"سردار أودهام".. محاكمة سينمائية للاستعمار البريطاني في الهند
"سردار أودهام".. محاكمة سينمائية للاستعمار البريطاني في الهند"سردار أودهام".. محاكمة سينمائية للاستعمار البريطاني في الهند

"سردار أودهام".. محاكمة سينمائية للاستعمار البريطاني في الهند

يقدم فيلم Serdar Udham (سردار أودهام) الصادر أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ملحمة ثورية تسلط الضوء على فظائع الاحتلال البريطاني في الهند وأحداث مذبحة "جاليانو لاباغ" بحق المواطنين الأبرياء.

وتركز أحداث العمل على سيرة حياة المناضل سردار أودهام سينغ، الشاهد على المجزرة عندما كان عمره 17 عامًا، لتترسخ في وجدانه مشاهد الجثث المكومة وإسعافه المصابين.

وأمام هول الكارثة، يقرر أودهام الانتقام لأهل بلده من الغازي الأجنبي، لتبدأ رحلته الثورية، ويسافر إلى بلدان عدة لتأمين الأسلحة النارية، والتواصل مع رموز المقاومة الشعبية.



لمحة تاريخية

وتعود أحداث المذبحة إلى العام 1919، في مدينة أمريتسار شمال الهند، إذ فتح جنود بريطانيون النار على تجمع من المواطنين الهنود في حديقة عامة بأمر من مجرم الحرب العميد ريجنالد داير.

وتختلف الروايات التاريخية حول أعداد الضحايا، ولكنها تكاد تجمع على أن عدد الضحايا تجاوز 375 شخصًا.

انتقام

وكان اعتقال أودهام مدة 5 أعوام حافزا لتعزيز نزعة الانتقام لديه، فهو الشاهد على المجزرة ومن عانى ويلات الاعتقال لمطالبته بالحرية والكرامة وسيادة القرار الوطني في وجه أكثر الأنظمة فسادا واستبدادا في عصره.

ويصل أودهام في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي إلى العاصمة البريطانية لندن، وهو متخم بكراهية الظلم والإصرار على استعادة كرامة البلاد.

ويجهز خطة محكمة للانتقام ممن تسببوا في المجزرة، ليأخذنا المخرج في رحلة طويلة بين عواصم العالم، من براري روسيا الباردة، إلى أزقة لندن الضبابية، وشوارع البنجاب الملطخة بالدماء، لإيصال شعور المعاناة والصبر إلى المُشاهد ومعنى أن يفني شخص عمره في سبيل إثبات وجهة نظر.



التمرد

ويبرز في كل جزء من تفاصيل الشخصية الرئيسة؛ الثائر المهووس العنيد الذي يريد إحياء الروح المحطمة للهنود ورد الاعتبار وإيصال رسالة قوية إلى المستعمر.

ويوصل العمل رسالة عن أهمية الثورة والتمرد والنضال من أجل أدنى مقومات الحرية المغلفة بشعور وهمي يخبر الجميع أن الحياة طبيعية وكل الأمور على خير ما يرام.

وعلى عكس الحكايات الثورية الأخرى التي تتمحور حول الأعمال الوطنية والثورة ضد نظام معين، يقدم العمل نظرة أممية عن أهمية التمرد في جميع المجتمعات، التي تُعاني من النير والعنف والاضطهاد وقمع الحريات.

تجديد وابتكار

ولم يلجأ المخرج إلى حيل التصوير الذكية أو رواية القصة بشكل سردي، بل عمد إلى تنويع مناطق التصوير وتجسيد الرحلة بأدق تفاصيلها لنقل صورة الواقع المرير.

وتجنب المخرج مشاهد الدراما المكثفة كنوع من التجديد، ولم يعمد إلى تصوير البريطانيين بجانب وحشي مطلق، مبتعدا عن الابتزاز العاطفي المترافق مع هذا النوع من الأعمال الوطنية.

وغابت عن العمل الأغاني الحماسية والشعارات الشعبية و"عويل" المظلومين، وبتجنب هذه العناصر، يبدو أن الفيلم نجح في تنحية الملل والرتابة.



مشهد مؤثر

ولكن الإشباع العاطفي تجسد في مشهد القتل الجماعي، لنصل إلى قشعريرة تلامس الوجدان البشري، وسط تركيز المخرج على أدق التفاصيل بشكل واقعي جدا.

وعلى الرغم من إيقاع الفيلم البطيء نوعا ما، فهو متناغم مع الحدث والحقبة التاريخية وثورة شعبية امتدت لنحو 21 عامًا، دون حشو تراجيدي أو درامي رومانسي أو إفراط في الشرح، مع تجسيد الشخصيات معاني الحزن الدفين دون مبالغة في الأداء.

تفاصيل

ومثلت المجزرة بداية المقاومة ضد القوانين الاستثنائية للحكم الاستعماري، وتركت ندبة دائمة في العلاقات الهندية البريطانية، وكانت مقدمة لظهور المهاتما غاندي بالتزامه الكامل بالقضية القومية الهندية والاستقلال عن بريطانيا.

وخوفًا من تفاقم الأوضاع وتنامي روح المقاومة، استغلت الحكومة الاستعمارية الفرصة، التي أتاحتها الحرب العالمية الأولى، لتقديم قانون الدفاع عن الهند عام 1915، ليتولى التاج البريطاني السيطرة المباشرة على المستعمرة الثرية.

وبسبب نضال أودهام، تقدمت بريطانيا بالاعتذار من الهند بعد مرور 100 عام على الحادثة؛ وأكدت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي، أمام مجلس العموم، على أن المجزرة كانت "وصمة عار في تاريخ بريطانيا في الهند".

وخلال زيارة ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني السابق، إلى موقع الحادثة، وصف ما حصل بأنه "أمر مخز للغاية"، لكنه لم يقدم اعتذارًا رسميًا.



حفاوة نقدية

وقالت الناقدة الهندية سويتا كوشال، إن "فيلم سردار أودهام أحد أفضل الأفلام الهندية لعام 2021، التي تحاكي الأعمال العنصرية والثورة ضد الاضطهاد والعنف واتحاد القوى الثورية لمحاربة النظام الأبوي، وتحقيق الحرية والعدالة ورد الاعتبار المفقود"؛ وفقا لموقع "فوربس" الأمريكي.

ونال الفيلم استحسان شريحة من المتابعين، معتبرين أنه فيلم خالد ويستحق الحصول على جوائز عالمية، في ظل متانة السيناريو وقوة الحبكة والتجسيد المتقن للواقعة التاريخية.

وامتاز الإخراج بالسلاسة بعيدا عن التكلف، وسط سرد مشوق وحوارات جذابة، مدعومة بتصوير احترافي وكوادر جميلة، ليحقق العمل عنصر الجذب المطلوب مقدما لوحة فنية متماسكة الأركان.

والعمل من إخراج شوجيت سيركار، وشارك في بطولته فيكي كوشال، وبانيتا ساندو، وأمول باراشار، وشون سكوت.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com