"خزانة القرويين"في المغرب.. مكتبة تروي 7 قرون من التاريخ (صور)

تستعد "خزانة القرويين"، إحدى أعرق المكتبات في المغرب وحول العالم، لفتح أبوابها للزوار خلال أسابيع، بعد اكتمال أشغال إعادة ترميمها.

وتضم المكتبة التي أسست منتصف القرن الثامن الهجري، على يد أحد سلاطين المملكة المغربية، مخطوطات عالمية نادرة، وتعد بذلك من أقدم وأغنى المكتبات في العالم العربي والإسلامي.

700 عام

وسط ساحة الصفارين بمدنية فاس العتيقة، تنتصب بناية "خزانة القرويين" العريقة، وهي معلم مزخرف بفنون العمارة الإسلامية، زينت قبة قاعته الرئيسة الفسيحة بزخارف من الجبس والخشب المنقوش، فيما تم بناء بلاط أرضية المبنى بالزليج التقليدي، وتزيين الأبواب الخشبية بالنقش والزخرفة.

ويعود تأسيس "خزانة القرويين"، التي ارتبط اسمها بـ"جامعة القرويين" العريقة بفاس، إلى القرن 14 الميلادي، وتحديدًا عام 750 للهجرة، على يد السلطان أبي عنان المريني (1329 -1358).

يقول عبد الفتاح بوكشوف، محافظ خزانة المكتبة، إن "ميزة هذه الخزانة التي تعتبر أهم وأقدم الخزانات في العالم العربي والإسلامي، أنها منذ تأسيسها عام 750 للهجرة بقيت مفتوحة مؤدية لرسالتها إلى يومنا هذا".

ويضيف "الفضل في استمرار هذه الخزانة في تأدية رسالتها يعود إلى العناية التي يوليها سلاطين المملكة المغربية لهذه المَعلمة على مر التاريخ، فكلما دعت الضرورة إلى الصيانة والترميم، فسلاطين المملكة كانوا دائما يولونها اهمتامًا خاصًا، ولا يترددون في ترميمها وإصلاحها بل وتوسعتها".

وقد مرت "خزانة القرويين" عبر تاريخها الذي يمتد إلى 7 قرون، بثلاث مراحل أساسية، في ظل حكم 3 دول، تعاقبت على حكم المغرب، منذ تأسيسها، فقد أسست في عهد المرينيين، على يد أبي عنان المريني، ثم جاء بعد ذلك السعديون (امتدت دولتهم من 1554 إلى 1659 م)  فأضافوا جناحا آخر يسمى جناح السعديين، وفي القرن العشرين وبالضبط عام 1940 جاء السلطان العلوي محمد الخامس (توفي عام 1961) فبنى جناح العلويين.

وبحسب القائمين على الخزانة أصبحت الآن عمليات الترميم، في طور النهاية، بأمر من العاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي سيقوم بإعادة فتح الصرح التاريخي، خلال الأسابيع المقبلة.

وتحتوي "خزانة القرويين" على حوالي 4000 آلاف مخطوط من أنفس المخطوطات، في مختلف فروع المعرفة، تبتدئ بالعلوم الدينية وتنتهي بعلم الفلك، مرورا بالطب والحساب والتاريخ السير والرحلات والأدب واللغة والتصوف والفلسفة وغيرها، إضافة إلى رصيد من الوثائق النادرة، وأكثر من 24 ألف من الكتب المطبوعة، بعضها يعود إلى حوالي 150 سنة.

وتمت فهرسة كل مخطوطات "خزانة القرويين" ووثائقها بطريقة إلكترونية علمية وحديثة دقيقة وشاملة، كما تم تخزينها بطريقة "الميكروفيلم"، "حتى يسهل على الباحثين والطلبة عملية البحث وكذا صيانة هذه النفائس من التلف والضياع". حسب محافظ الخزانة.

كما تضم الخزانة مختبرًا لترميم وإصلاح المخطوطات، وجهزت بوسائل تكنولوجية للحفاظ على هذه المخطوطات والوثائق النادرة من الرطوبة والحرائق والسرقة، حيث وضعت في جناح خاص في الطابق الثاني من بناية الخزانة.

ومنذ تأسيسها، ظلت المكتبة تتخذ جناحًا داخل جامع القرويين، الذي ارتبط اسمها به، مقرًا لها، قبل أن تنفصل عن جامع القرويين ويصبح لها باب خارج المسجد، حيث مقرها الحالي.

وحسب محافظ "خزانة القرويين" فإن "جل المخطوطات المحفوظة في "خزانة القرويين" كانت في الأصل ملكًا لسلاطين الدولة المغربية، وكانوا يحبسون هذه الكتب على خزانة القرويين"، معتبرًا أن "هذا دليل آخر على أهمية هذه الكتب علميًا وتاريخيًا".

ولم يقتصر وقف وتحبيس الكتب على السلاطين والأمراء، بل امتد إلى العلماء وفئات آخرى من المجتمع خصوصًا التي عرفت بالعلم، حيث لم ينقطع وقف وتحبيس الكتب على هذه الخزانة وإثراء محتوياتها في فروع المعرفة المختلفة.

ذاكرة العالم

يعتبر عبدالفتاح بوكشوف، محافظ "خزانة القرويين"، أن الأخيرة "من أهم الخزانات في العالم العربي والإسلامي بالنظر إلى رصيد المخطوطات المحفوظ فيها والذي يتميز بالندرة"، مضيفًا أن "الخزانة تنفرد ببعض العناوين الحصرية".

ففى رفوف الخزانة توجد مخطوطة للفيلسوف والطبيب ابن طفيل تعرف بـ"الأرجوزة الطبية" وهي النسخة الوحيدة في العالم، وتعود إلى القرن 12 ميلادي، حسب محافظ الخزانة.

وهذه "الأرجوزة" عبارة عن 7000 آلاف بيت شعري، يتطرق فيها ابن طفيل إلى مختلف الأمراض التي كانت معروفة في عصره وأعراضها وطرق ووسائل علاجها.

وتحتفظ "خزانة القرويين" أيضا بمخطوط لـ "كتاب العبر" لابن خلدون، والذي يعتبر كتاب "مقدمة ابن خلدون" الشهير، بمثابة مقدمة له، وهو "من أدق المخطوطات الموجودة حاليا"، حسب محافظ الخزانة، حبسها ابن خلدون شخصيا على "خزانة القرويين"، حين كان يقيم ويدرس بمدينة فاس، مرفقة بتوقيع بخط يده.

وهذا ما جعل هذه المخطوطة تصنف من طرف اليونسكو كتراث عالمي في برنامج يسمى "ذاكرة العالم"، حيث حظيت النسخة بإجماع الهيئة المسؤولة عن البرنامج.

كما توجد بـ "خزانة القرويين" نسخة لمصحف كريم مخطوط نادر على جلد الغزال يعود إلى القرن 9 الميلادي، وقد كتب بخط كوفي عريق.

وفي قائمة نوادر الخزانة مخطوط لكتاب "البيان والتحصيل" لابن رشد الجد، وهي نسخة سلطانية كتبت سنة 720 للهجرة، بأمر من السلطان، بخط أندلسي جميل، كما سطرت أبوابها وعناوينها بماء الذهب، لتعتبر من أدق النسخ، واعتمدت كنسخة أم في تحقيق الكتاب.

وتضاف إلى ذلك مخطوطات لابن سينا ونسخة في الفلك بشرح الفارابي، ومخطوط لكتاب "الأخلاق" لأرسطو، وهي النسخة الوحيدة المترجمة إلى العربية، وإنجيل مكتوب باللغة العربية يعود إلى القرن 12 الميلادي.