في فيلم الدراما والخيال العلمي"البِرْكة".. هل الإنسان إلى الوحشية من جديد؟‎
في فيلم الدراما والخيال العلمي"البِرْكة".. هل الإنسان إلى الوحشية من جديد؟‎في فيلم الدراما والخيال العلمي"البِرْكة".. هل الإنسان إلى الوحشية من جديد؟‎

في فيلم الدراما والخيال العلمي"البِرْكة".. هل الإنسان إلى الوحشية من جديد؟‎

يستعرض المخرج اليوغوسلافي "بيتر باسيك" مستقبل نفسية الإنسان في تعامله مع القضايا من حوله، منبئا باتجاه البشر إلى الوحشية من جديد، في فيلم "The Pond" المنتج أمريكيا 2021.



إذ تتمحور الحبكة الدرامية للفيلم، حول ذهاب بروفيسور في علم الإنثروبيولجي إلى جزيرة نائية، بعد إيقافه عن العمل في الجامعة، لاكتشاف تبينه قناعات تثير الشك في وجود خلل عقلي لديه. ومن هناك يتابع البروفيسور عمله ويواصل أبحاثه من خلال تأملاته في تلك المنطقة. وتتابع الهيئة الجامعية التواصل معه بهدف متابعة حالته النفسية المخيفة، وما أودت إليه خطى بحثه.

وفي المشهد الافتتاحي للفيلم، تلتقط الكاميرا من السماء، مشهدا لأرض قاحلة محترقة، يمر عبرها إنسان بخطى بطيئة، ولما تقترب الصورة الطائرة من الأرض، يظهر رجل منهك شاحب الوجه، بلِحية مُطلقة، فيما تتضح معالم الخراب والتدمير في المكان. هذه المشهدية الافتتاحية أعطت تلميحا عن الحالة الدرامية الداكنة التي سيعكسها الفيلم من البداية.

وحول رؤية الفيلم، فإنه يطرح حوارا وجوديا فلسفيا، حول سبب مجيء الإنسان للعالم، وكذلك سبب رحيله من بعد. كما ويناقش التحول في طباع الإنسان نحو الوحشية والقتل والدمار، والأنانية، ويتجسد هذا الطرح الدرامي الخيالي، بأدوات عدة يستخدمها المخرج، منها استخدام الأقنعة الموحشة على رؤوس الأطفال، وأغصان الشجر التي تغطي رؤوس شخصيات أخرى في المكان، وكذلك الدمى الممددة على الأرض، المشكلة من الأغصان الجافة، والمغطى جسدها بالملابس. كل هذا في محيط برْكة مصطنعة، مشهورة في الجزيرة بغموضها، واحتوائها على سمكة متوحشة.

فيما يصاحب تلك التشكيلات الفنية المعروضة مؤثرات صوتية وموسيقية تبعث القلق والترقب، في الأحداث المستمرة لمدة 93 دقيقة.

جذب وغموض

عنصر الجذب في الفيلم يتكلل في الشيء المفقود الذي يلاحقه البطل، فأدواته البحثية لا تتوقف عن التقاط المشاهد المثيرة، لدمجها ضمن خطة بحثه. كما ويتحقق عنصر الغموض في حالة التيه التي تصاحب شخصية البطل، وابنته الطفلة غابراييل. فكلاهما يرى وحشا يظهر في زوايا متعددة في المكان، لكن سرعان ما يختفي.



هذا الغائب المستمر في خبايا الفيلم يطرح عدة أسئلة حول الحالة النفسية التي يهدف إليها المخرج في صراع الإنسان مع أسئلة الوجود العالقة، والرواسب الفكرية المواكبة لذلك. وجميع هذه المشاهد السوداوية تدور حول مركز وحيد، ألا وهو الموت. فكان من أسس البحث الذي يصبو إليه البروفيسور، تفسير موت الإنسان، للتمكن بعد استعادة زوجته الراحلة.

شخصية واحدة

أما في بنية الفيلم، فإنه من الممكن اعتباره دراما الشخصية الواحدة، المحملة بأوجاع الحياة، وقضاياها المتراكمة، هذه البنية، تتيح المجال لتأويل يقضي بأن شخصية البروفسيور هي الشخصية الواقعية الوحيدة في الفيلم، وكل الشخصيات التي تتناثر عبر التسلسل الكرونولوجي للفيلم هي خيالات تمر في الذهن، نتيجة للصراعات والتناقضات داخله.



رموز

في الفيلم، أسئلة عديدة يتم طرحها ضمن سياق حواري بين الشخصيات، تفتح الباب أمام المزيد من مراقبة الإنسان لتكوينه الجواني، وكذلك البحث عما يدعم ذلك في الطبيعة. فيطرح السيناريو السؤال حول مدى مقدرة الإنسان على رؤية مجمل الحياة، ويؤكد أن الحواس البشرية بحاجة إلى تطوير مستمر لتجربة العالم. كما وينير كاتب السيناريو "دوسان بوليك" حول وجود رموز تعمل في كل مكان، وفق نظام يعمل دون إرادة الإنسان، فيما يذهب إلى اعتقاده بأن الكون هذا، يعمل وفق دوائر متداخلة، يغرق الإنسان داخلها، ولا تمر في الأفق صدفة، وإنما وفق خطة معدة مسبقا.

بطء

يؤخذ على باسيك، البطء الشديد في سير عربة الأحداث، والقيام بتكرار ثيمات تصويرية داخل السياق الدرامي، وهو ما يفسد لحظات الترقب والجذب في كثير من المرات. وما ينقذ شاشة الفيلم من هذه الثغرات، وجود صوت قوي في خلفية الحدث البطيء، متعلق بنتيجة هذه الرحلة العلمية الخيالية، والموصولة بتراكمات نفسية حول علاقة الإنسان بالعالم.



شيزروفينيا

أما شخصية البروفيسور التي يجسدها "ماركو كناديا" فبما تحمله من عوالق نفسية، وخبرات حياتية، وصلت إلى حافة المرض النفسي، جاءت معقدة. فكانت التهيئات التي يرصدها، تنم عن شيزروفينيا، تفقده الأهلية لإتمام البحث، لكن هذا يحمل بعدا فنيا، يعطي تلميحات حول مستقبل الإنسان على هذا الكوكب، فهل اقتربنا من زمن الأقنعة المقرفة، ووحشية الأسماك؟ وكيف ستكون الحضارة والتكنولوجيا بوابة لكشف أكثر واقعية، لما يدور في عقل الإنسان!



لقد أعطى "كندا" لتكوين الشخصية المزيد من التواجد، من خلال مقدرة على تشخيص الحالة المنهكة لرجل موقوف عن العمل، ويحمل عبء اقترابه من حافة الجنون، وفي جانب آخر من عقله، اكتشاف سر من أسرار الطبيعة يرى من خلاله المستقبل. فكانت المشية المنهكة، والصوت الحزين، والعيون المرهقة، بالإضافة إلى الإيماءات والتفاعل الحسي مع المواقف، من أسرار بقاء الجذب كعنصر داخل الفيلم.

صراع

أما الصراع العقلي الأبرز في الفيلم فكان حول لعبة الشطرنج، مع شخصية دون اسم، جسدها "بولي موراي". فكان ظهوره ملفتا، حيث قدمه السيناريو آكلا مستمرا لقطع السكاكر، بهدف تسريع عقله. وقدم من خلال لعبه المستمر للشطرنج مع البروفيسور جدلا حول هزيمة الإنسان المستمرة في الحياة أمام الأحداث، وعبر عما يحمله المرء من غلٍ لدوام انتصار خصمه عليه. وقدم أيضا فلسفة انتهاء جبروت الإنسان مهما طالت، بعبارة "كش ملك".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com