عبد الناصر حسّو: المسرح السوري أمام اختبار استمراره وماهية وجوده

عبد الناصر حسّو: المسرح السوري أمام اختبار استمراره وماهية وجوده

يعتبر المسرحي السوري عبد الناصر حسّو، في حواره مع "إرم نيوز"، أن المسرح اليوم، في ظل متغيرات الواقع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أمام اختبار حقيقي حول مبررات استمراره وماهية وجوده، حيث بات مطالبا أكثر من أي وقت آخر بالقيام بدوره التنويري والمعرفي، وفقا لرأيه.

ويستبعد حسّو أن يكون هناك تراجع للمسرح السوري مقارنة بالدراما التلفزيونية، حيث لم تؤثر عليه بالشكل الذي يهز أركان المسرح، حسب تقديره، لافتا أن المسرح السوري يمر بمرحلة مخاض فكري سينجم عنها ازدهار وتنوع جديد.

وعبد الناصر حسّو كاتب وناقد مسرحي سوري بارز من أصل كردي، ومتخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، وله العديد من المؤلفات والمقالات والدراسات، منها "ملحمة درويش عفدي المغناة والشفهية الكردية"، "قدري جان"، "مذكرات أوصمان صبري"، "ممي آلان"، "الإيزيدية وفلسفة الدائرة"، "قضايا مسرحية"، "يوميات مهرجان دمشق المسرحي"، "الحركة المسرحية في التسعينيات في سوريا"، "المسرح وحوار الحضارات"..

الوجه الإيجابي للعولمة في مجال المسرح يكمن في انفتاحها على الآخر من الثقافة وتعايشها في بيئة متخمة بالهويات المختلفة وأحياناً المتناقضة.

هل تعتقد أن العلاقة بين المسرح والجمهور العربي اليوم في أحسن حالاتها؟ وأي تجربة تعتقد أنها نجحت في إثارة الأسئلة؟

يشكل الجمهور البنية الأساسية في المثلث المسرحي، وبدونه لا يمكن أن يحقق المسرح وجوده الإبداعي، لذلك يتشابك هذا الجمهور مع المسرح، يطالب بحقه في مشاهدة عروض تلبي احتياجاته الفنية، ويشارك في الوقت ذاته لعبة العرض.

لذلك، كان من الطبيعي أن تتواتر العلاقة فيما بينهما منذ أن استنبت المسرح في الثقافة العربية باعتباره ثقافة جديدة وافدة، ودون الدخول في متاهة الجمهور وتحديد موقعه، فالعروض تخضع لشروط الممول الذي يكون في جميع الدول العربية هو المؤسسة الرسمية.

لا أعتقد أن هناك تجارب مسرحية حققت شروط نجاحها الجماهيري أو الفني، فالأمر مختلف تماماً بين أن يحقق عرض ما أعلى مشاهدة أو أقل، ويحافظ على نجاحه الفني.

وبمعنى آخر، المسرح الذي يثير الأسئلة هو المسرح الذي ينبش راهن الجمهور ويتوجه إلى عقله ويولد لديه مجموعة احتمالات من الأسئلة، الذي يلبي احتياجات مجتمعه بغض النظر عن جماهيريته.

غلاف كتاب "ملحمة درويش عفدي المغناة والشفهية الكردية" للكاتب السوري عبد الناصر حسّو
غلاف كتاب "ملحمة درويش عفدي المغناة والشفهية الكردية" للكاتب السوري عبد الناصر حسّو

ما رأيك بالمسرح التفاعلي الذي انتشر مؤخراً؟

دخل المسرح التفاعلي إلى البلدان العربية من بوابة المسرح السوري مع بداية الألفية الجديدة تبنّته وزارة التربية بعد سنوات من العمل مع الدكتورة ماري إلياس، والتي حولت هذا المسرح إلى مسرح تعليمي وليس تربويا في وزارة التربية؛ بهدف رفع سوية المدارس تعليمياً وفنياً، وفي الوقت ذاته حل محل المسرح الشبيبي الذي كان رديفاً لحزب البعث، وقد أُطلق عليه أسماء عديدة، مثل "الأطفال يصنعون مسرحهم"، "مسرح الجمهور الخلاق".

لكن فكرة المسرح التفاعلي التي تحولت فيما بعد إلى المسرح الرقمي، كان قد تطرق إليها المسرحي تشارلز ديمر في ثمانينيات القرن الماضي في إطار الكتابة المسرحية ومحاولة توريط أو مشاركة الجمهور في العرض، مستفيداً من برامج تلفزيون الواقع. 

قد يكون المسرح التفاعلي أحد تجليات تطور وسائل الاتصالات والتكنولوجيا المعلوماتية التي أثرت في شكل الكتابة المسرحية وطريقة العرض سلباً أو إيجاباً والتي تعالج القضايا الناتجة عن العولمة، لكن هذه الدراما بحاجة إلى جمهور جديد كان فك ارتباطه مع العروض التقليدية منذ زمن.

لذلك فالتفاعلية تجعل من الجمهور أن يعرف أجوبة لكل الأسئلة ويتفاعل معها لتحويل فكرة افتراضية إلى واقع افتراضي على الخشبة، وإن انحدرت العروض إلى النظريات التي سعت باتجاه كسر القواعد التقليدية للمسرح، وتيار المابعديات المسرحية.

غلاف كتاب "الحركة المسرحية في التسعينيات" للكاتب السوري عبد الناصر حسّو
غلاف كتاب "الحركة المسرحية في التسعينيات" للكاتب السوري عبد الناصر حسّو

ذكرت في تصريح سابق أن العولمة لها وجه إيجابي، كيف ذلك في المسرح تحديدا؟

إن العولمة (العالمية) لا تتعارض مع خصوصيات الشعوب، ولا تحطم الهوية، إنما تحافظ عليها، وقد طرحت الهوية الحضارية موضوع التعددية الثقافية على أساس التفاعل الإيجابي والبنّاء بين الحضارات لا على أساس الصراع أو محاولة طمس الخصوصية الحضارية لثقافة ما على حساب ثقافة أخرى قد تكون غازية..

بينما البُعد العولمي (العالمي) قائم في كل حضارة وثقافة، وهو من جوهر السلوك الإنساني السليم، ونجحت العولمة في فرض قيمها على أنها عالمية كوزموبوليتية على اعتبار أنها أهم من القيم المحلية المميزة، معززة تلك الهيمنة بسلاح الإعلام والاتصال والمعلومات.

الوجه الإيجابي للعولمة في مجال المسرح يكمن في انفتاحها على الآخر من الثقافة وتعايشها في بيئة متخمة بالهويات المختلفة وأحياناً المتناقضة، وتبادل في الأفكار بشرط الحفاظ على الهوية الثقافية والقدرة على تطويرها، لعل أحد أهم منجزاتها بأنها تجاوزت ثالوث المحرمات (الجنس، الدين، السياسة) نسبياً في بيئة كان اليقين سيد المواقف.

لذلك قد يكون المسرح المجال الأفضل للعولمة الإيجابية بوجهها الحضاري من خلال التأثر والتأثير على مستوى الثقافات الأخرى والاستفادة منها.

أعتقد أن إيجابيات العولمة في مجال المسرح كثيرة، هي انفتاحه بشكل أوسع على العالم الذي أصبح صغيراً ومؤطراً من خلال وسائل الاتصالات العديدة، كونه كان منفتحاً منذ بداياته الأولى على شكل فرق زائرة تقدم عروضها في البلدان المجاورة بعد انتشاره عبر انتقالهم بالعرض من منطقة إلى أخرى، وكذلك عن طريق نقاد المسرح وباحثيه (ترجمة، دراسات، محاضرات، ندوات).

وإذا كان هذا هو الشكل المباشر، فالشكل غير المباشر لهذا الانفتاح العولمي من خلال النصوص المترجمة إلى لغات أخرى، ولولا هذين الشكلين لما تعرّف العالم ولا المسرح العربي على المسرح بصياغاته المتعددة من الأرسطية وشكله الإيطالي والمسرح الإليزابيثي والمسرح الفرنسي والمسرح الملحمي ومراحله والمسرح الإسباني والكوميديا المرتجلة والمسرح الروسي والمسرح الهندي والمسرح الياباني، ولا تعرّف على أساليب الإخراج والتيارات والمذاهب المسرحية، ولا حتى على الشخصيات المسرحية.

العولمة لا يمكن أن تكون نقيضاً للهوية، ولن تكون بديلة عنها، هي الخيار الإنساني المتاح والمفتوح أمام مستقبل البشرية.

لم يعد النص المسرحي يمثل العرض، حتى إن مفردة العرض المسرحي تغيرت إلى الأداء، بمعنى أن الممثل أو الراقص أو المغني يمثل دوره في الحياة ولا يحاكي شخصية هاملت أو أوديب إلا إذا تحول هو إلى هاملت.. وهذا مستحيل.

لماذا فقد المسرح السوري بريقه في السنوات الأخيرة، هل بسبب التركيز على الدراما التلفزيونية أم بسبب أزمة الكتابة؟

يمر المسرح السوري بمرحلة مخاض فكري يتوقع أن يتولد عنه ازدهار متنوع جديد، لأن المسرح لا يزدهر ولا يصبح مؤثراً إلا عندما يمر المجتمع بمنعطف حاسم في تاريخ تطوره.. ولا مراء في أن المجتمع السوري ومسرحه منذ ما يقارب أكثر من عقد يمر بهذا المنعطف الحاسم، وخاصة ما يجري في الساحة العربية من انتفاضات وثورات شعبية على السلطات التقليدية، ليس على حكامها فقط، بل على السلطة الأبوية والدينية والاجتماعية..

ولا يعني هذا ثورة سياسية بقدر ما يعني ثورة في ذهنية المثقف السوري التي انعكست على الفن المسرحي وأثرت ثورة الاتصالات في النتاج الثقافي والمسرحي.

إن ما يعيشه العالم العربي عامة والمجتمع السوري خاصة من متغيرات واحتجاجات وانتفاضات وثورات ومن تحولات في بنية المجتمعات الفكرية، ومن انزياحات ثقافية، واستبدال المواقع، وتسطيح الفكر وتعويمه، يضع المسرح أمام اختبار حول مبررات استمراره أو ينصبّ حول ماهية وجوده ودوره الذي يُفترض أن يكون معرفياً وتنويرياً ونهضوياً يضعه في مواجهة حقيقية أمام هذه المتغيرات..

المسرح جزء من الواقع ومرآة تعكس صورة هذا الواقع من أجل الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أكثر تطوراً ومن أجل تغيير المجتمع، وإيجاد لغة فنية مختلفة تبحث عن جماليات جديدة للعرض المسرحي وعن المناطق الأكثر توتراً وسخونة في الحروب لمعالجة قضايا تعاني منها هذه الشعوب.

لذلك لم تؤثر الدراما التلفزيونية على المنجز المسرحي بالشكل الذي يهز أركان المسرح، لكن قد يؤخذ دور المسلسل التلفزيوني بعين الاعتبار، ويمكن أية فكرة تتحول إلى نص مسرحي.

بالمناسبة، لم يعد النص المسرحي يمثل العرض، حتى إن مفردة العرض المسرحي تغيرت إلى الأداء، بمعنى أن الممثل أو الراقص أو المغني يمثل دوره في الحياة ولا يحاكي شخصية هاملت أو أوديب إلا إذا تحول هو إلى هاملت وهذا مستحيل.

من إحدى المسرحيات السورية
من إحدى المسرحيات السورية

وثقت في كتابك عن مهرجان دمشق للفنون المسرحية تجربة مهرجان دمشق الثرية، أي أهمية تكتسيها؟

حاولت في كتاب "مهرجان دمشق للفنون الدرامية" تسليط الضوء ليس على مدونة مهرجان دمشق للفنون المسرحية فحسب، إنما على الحياة الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي رافقت دورات المهرجان على مدى قرابة أربعين سنة، مركزاً على بعض المحطات والمنعطفات التاريخية التي كانت لها تأثيرها الواضح على الحياة.

توجه معظم النخب الثقافية القادمة إلى المسرح، شعراء يكتبون للمسرح، كتاب قصة يكتبون للمسرح، فنانون تشكيليون يعملون في المسرح، تنشط المسرح على أكتاف هؤلاء دون وجود رجال مسرح محترفين، ومَن كان يعمل في المسرح كان من الهواة، وتصدرت القضايا السياسية على تفكير الطبقات الاجتماعية التي ترتاد المسرح، وبات الجمهور يفتح حواراً أمام صالة المسرح يستمع إلى موقف أو نقاش سياسي حول القضايا الراهنة.

أدرك هؤلاء المثقفون في هذا المنعطف التاريخي الهام أن التفكير بإعادة التموقع يحمي بناء اقتصاديات الثقافة بعد هزيمة حزيران التي شكلت صدمة للنخب المثقفة قبل النخب العسكرية، وتشكلت ظاهرة ثقافة النكسة بمعنى (حكمة الهزيمة) وما يتعلق بسياستها، حيث المنعطف التاريخي في الحياة السياسية والفكرية والثقافية..

وكُتبت في تلك المرحلة أهم الأعمال المسرحية حول نكسة حزيران وقضية فلسطين والدعوة إلى الهوية العربية للثقافة وتشرذم الأمة العربية، مستمدة مواضيعها من التراث أو من واقع الحال، ولما كان المسرح المكان الأنسب لطرح الأسئلة وتلقي ردود الأفعال من خلال اللقاء الحي بين الخشبة والصالة، بمعنى التفاعل بين الخشبة والصالة، فقد تحول المسرح إلى ساحة للعمل السياسي الثقافي.

غلاف كتاب "المسرح العربي وحوار الحضارات" للكاتب السوري عبد الناصر حسّو
غلاف كتاب "المسرح العربي وحوار الحضارات" للكاتب السوري عبد الناصر حسّو

كيف تقيّم المسرح الكردي؟ هل تعتقد أنه ذو حضور وفاعلية مع قضايا مجتمعه؟

لا أعرف إن كان الهدف، (المسرح الكردي في سوريا) أم في أجزاء كردستان! وباعتبار أن المسرح الكردي في سوريا حديث النشأة لأسباب عديدة منها أسباب سياسية، ومنها فنية مثل عدم وجود أماكن العرض (الصالات) مقارنة مع المسرح في الأجزاء الأخرى من كردستان.

كان المنع ليس في المسرح فحسب بل في التكلم باللغة الكردية.. لذلك بدأ المسرحيون الكرد في سوريا يحاولون أن يقدموا مسرحهم الخاص بالتحايل على الأمن، بأن لجؤوا إلى أساليب مبتكرة، مثل الرحلات والسهرات خاصة الأعراس يقدمون فيها فقرات مسرحية، لكن الغالبية لجؤوا إلى الانضمام إلى فرق الشبيبة وفرق المراكز الثقافية في مناطق تواجد المسرحيين الكرد.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com