آن الصافي
آن الصافي

آن الصافي: الإبداع منتكسٌ في بلادنا.. وثقافتنا ناصرت المرأة دوما

تمكنت الكاتبة السودانية آن الصافي من العزف منفردة في عالم الأدب بمزج الخيال بالعلم وتقنيات العصر الحديث، وأتقنت ببراعة اللعب على أوتار الرواية والقصة والنثر. فيما شكل مشروع "الكتابة للمستقبل" حلما مؤرقا للصافي، التي تسعى لإتمامه، برؤية تخلق توازنا بين معطيات الماضي والحاضر، وتوجيه كل ذلك إلى أجيال الغد.

يتنوع السرد لديك داخل القصة والرواية بين العلم والتقنية والخيال، ما الذي يجذبك في مزج كل هذا مع الأدب؟

الأدب وعاء يشمل كل ما يتعلق بالحياة وتمظهراتها في كل حقل. بيئة الكاتب تُقرأ في سرده. إنسان اليوم يتعاطى مع أدوات العصر والتي بكل تأكيد أثرت على نظام حياته وتفكيره وقراراته وكذلك  مسار المجتمعات. هل يجوز أن تكتب قصة بذات الآلية والمحتوى في كل عصر؟ بمعنى لو أخذنا نموذجا لكتابة رحلة أسرة من موقع ما نعرفه الآن بمدينة أبوظبي إلى جزيرة توتي عند ملتقى النيلين في الخرطوم قبل ألفي عام وقبل خمسمئة عام وعند مطلع الألفية العشرين واليوم، كيف سيكون السرد لوصف هذه الرحلة؟ يتجلى هنا أن لكل حقبة معطياتها وآليات تسيير الحياة للإنسان.

نحن في العقد الثالث من الألفية الثالثة مؤكد هناك معطيات جديدة ما ألفتها البشرية قبلاً منها أخبار مستجدات العلم وتطبيقاته في شتى الميادين وكل ذلك ليس للنخب بل متاح للجميع عبر أدوات الإعلام الجديد لنجدنا أمام مسميات  جديدة مثل مجتمع المعرفة، اقتصاد البيانات الضخمة، النانو تكنولوجي، الهولوجلاام.. الهايبرلوب.. الذكاء الاصطناعي واستخداماته في شتى المجالات. الانترنت واستخداماته غيرت الكثير من ثقافات الشعوب. سابقاً ربما كان الأمر يتعلق بدول المصنع وبعض الدول بإقليمنا تظن أنها بمنأى عن عوالم الحداثة وما بعد الحداثة لنجدنا في عوالم بعد ما بعد الحداثة ومتأثرين بكل المراحل بلا شك. 

الكتابة للمستقبل تُعنى بتحليل معطيات الماضي ومن المؤكد ما جنيناه في الحاضر هو نتيجة له، وعليه ما سيقدم اليوم سيجني نتيجته أجيال الغد.

لنعد إلى مسألة السرد وتوظيف معطيات الراهن وقضاياه، هل سنتحدث في شأن دون التطرق إلى ما نحن عليه من حال وما رفد إلى واقعنا من مستجدات؟ هل نغض الطرف أن هناك مدن كوزموبوليتان -حاوية للثقافات بتنوعها متعايشة في مكان واحد، ماهي قضاياها ومواضيعها؟ هل نتجاهل مسائل تتعلق بالبيئة هل نتجنب الحديث عن حرية الفكر وأن لدينا قرابة 60% من سكان إقليمنا ينتمون للفئات العمرية التي تقل عن 25عاماً. ماذا قدمنا لهم؟ ماذا يقرأون ويشاهدون ويتابعون؟ نحن أمام مساحة جيدة للاستلاب الثقافي ما لم ننتبه إلى دور القوة الناعمة ومنها الأدب والثقافة والفنون والعلوم للحاق بالركب أو استحداث مسارات جديدة تليق بإنسان اليوم والغد.

حدثينا قليلا عن مشروعك "الكتابة للمستقبل" هل تعتبرينه رسائل للأجيال القادمة؟ ولماذا تبنيته؟

حين قدمت إلى المشهد الثقافي والأدبي كان أمامي تحدي لتقديم أعمال تعبر عن قناعات أؤمن بها، قد تخالف ما هو سائد. إيماني بأهمية الكلمة وأسلوب تقديمها بما يوافق الثقافات الأصيلة والتي تعتز بها غالباً مجتمعاتنا ومن ناحية أخرى احترام عقلية المتلقي الآن وغداً.  كان علي أن أضع منهجية المشروع وأهدافه مع آليات طرحه وبكل تأكيد معماره بشكل يحمل الفكر الذي أسس لأجله مترجماً بشكل يحمل سماته أو إن جاز التعبير جيناته.

على سبيل المثال، زوايا تناول المواضيع، ابتكار تقنيات السرد، تحقيق مبدأ أصالة كل عمل بما يميزه عن عمل آخر. بالطبع يتطلب ذلك الابتكار بعيداً عن التكرار ما أمكن. هنا علي توضيح مسألة الأصالة، أن يقدم كل عمل ليكون متفرداً يقبل أن يقاس عليه مستقبلاً.

الكتابة للمستقبل تُعنى بتحليل معطيات الماضي ومن المؤكد ما جنيناه في الحاضر هو نتيجة له، وعليه ما سيقدم اليوم سيجني نتيجته أجيال الغد. الكتابة للمستقبل تعنى بجميع الأزمنة، فقط الأخذ بعين الاعتبار أدوات العصر وأثرها في حياة الفرد ومسار المجتمعات.

الأمر شائك؟ ربما ولكني أجده ممتعاً، ربما لشغفي بالبحث والقراءة ومحاولة فهم وتحليل ما يقدم في شتى الحقول، من تراث وثقافات وعلوم إنسانية والكثير مما قد يستوقفني لأبدأ بتبني مشروع عمل كتابي قد أطرحه حسب نوعه والغرض من كتابته. قد يأتي في رواية أو قصة أو شعر نثري، إن جاز التعبير، أو حتى مقالاً فكرياً ثقافياً.

أي أن الأمر طوعي واجتهاد فردي وما توفيقي إلا بالله.

أخبار ذات صلة
نبيل الملحم: إقحام الجنس في الرواية "سم".. وأكتب حتى لا أموت اختناقاً

يعتبر الكاتب بشكل عام صوت لهموم مجتمع ووطنه، هل ترى آن الصافي أن الروائي ملزم بهذا؟ وما الذي تصبين اهتمامك عليه عندما ترغبين في نبش أعماق الإنسان السوداني؟

تتميز ثقافات شعوب إقليمنا بالغزارة والتنوع، ببساطة لأنّ جل دولنا تعتبر أرضاً لحضارات عريقة وإنسان المكان يحمل جينات هذه الثقافة وبالتالي يتميز بها عن بقية الشعوب.

السودان واحدة من الدول التي تتميز بالحضارات الضاربة في القدم والتنوع الجغرافي والمناخي وتاريخ عريق حافل بالكثير من المواضيع والقصص والقضايا. تقريباً كل ما أكتبه يدور في عوالم السودان وقضاياه ببساطة لأنني أنتمي إلى ثقافاته الغنية. لأنها ثقافات أصيلة ولها جماليات تخصها فكل من ينتمي إليها يحترمها ويورثها للأجيال التي تليه بسلاسة عبر العادات والتقاليد حتى وإن نشانا بعيداً عن أرضه ولكن يبقى للبيت والمجتمع دور كبير في المحافظة على التواصل عبر هذه الثقافة. ببساطة يوجد ترابط وجداني بيننا كشعب نعتز به ونجده أمر طيب يميزنا ونحتفي به بكل إحترام وحب.

والسودان حاضر في جميع أعمالي وهموم إنسان السودان مجملاً هموم إنسانية قد تتشابه مع قضايا في أماكن أخرى. ببساطة الإنسان هو الإنسان له متطلبات لأجل حياة كريمة ويتواصل مع من حوله ليعيش بتوازن يتضح عبرها الحقوق والواجبات  الللازمة. لكن برأيي، الإبداع لا يجب أن ينظر إليه بشكل ديمغرافي، إن جاز التعبير، فالإبداع منتج إنساني، قد يوصف بأنه فكري وثقافي ويقدم عبر الآداب والفنون. فالإبداع أرقى من تصنيفات تجعله في علبة ما. عرفنا عن الحضارات السابقة ممن تركوا أثرا عبر الإبداع بأنه ينتمي للحضارة البشرية في كوكب الأرض، ومن ثم نذهب لثقافة الإنسان الذي ترك هذا الأثر.

تأخرت الرواية العربية عن الظهور مقارنة بمثيلاتها عالميا، فأين تجدينها اليوم؟ ولماذا لا يوجد لها صوت عالمي؟

في الوقت الراهن هناك كم هائل من الكتابة الروائية لأسباب عدة، منها الجوائز والمسابقات. لتمحيص الأمر بعين ثاقبة ماهو الكيف أمام الكم المقدم؟ وما هي معايير الرواية في بلادنا العربية، لأوجه التساؤل بشكل أكثر صراحة ووضوحاً أين الفكر في الإبداع الذي يقدم عبر الأعمال السردية من قبل كتّاب الرواية بالعربية؟

مسألة الكتابة الروائية المستقاة من كتب التاريخ والمراجع والبحوث قد يجانبها بعض السمات الفنية وجماليات العمل الروائي فتأتي تقريرية جامدة إن صح التعبير. الكتابة الروائية في ثالوث محور التاريخ والسياسة وما هو ضد الدين وإقحام الجنس في الأعمال المقدمة، تبدو حيل عفى عنها الزمن ولكنها مستمرة وسائدة ربما. نعم هناك من يقرأها فهناك جمهور يرضيه مثل هذه الثيمات.

لكن أين النقاد؟ ما دورهم؟ هل يوجد لدينا نظرية نقد أدبي فكري يتم العمل عليها بشكل علمي وموضوعي؟

هل النقد يجاري كم العرض في أرفف المكتبات؟ مؤكد هناك استثناءات ومحاولات نقدية جادة وفي الغالب اجتهادات فردية أثبتت نجاحها.

لنقف عند مسألة الرواية وأنه تم استيرادها من ثقافات غير عربية، أقول ربما وهذا الأمر نوقش كثيراً أن في الحضارة العربية وردت وبصيغ مقاربة للجنس الأدبي الروائي في بعض الأعمال، ولست هنا لفتح باباً للجدل، فلنركز في مسألة أنها حقاً مستوردة كما هو مفترض. مستوردة ومؤكد تمت الترجمة للعربية للأعمال الروائية وكذلك الأعمال النقدية، في الغالب كان هناك تأخر في ترجمة الكتب الفكرية والنقدية أو أن جهة الترجمة لأسباب تخصها تختار ماتشاء ويقدم على أنه الأفضل، وتقوم بترجمته للعربية. عليه هل نعتبر أن عامل المزامنة والمواكبة في الترجمة قد أعاق تطور الرواية والنقد بسبب التأخر في الترجمة؟

كإنسان أنتمي إلى هذه العالم، أنتمي لثقافة ناصرت المرأة وقدمت لها بشكل متكافئ ما يوافقها ولم تظلمها حقها. إن حدث خلاف ذلك فهي حقبة من تاريخنا المظلم وظف كل شيء لأغراض لا تمثل انتماءاتنا أياً كانت.

قد توجد محاولات لأعمال إبداعية سبقت عصرها ولكن بسبب عدم مواكبة النقد فقدت فرصتها في الإنتشار والتناول الجاد ومضت دون الالتفات إليها، ببساطة لأنها أتت بما لم يرد فيما مر به الناقد من مقرر.

من ناحية أخرى، هل يوجد لدينا صحافة متخصصة وإعلام متخصص في الشأن السردي؟ هل هناك موضوعية ومعايير واضحة لاختيار الأعمال الروائية للنشر والمنافسة؟ بالنظر لخارطة الثقافة والفنون والآداب ونيل الاهتمام والتقديم عبر وسائل الصحافة وأدوات الإعلام الجديد في إقليمنا تبدو في حال لا يخفى على أحد، فللأدب النصيب الأقل في الطرح والتقييم.

في مجتمعاتنا الاستهلاك هو الطاغية وعليه هرم الإبداع نراه منتكس تماماً!. من ناحية أخرى، أعتقد وكوقفة مهمة أمام الأعمال الروائية المكتوبة بالعربية وتحديداً التي تنال فرص الترجمة عبر الفوز في المسابقات والجوائز. بعد ترجمتها من يقرأها؟ ما مدى الإقبال عليها؟ ما هو النقد المكتوب حولها بعد الترجمة؟؟ الإجابة تقودنا إلى الأسباب بشكل أكثر وضوحاً وموضوعية.

يشتكي عالمنا اليوم من تأثير التكنولوجيا، الذي انسحب بالطبع على كافة مجالات الحياة، برأيك ككاتبة وأديبة، كيف يمكن للأدب مقاومة هذا الزحف؟

ولماذا على الأدب أن يقاوم هذا الزحف؟ لم لا يواكب الأدب هذا الزحف ويطوعه لخدمة رسالته وتناوله بقوالب توافق أدوات العصر.

سأعود إلى لب القضية، اليافعة في دولنا. هم يقرأؤون ويتابعون ما يقدم لهم ربما بلغات أجنبية بذات اللغات أو المترجمة للعربية. تنتهي سلسلة عمل قصصي ما ثم يتم نقلها للشاشات وتجد هذه الأجيال تتابعها بشغف ومن ثم تنتقل إلى سلسلة من الألعاب الالكترونية ومن ثم إلى ملابس ودمى وقصص مصورة وهكذا حلقة من المنتجات موظفة بشكل يطوق اليافعة بتشويق وإبداع وابتكار.

في دولنا العربية ماذا قدمنا لهذه الفئات العمرية بالمقابل؟؟

علينا أن نرتقي بالتفكير للوصول إلى عقول هذه الفئات العمرية فهم لديهم رؤى منفتحة على عوالم تفصلنا عنها سنون ضوئية. لا يمكن أن نحجب كل شي عنهم، لدينا سبل عدة للتواصل معهم وفهم ما يدور في عوالمهم وقضاياهم وما يوافق شغفهم وتوظيف ما أمكن لربطهم بثقافاتنا التي نحسبها مجدية ولها جمالياتها وفي ذات الوقت توظيف العلم عبر الإبداع للإبحار معهم في جماليات تكسبنا هذه الأجيال ونستطيع الوقوف معها داعمين لطموحاتهم ومهنئين بنجاحاتهم.

أخبار ذات صلة
هاني نديم: على الشاعر أن يكون نجمًا حتى لا يدفع للناشر

ككاتبة أنثى، ما الذي يشغلك أكثر بشأنها عند الكتابة؟

الإبداع عمل فكري فني فلسفي ربما لايقف عند امرأة أو رجل، هذا التمييز يحد من حرية الإبداع بكل تأكيد.

كإنسان أنتمي إلى هذه العالم، أنتمي لثقافة ناصرت المرأة وقدمت لها بشكل متكافئ ما يوافقها ولم تظلمها حقها. إن حدث خلاف ذلك فهي حقبة من تاريخنا المظلم وظف كل شيء لأغراض لا تمثل انتماءاتنا أياً كانت. ثقافة التسامح تحقق نجاحات في التقريب بين الثقافات بتنوعها وتعددها ولكن يجب أن يكون التسامح عن علم وعن قوة وعن موضوعية.

الإنسان بطبيعته فيه جوانب إيجابية وأخرى سلبية ولا يوجد إنسان كامل. عليه في طرح أي عمل سردي ألجأ كثيراً إلى علم النفس وعلم الاجتماع. أجتهد ان أرى كل شخصية في العمل تحمل هوية تخصها وتميزها، المرأة والرجل على حد سواء.

يميل الكاتب أحيان لفن دون آخر، فما الذي يمثلك أكثر كـ آن الرواية أم القصة؟

أتلذذ بالكلمة قراءة وكتابة، ألبس العمل ثوباً يقدم القضية والفكرة التي أبتغي. أحياناً أمازج بين الأجناس الأدبية في ذات العمل بشكل يخدم قضية العمل. على سبيل المثال الروايات التي أكتب عادة تكون مقسمة إلى فصل وكل فصل من الممكن أن يكون قصة قصيرة ويمكن قراءة العمل الروائي من أي فصل إلى أي فصل. قدمت مجموعة قصصية اشتملت على القصة القصيرة والقصيرة جداً والومضة وكذلك الرواية النوفيلا.

في الأعمال الشعرية النثرية التي أقدم، أكتبها كما أرتأي قصة قصيرة أو مشهد قصصي أو مسرحية في جمل مقتضبة أو مقطع به مشهد درامي-سينمائي.

مسألة التجنيس في الأدب أتركها للمتلقي، الناقد تحديداً. ما يشغلني حقاً كيف أترجم ما يدور بخلدي عبر الكلمة بصياغة تصل للمتلقي، ما يعبر عن رؤاي وفكري وكيف يمكن أن أجعل المتلقي شخصية فاعلة فكرًا وحضوراً من خلال العمل الذي أقدم.

هل توافقين على أن الشاعر قادر على أن يكون روائيا والعكس؟ علما أنهما شكلان أدبيان، أحدهما يعتمد على التكثيف والآخر على السرد؟

هذا أمر نسبي بكل تأكيد. يعتمد الأمر على الموهبة والمهارة. هناك من يجيد كتابة القصة فقط وهناك من يجيد كتابة الشعر فقط وهناك من يجيد كتابة الرواية فقط. ربما نجد من يكون لديه القدرة على التحليق في جميع هذه الأجناس بشكل متقن وممتع.

التكثيف في السرد الروائي والقصصي أمر مهم، في مشروع الكتابة للمستقبل. عموماً، كثير من الكتاب يفضلون هذه الآلية في الكتابة. نحن في عصر نجد في تطبيقات التواصل أيقونة توصل فكرة بدلاً عن كتابة فقرة من عدة جمل. بالمقابل الإسهاب غير محبذ لأنه يحدث الملل في الغالب. بالطبع هذه وجهات نظر ليس إلا!.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com