"قيرّة".. فيلم يسلط الضوء على "الإسلامي السياسي" في تونس
"قيرّة".. فيلم يسلط الضوء على "الإسلامي السياسي" في تونس"قيرّة".. فيلم يسلط الضوء على "الإسلامي السياسي" في تونس

"قيرّة".. فيلم يسلط الضوء على "الإسلامي السياسي" في تونس

أثار الفيلم الروائي الطويل "قيرة" للمخرج فاصل الجزيري جدلًا في الساحة الثقافية في تونس، بعد سلسلة العروض التي قدّمها الجزيري وأظهر من خلالها قدرة عالية على استبطان أحداث ووقائع تاريخية مثّلت منطلقًا لقراءة الواقع الحالي بمختلف تفاصيله ودقائق أموره.

ويحكي الفيلم في 115 دقيقة، رحلة داعية اسمه "بوزيد"، ادّعى محاربة الظلم وتحول إلى طاغية متعطش للدماء، وهذه الشخصية هي انعكاس لقصة أبي يزيد بن خويلد الكدادي المعروف باسم "بوزيد صاحب الحمار"، الذي قاد في القرن الرابع للهجرة ثورة في ظاهرها ذات بعد اجتماعي، لكنها تستّرت بالدين وانحرف بها صاحبها عن مقاصدها وطوّعها خدمة لأطماعه الذاتية.

هذا المنطلق التاريخي اعتمده الجزيري مادة أساسية لفكرة الفيلم وأخرجه من ثوبه التاريخي ليؤقلمه مع طبيعة الواقع التونسي الراهن، معتمدًا على دلالات رمزية في الزمان والمكان لنقل ما آلت إليه الأوضاع في تونس بعد الثورة التي عاشتها في 2011، والتي اعتبر الجزيري أنها "فشلت كما فشلت ثورة صاحب الحمار".

وتدور أحداث "القيرة" (أي الحرب) في ثلاثة أماكن لها رمزيتها، هي: "معلم القصبة" بالكاف الذي شيده العثمانيون سنة 1600 ميلادي، و"مائدة يوغرطة" ذاك المرتفع الذي احتمى به القائد النوميدي يوغرطة من الرومان، وجامع عقبة بن نافع بالقيروان ورمزية هذه المدينة كمهد للحضارة الإسلامية في البلاد، بينما تم إسقاط هذه المعالم التاريخية على الواقع التونسي الراهن، وتجلى ذلك من خلال ملابس الشخصيات والأسلحة المستخدمة والسيارات العصرية ووسائل الاتصال الحديثة والرقمية.

ونجح الجزيري في إيجاد الخيط الرابط بين هذه الأماكن برمزيتها التاريخية وقصة "ثورة صاحب الحمار" وبين الواقع الحالي، فأسباب قيام ثورة صاحب الحمار أوردها المخرج في حركة تقاطع مع أسباب قيام ثورة 2011، وما آلت إليه إلى ما سماه "ديكتاتورية الإسلام السياسي".

والفيلم كما يحيل إليه عنوانه فيه كثير من الحركة الدالة على العنف بأنواعه النفسية والجسدية، ويتضمن لقطات تُظهر بشاعة العنف المتستر بالدين، حيث وظف المخرج اللقطات القريبة في الفيلم ليغوص في أعماق الشخصيات ويبرز بشاعتها في إدارة شؤون الدولة التي تحكمها المصالح الذاتية الضيقة، وتوزيع المناصب استنادًا إلى القرابة لا إلى الكفاءة، واستغلال أجهزة الدولة، مشيرًا في كل ذلك إلى تشابه ما آلت إليه الثورة الأولى مع ما آل إليه الوضع تحت حكم "الإسلام السياسي في تونس، عقب ثورة 2011، خصوصًا من حيث استشراء الفساد والسرقة وغياب العدل وانتشار الظلم وتفاقم الفقر والجوع".

و"قيرة" الذي استلهم من وقائع تاريخية عاشتها تونس قبل قرون طويلة، يسعى إلى دفع التونسيين إلى التفكير في مصير ثورتهم وإلى قراءة التاريخ ومحاكمة من كان سببًا في الانتكاسة التي تعيشها البلاد، بحسب تقديره، وهو بذلك لا يخلو من رسائل سياسية لاذعة مسّت خصوصًا حركة "النهضة" التي تتبنى رؤية "الإسلام السياسي"، وطبّقتها كتجربة سياسية في تونس ما بعد ثورة 2011.

الأكثر قراءة

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com