن هذا قال أنطوان بيرمان إن "التحدي عند المترجم هو أنه يريد إشباع لغته بالغرابة، ويريد كذلك نزوح النص الأصلي إلى لغته".

كما لا بد للمترجم المتكيف أن يملك أداة الشك في عمله، إذ تحتاج الرحلة الترجمية العودة إلى النص، والتشكيك في العتبة التي وصل إليها، ومراجعته بالحذف والإضافة وفقا لروح النص الأصلي، والتقريب بقدر الإمكان لحوافره.

فالمرونة هنا أمر لا يمكن إهماله، وإلا سينتج نص مفرغ من سياقه وملامحه، وذلك بتكرار التصلب الذي تنتجه الترجمة الحرفية، والثقة المبالغ بها من المترجم، ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن النص لا يكف عن المقاومة أمام المترجم، للحفاظ على نسخته الأصل، لذا يبقى المترجم في تحدٍ مفتوح مع النص، حتى يتحقق اعتقاده بترجمة أقرب للمثالية.

وكذلك، لا بد للمترجم المتكيف أن يملك مهارة النفس غير المتقطع، خاصة في الجانب السردي، فهذا يسهم بالحفاظ على الإيقاع اللازم في الروايات، التي قد تمتد إلى 1000 صفحة من القطع المتوسط.

فمهمة الحفاظ على إيقاع النص لا تأتي دون دراية كاملة من المترجم، بقصدية الكاتب الأصلي، التبطيء في مكان ما، والوصف المسهب في آخر، ومن ثم الإقلاع والتسريع في الأحداث في ما بعد. هذا التطور في رحلة النص بحاجة إلى مترجم متكيف يجيد التقاط نقاط الانقلاب، والتأثير في العملية السردية.

في 2016 قامت لجنة مستشاري جائزة مان بوكر الأدبية بخطوة تدلل على قيمة الترجمة الأدبية، حين ساوت بين الكاتب الأصلي والمترجم، في قيمة الجاىزة النقدية. هذا منحى يدلل على قيمة المترجم ويدعمه، ويفتح الباب أمام تنافس أكثر عمقا بين المترجمين، في تقديم ترجمة إبداعية مواكبة للنص الأصلي، وضمن رؤيته المحددة من قبل الكاتب.

 

 

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com