عشب لا يمكن اقتلاعه.. عاطفة المخرج الأمريكي سين أندريس فيInstant family
عشب لا يمكن اقتلاعه.. عاطفة المخرج الأمريكي سين أندريس فيInstant familyعشب لا يمكن اقتلاعه.. عاطفة المخرج الأمريكي سين أندريس فيInstant family

عشب لا يمكن اقتلاعه.. عاطفة المخرج الأمريكي سين أندريس فيInstant family

إن المشاعر الإنسانية هي جسر عصي على الهدم، فهي المساحة التي يمارس فيها الكائن وجوده، ويعبر بواسطتها عن تكوينه المتشكل من خلال احتكاكه بمن حوله، لذا يتفانى الإنسان بكل ما يملك من أجل التمسك بها وإثباتها.

تظهر تلك الخاصية العجيبة في الفيلم الدرامي الاجتماعي "Instant family للمخرج الأمريكي سين آندريس، والذي تم إنتاجه أواخر 2018، وهو الفيلم الذي يقدم قصة حقيقية شارك في كتابة السيناريو لها، سين أندريس، وجون موريس.

يناقش الفيلم قصة زوجين أقدما على تبني ثلاثة أطفال من خلال التواصل مع بيت التبني، إحدى هؤلاء الأطفال مراهقة تدعى "ليزي"، ويكون على الزوجين احتضان الأطفال في بيتهم لفترة، من بعدها يتم تقييم إمكانية الاستمرار في نسج العائلة الجديدة من عدمه.

ويقدم الممثلون مارك والبرغ، القائم بدور الأب، وروز بيرن، القائمة بدور الأم، وإيزابيل مونر القائمة بدور المراهقة، تلك الشخصيات كأبطال لأحداث الفيلم.

ويخوض الزوجان رحلة من العطاء الأبوي مع الأطفال، يقومان من خلالها بإعطاء الأطفال كافة الأمور المطلوبة لبث مشاعر الحب والدفء المتطلب في أي محيط عائلي، وتواجههم العديد من المشاكل اليومية مع الأطفال، المتعلقة بطباعهم، وطعامهم، والسلوكيات مع المجتمع.

ويتم الاجتماع بشكل دوري مع إدارة بيت التبني، لإطلاعهم على التفاصيل والمشاكل التي تواجههم في تربية الأطفال، وتكون لحظة الصراع بخروج أم الأطفال الثلاثة من السجن، ومطالبتها بضم الأطفال مجددًا لحضانتها، هو الشيء الذي يثير استياء الزوجين، بعد أن أصبحت الخيوط مع الأبناء من الصعب قطعها، لكن المراهقة ليزي تكون نقطة الدعم لأمها الحقيقية، فهي من تدعم موقف أمها في المحكمة، وتقدم دلالات للقاضي على تقصير الأبوين البديلين وسط أحاسيس صعبة من الأبوين البديلين، وكذلك الطفلين الصغيرين، عدا المراهقة ليزي، تتخلف الأم الحقيقية عن موعدها لاستلامهم، وتتعذر بعدم القدرة على متابعة أمورهم، وأخيرًا يحكم القاضي بتثبيت انتساب الأطفال للعائلة الجديدة.

بالرغم من أن الممثلين للفيلم هم ليسوا من نجوم الصف الأول، إلا أن التفاعل والإيماء الجسدي، كان غاية في الإذهال، فلن تجد في الفيلم موطئًا من الضعف التشخيصي من قبل الممثلين، فلقد كان الأب بيتر شخصية بملامح أب محافظ، اتسمت حركاته بالرزانة والدفء، في مواقف عدة جمعته بالأطفال. ولقد كانت الأم إلي الشخصية غير الواثقة بنفسها، التي تطمح لامتلاك عائلة بكل ما تمتلك الصيغة من مفردات.

أما ليزي فهي الشخصية المراهقة التي لا حدود تقيدها، بالعند كانت تقابل كل المواقف مع الأبوين، كانتقام ذاتي من أحداث متكررة في حياتها أوصلتها للعائلة البديلة.

تمضي أحداث الفيلم خلال أقل من عام، يتحكم المخرج خلالها بإيقاع الأحداث في الفيلم بين المسار الطبيعي والتسريع، من خلال اصطحاب مشاهد تفاعل الأبوين مع الأطفال في الرحلات الترفيهية بأغنية.

وينجح المخرج في تقديم لفتات إخراجية تجعل العمل يمتلك حسًا ممتلئا بالدفء تارة، وبالحزن تارة. إنه دفء يدور فيه أفراد العائلة الآمنة، أما الحزن فهو كهف يلقي الإنسان بنفسه فيه، لحظة الخطر من أن يذوب ذلك الأمان.

يقدم لنا المخرج لمحة تحلم بها أي أم وأي طفلة في الوضع الطبيعي، وهي حين تقوم الأم البديلة بتمشيط شعر ليزي المراهقة، بينما تنهمر دموع ليزي، فلطالما افتقرت لهذه اللحظة الإنسانية البسيطة في الحركات، لكنها عظيمة في مدلولها.

ويقدم المخرج في موضع آخر طريقة للتربية بفكرة يمنحها الأب البديل بيتي، لابنته ليزي، حيث يصطحبها لبيت يملكه، ويقوم بتكسير الأشياء من حوله، كنمط تعليمي لتفريغ الغضب، وإخلاء الجسم من المشاعر السيئة.

في موضع مغاير، تتجسد العاطفة الأمومية بمنحها الحنان للأبناء، حين تقوم الأم البديلة بالاطمئنان على خوان الصغير بعد كابوس ليلي، وتقوم بتقبيله، فيجيبها: "شكرًا ماما"، كلمة تلقتها بدهشة وطالبته بإعادتها، وهي الكلمة التي تطمح إليها كل من تحلم بالأمومة.

أكثر لحظات الفيلم تأثيرًا وقتما اقترب ميعاد قدوم الأم الحقيقية لاستعادة الأطفال، جو من الحزن القاتم، حتى ليزي تأثرت بذلك، تلك المشاعر التي يبذرها الإنسان بالعيون والأحاسيس، وحين تنبت كالعشب داخله، يكون من الصعب التخلص منها، لقد كان المخرج جادًا في عمله، لتقديم خليط من الحس الإنساني الذي قلما نلمسه في السينما الحديثة.

المشهد الأخير للفيلم كان بمثابة لوحة فنية رائعة، حرص المخرج على ابتداعها، بأن قام بتجميع جميع الأسر البديلة الحاضرة إلى المحكمة، في صورة جماعية مع القاضي، هي فكرته السامية، التي طمح إليها، العائلة كتركيب إنساني، هي اللوحة الشخصية التي نعرف فيها الأمان.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com