مع صدور "نزاهة المشتاق".. بوكروح يتمسك بريادة المسرح الجزائري عربيًا
مع صدور "نزاهة المشتاق".. بوكروح يتمسك بريادة المسرح الجزائري عربيًامع صدور "نزاهة المشتاق".. بوكروح يتمسك بريادة المسرح الجزائري عربيًا

مع صدور "نزاهة المشتاق".. بوكروح يتمسك بريادة المسرح الجزائري عربيًا

جدّد الأكاديمي الجزائري البارز، مخلوف بوكروح، التأكيد على ريادة المسرح الجزائري عربياً، من خلال نص "نزاهة المشتاق وغصة العشاق في مدينة طرياق في العراق" لـ"أبراهام دانينوس" الذي قام، بوكروح، بتحقيقه وتقديمه.

بالتزامن مع صدور مسرحية "نزاهة المشتاق" عن الدار الجزائرية "ميم للنشر"، صرّح، د. بوكروح لـ"إرم نيوز"، أنّ نص "دانينوس" أتى ليؤكد على ريادة المسرح الجزائري عربيًا.

ويتعلق الأمر بأول نص مسرحي عربي حديث تأليفًا وطباعة، وهذا النص مكتوب بخط اليد وبالخط المغربي، ويقع في 62 صفحة، ويوجد النص الأصلي في المكتبة الجامعية للغات والحضارات الشرقية بباريس، وفق تأكيد، فاطنة زياني، المكلفة بالقسم العربي.

وخلافًا لطرح الباحث المصري، د. سيد علي إسماعيل، حول ريادة "أم الدنيا" للمسرح العربي عبر نص "البخيل" لمارون النقاش، قدّم د. "بوكروح" مجموعة من الأدلة التي تؤكد أنّ أول نص عربي منشور هو لـ "أبراهام دانينوس"، مستدلاً بذلك على بعض الوثائق التاريخية التي تذهب في هذا الطريق.

وتعود قصة مسرحية "نزاهة المشتاق وغصة العشاق" إلى مطلع تسعينات القرن الماضي، عندما نشرت صحيفة الشرق الأوسط مقالاً بتاريخ 25 آذار/مارس 1990، جاء فيه أن الباحث البريطاني، فيليب سادغروف، رئيس قسم الدراسات الشرقية في جامعة مانشستر، اكتشف أقدم مسرحية عربية معاصرة بعنوان: "نزاهة المشتاق وغصة العشاق في مدينة طرياق في العراق" كتبها "أبراهام دانينوس" عام 1847، المترجم بالمحكمة الأهلية لمدينة الجزائر، وأفاد بأن النص متوفر على مستوى مكتبة اللغات الشرقية في باريس.

ونشرت المسرحية في كتاب "الإسهامات اليهودية في المسرح العربي في القرن التاسع عشر" للباحثين، فيليب سادغروف، و، شمويل موريه عام 1996، قبل أن يقوم، مخلوف بوكروح، بتحقيقه.

وأثار نص "نزاهة المشتاق وغصة العشاق" جدلا ًنقديًا عارمًا، بيد أنّ، بوكروح، يشدد على أن "كل المراجع تؤكد أسبقية مسرحية دانينوس تأليفًا وطباعة، وهي حقيقة تاريخية ينبغي الإقرار بها"، مشيرًا إلى أن، دانينوس، أرسل نسخًا من نصه إلى الجمعية الآسيوية في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 1847، ما معناه أنه كتبها قبل ذلك التاريخ، في وقت أعطى، نقولا النقاش، شقيق مارون النقاش صاحب مسرحية البخيل ثلاثة تواريخ لتأليفها: أواخر 1847، مطلع 1848 وشباط/فبراير 1848، بينما تحدث، محمد يوسف نجم، عن أواخر 1848، وتحدث أنطوان معلوف عن أوائل 1847 دون الإشارة إلى مرجع.

ويوضح بوكروح أن ريادة "نزاهة المشتاق" ثابتة، فهو أول نص مسرحي عربي حديث عرف الطباعة، وعدم تقديمه كعرض، كان بسبب الظروف التاريخية التي عاشتها الجزائر، وقرار إدارة الاحتلال الفرنسي بمنع لعبة الأراجوز (خيال الظلّ) عام 1843، وتموقع المسرح كـ"فاكهة محرمة على الجزائريين"، وفق تأكيد الباحث سعد الدين بن شنب.

ويركّز، بوكروح، على أنّ إبراز ريادة نص "دانينوس" ليس الغرض منه إزاحة رواد المسرح العربي من عروشهم أو إلحاق الضرر بالأمن القومي لأي بلد عربي، منوّهًا إلى أنّ تأليف نص بالعربية في فترة اتسمت بتراجع الثقافة العربية وتنامي نظيرتها الفرنسية، حدث بالغ الأهمية يستدعي المزيد من دراسات النقاد والباحثين لاستنطاق نص "نزاهة المشتاق".

ضجيج حرّف النقاش

يقول بوكروح: "ما كنت أثير هذه المسألة وأقحمها في موضوع النص المسرحي، لولا الضجة التي افتعلها البعض حول تاريخ كتابة وطباعة هذا النص، والتي للأسف الشديد انحرفت عن المجرى الطبيعي للنقاش العلمي واتخذت مسارًا سياسيًا".

ونبه، بوكروح، على قصة الطائفة اليهودية التي عاشت بين أحضان الجزائر أكثر من ألفي سنة، وأبرز اشتهار الجزائر بالحارات اليهودية القديمة، وتعايش اليهود مع المسلمين الجزائريين، وانصهارهم في المحيط الثقافي والاجتماعي والحضاري الجزائري، وتحدثهم العربية والدارجة بجانب محافظتهم على طقوسهم، وكان يطلق عليهم مسمى "عربون".

وأشار، بوكروح، إلى إسهام اليهود في الحياة الثقافية الجزائرية، وبروز فنانين يهود في الغناء والموسيقى ومختلف مشارب التراث، ورغم اندماجهم في الثقافة الفرنسية بعد الاحتلال، إلا أن بعضهم بقي مرتبطًا بالبيئة التي نشأ فيها، وظلوا مصنفين في خانة "الأهالي" في نظر القانون الفرنسي، قبل أن يصدر قرار وزير العدل الفرنسي "أدولف كريميو" الذي منح كامل الحقوق السياسية والمدنية لليهود الذي كان عددهم يناهز 35 ألفًا، وجرى استثناء يهود بني ميزاب.

ولفت، بوكروح، إلى أنه لم يرد التاريخ للوجود اليهودي في الجزائر، ولا البحث في جهود اليهود الثقافية، بل ركز على نص "نزاهة المشتاق وغصة العشاق" لاستنطاقه واستكشاف ما يختزنه على درب استرجاع المخيال الاجتماعي السائد في تلك الفترة، عوض تركه عرضة لاستنساخ وتأويل الغير.

ويشدّد، بوكروح، على أن الغرض من الاشتغال على نص "نزاهة المشتاق وغصة العشاق"، ليس ركوبًا لقطار التطبيع أو زحزحة رواد المسرح العربي، بل بوصف النص "وثيقة تراثية" كتبت في أرض الجزائر، بصرف النظر عن من كتبها، والاطلاع على التاريخ الثقافي الجزائري بعيدًا عن الإقصاء والتشويه، مشيرًا إلى أن النص يؤكد أن صاحبه "أبراهام دانينوس" جزائري في روحه ولغته ووجدانه، ويصور بعض جوانب الحياة الثقافية الجزائرية إبان الاحتلال الفرنسي.

وهاجم، بوكروح، من ارتضوا انتقاد نص "نزاهة المشتاق وغصة العشاق" ، وقال: "من يبحث عن الصهيونية في نص يعود إلى منتصف القرن التاسع عشر، فإننا ننصحه أن يقتفي أثرها في أزقته وأحيائه، ويخاطب مباشرة المطبعين"، داعيًا في المقابل إلى توجيه النقاش حول الرهانات الحقيقية التي تواجه الإنسان في هذا الفضاء الجغرافي المتأزم.

عقدة الريادة 

تطرق، بوكروح، إلى "عقدة الريادة" التي أريد لها أن تواكب الكشف عن نص "نزاهة المشتاق وغصة العشاق"، مؤكدًا على أن الوقت حان للتخلي والكف عن إنكار الخصائص الحضارية والثقافية للأمم والشعوب، مشيرًا: "لا يوجد تاريخ واحد، ولا قراءة واحدة للتاريخ ولقراءة إبداعات وثقافات الشعوب، بل هناك قراءات وتواريخ متعددة ينبغي وضعها في الاعتبار عند الحكم على ثقافة الآخر".

ودعا، بوكروح إلى "الكف عن جلد الذات وزرع الشكوك في تاريخنا وقدراتنا، لأن عجزنا عن إدراك مقومات ثقافتنا، يفتح الباب على مصراعيه للتصورات الغيرية لثقافتنا وهويتنا على حد سواء".

وتصور، بوكروح، بحتمية تجاوز المنهج الكولونيالي القائم على أن أوروبا هي محور التاريخ لظاهرة المسرح، وتجاهل ما حدث في باقي مناطق العالم، هذا الكلام ينسحب على النسخة العربية لما يسمى المركزية الأوروبية، طالما أنّ الحركة الفكرية التي عرفتها المنطقة العربية في القرن التاسع عشر، لم تكن محصورة، بل ساهمت فيها كل العواصم من فاس ومكناس إلى بغداد والخرطوم، مرورًا ببيروت، دمشق، القاهرة، الإسكندرية، الجزائر وتونس.

ولفت "بوكروح" إلى أنّ مسألة الريادة المسرحية لا تهمه فبيروت أو الجزائر عنده نفس الشيء، مضيفًا: "مارون النقاش أو ابراهام دانينوس بالنسبة إلي هما رائدان، وفي البحث العلمي نتحدث عن التراكم المعرفي، وهذه المسألة أيضًا مرتبطة بالتراكم، ولا أعتقد أنّ هذه المسائل تفصل بالتحكيم، وما نعرفه عندما يحدث خلاف في مسألة ما، نتركها للتاريخ وللأجيال اللاحقة، وما أدرانا فيمكن غدًا أن نعثر على نص في أي مدينة عربية".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com