فيلم "الأصليين".. يقدم مجموعة أفكار حول الذات والمعرفة والآخر
فيلم "الأصليين".. يقدم مجموعة أفكار حول الذات والمعرفة والآخرفيلم "الأصليين".. يقدم مجموعة أفكار حول الذات والمعرفة والآخر

فيلم "الأصليين".. يقدم مجموعة أفكار حول الذات والمعرفة والآخر

يقدم المخرج المصري مروان حامد، بالتعاون مع الكاتب أحمد مراد طرحا خياليا جدليا، يتقاطع مع الواقع، ويبرز العديد من التناقضات والإسقاطات الدينية والاجتماعية، بما فيها الأثر الاجتماعي على الفرد في الفيلم الخيالي الدرامي "الأصليين"، المعروض حديثا على منصة نتفليكس.

قدم الفيلم، لمدة ساعتين، وجبة دسمة من الأفكار حول الذات والمعرفة والآخر، من خلال توصيف العلاقات المتشابكة بينهم، فالإنسان دون معرفة يصبح مجرد أداة في يد الآخر الذي يمتلكها.

كما أن المراقبة التي يتعرض لها الفرد في المجتمع هي الأداة الأكثر قسوة في طريقه، وهي التي تجعل الحرية صندوقا يتم من خلاله تدجين الإنسان، وهي الفكرة التي يبدأ المشهد الأول من خلالها بتصوير دجاجات مذبوحة ومغلفة بأكياس نايلون، ومصففة، ويطرح المشهد فكرة الخضوع للنظام الدائم المعد من قبل الآخر، وبأن هذا النظام لا يطبق على الحيوانات فقط، بل على الإنسان، فيتحول إلى شخص مُدجن، مهما حاول الهرب، لن يستطيع.

في المشهد التالي، يظهر سمير عليوة "ماجد الكدواني" وهو موظف بنك، خدم في وظيفته لمدة 15 عاما، وتظهره قصة الفيلم في شكل نمطي للإنسان في القرن الحادي والعشرين، حيث العمل كالآلة وصراعه مع متطلبات العائلة والمصروفات الباهظة على المطاعم والعمليات التجميلية للزوجة وتجسدها "كندة علوش"، ومتطلبات الابنين.



جذب

وتبدأ لحظة الجذب في الفيلم عندما يتم فصل سمير من عمله، ووصوله لمرحلة تصفير حسابه البنكي، وخلال رحلة البحث عن عمل آخر، يدخل عنصر مثير للغموض والتشويق في الأحداث، فيتلقى هاتفا محمولا في صندوق، يطالبه بوضع بصمته، فيدخل للنظام ليرى مشاهد مصورة تلخص كل حياته، وتكشف عن أنه كان يخضع للمراقبة من آخر.

ويخضع سمير للابتزاز المالي والشخصي ويقبل بالعمل مع رشدي "خالد الصاوي" الذي يدّعي كذبا بأنه من جماعة تدعى "الأصليين" وهدفها حماية روح الوطن.

خوض سمير لهذه الرحلة من التحول من خاضع للمراقبة إلى مراقبة الآخرين، جعلته يكتشف ذاته، ويفكر في كيفية الخروج من نظام التدجين المستمر في حياته، حيث إن كل شخص مراقب في العالم، حتى الذي يراقب، هناك من يراقبه أيضا.

سيناريو أحمد مراد الذي يكتبه خصيصا للفيلم، هو تجربة غنية بالمفاهيم الجدلية، وينقل صراعا مستمرا للإنسان مع القوالب التي يعيش فيها، اجتماعيا، ودينيا، ويفتح الباب أمام مراجعة الذات والجماعات، ومحاولة خوض تجربة تحررية، من أجل الوصول للمعرفة.

المعرفة في هذا الإطار لا تتعلق باكتساب المعلومات حول العالم من حول الإنسان فقط، وإنما خوض تجربة اكتشاف الجواني الإنساني، ومعرفة تفاصيل تكويننا السرية، والتي لا تظهر طالما أننا نخضع لفكرة التدجين.



منحنى الشخصيات

وعن طبيعة التحول التي طرأت على شخصية سمير، حيث يبدأ المنحنى الدرامي الشخصية بكونه جسما ساكنا، يخضع لنفس النظام الرأسمالي يوميا بعمله لمدة 15 عاما في البنك، لكن لحظة التحول من خلال استغناء البنك عن خبرته، ودخوله في معترك آخر، نقله إلى التفكير في أثر القوالب على طبيعة الإنسان، وكيف أنها على المدى البعيد تتحول إلى معيقات قاتلة للشخصية.

ويظهر التحول في نهاية الأحداث، بقبوله لابنته ليلى بدخولها معهد السينما إذا كانت ترغب، وانطلاقه إلى مساحة أوسع، في صدر الصحراء الرحب في الواحات المصرية، وإنشاء قريته السياحية الصغيرة، لتحفيز اكتشاف حضارة مصر الفرعونية.

وتبدو شخصية رشدي أباظة، ومن الواضح أنه اسم مزيف لشخصية لا تمثل شخصا بعينه، وإنما تمثل جسد المجتمع بأكمله، حيث يمارس سلطة مراقبة الآخر بدافع غير مبرر، لكنها فكرة السيطرة من أجل الفضول، والتحجج بالحماية الاجتماعية والاحتضان للأفراد، لكنها وبشكل مغاير قتل للحرية داخل الفرد.

ويظهر ذكاء الكاتب في هذا الإطار، بإظهار الفارق بين الشخصيتين، فتحول سمير بدا واضحا، لكن شخصية رشدي تشير إلى تحجر المجتمع وعبر مفعول الزمن، يحتاج إلى متغيرات كبيرة وصدمات أخلاقية واجتماعية، حتى يتم التغيير، فنجد وبعد مرور ثلاث سنوات، بأن رشدي يصمم على اعتقاده بأن الإنسان مهما حاول أو اعتقد بالهروب من نظام التدجين، لكنه فقط يظن ذلك، وأن هذا مرض يصيب الجميع، بالاعتقاد بالقدرة على الهروب من المزرعة التدجينية، ليضع مراد بذلك نهاية جدلية، تجعل مع محاولته، فقط عرضا تجريبيا لأفكار تخطر في بال الكثير، لكنها معقدة في الطرح للنقاش.



موسيقى

الموسيقى التصويرية لهشام نزيه بدت من أهم العناصر، بإضافتها الزخم للمشاهد، وصناعة حاضنة فنية، خلال لحظات الصراع والصمت للممثلين، وعبرت عن لحظات السقوط والأمل والخوف والحب والشغف إلى التحرر في لحظات عدة.

وظهرت كندة علوش في دور جديد فيه شيء من الكوميديا، بينما أتقنت منة شلبي دورها، بظهور أنيق في دور ثريا، التي تخضع للمراقبة من سمير بتوجيه من الأصليين، فيكتشف من خلالها معرفة حضارته الفرعونية.

ماجد الكدواني وخالد الصاوي كانا الأكثر ظهورا في الفيلم، وقدم الكدواني دورا يبدو مكررا لديه، لكنه كان مقنعا، فبدا محافظا على الهدوء المطلوب للمشهد، حتى انفعالاته، كانت محسوبة بشكل يجسد قدرته التمثيلية، أما الصاوي، فكان دوما يقدم بطريقته الساخرة عناصر إضافية للشخصية، من خلال إيماءاته وطبيعة نظراته التي تجعل من المشهد أكثر قوة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com