أعمال تحت خط النار.. روائيون بين مطرقة الإرهاب وسندان الرقابة
أعمال تحت خط النار.. روائيون بين مطرقة الإرهاب وسندان الرقابةأعمال تحت خط النار.. روائيون بين مطرقة الإرهاب وسندان الرقابة

أعمال تحت خط النار.. روائيون بين مطرقة الإرهاب وسندان الرقابة

يقف الروائيون في الطرف الآخر من خندق الحياة، شاهرين أقلامهم وأوراقهم المبعثرة، في ليل كئيب، بجوار العشرات من فناجين القهوة الفارغة، يواجهون عدواً شرساً دينه الغدر والقتل، ودستوره الإرهاب وترويع أبرياء كل جنايتهم أن حظهم العاثر أوجدهم في هذه اللحظة التاريخية الحزينة، وهي لحظة الانفجار، فتحولوا لضحايا على يد إرهابيين.

تصاعد الدخان الأسود الكثيف في سماء صافية، الوجوه المتعبة أو المختنقة، الأموات الأحياء، كل تلك المشاهد كانت دوماً خلفية، وأرضًا بكرًا للعديد من الروايات العربية التي تناولت العنف، وتعمقت في تقديم شخصية الإرهابي، وكيف مضى في طريقه، فيما عرضت بعض الروايات لما يفعله الإرهاب في المجتمع، وأي دمار ينتج عنه في تسجيل بارع، عبر صفحاتها.

ظهرت شخصية الإرهابي على استحياء في الروايات العربية مطلع، السبعينيات والثمانينيات، وتم تقديمها كشخصية تحمل جوانب نفسية متشابكة بداية من الفهم الخاطئ للدين والعقيدة، ونهاية بالجهاد الأعمى لما يؤمن به ويقدسه، ثم أصبح الإرهاب موضوعاً بارزاً في العديد من الروايات، بعد العام 2001 في أعقاب تفجيرات 11 سبتمبر التي استهدفت برجيْ التجارة بمدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية.

وتنبأت العديد من الروايات العربيات بموجة الإرهاب التي اجتاحت فترة السبعينيات من القرن الماضي، والتي انتهت باغتيال الرئيس المصري أنور السادات، وكيف سيصير الإرهاب أداة تستخدم ضد المجتمع.

البداية لأول عمل روائي مؤسِس لتاريخ ظهور الحركات الإرهابية كان للكاتب فتحي غانم في روايته الكاشفة "الأفيال"، التي يقوم بناؤها الفكري على رفض المجتمع وتكفيره، فمن خلال شخصية "حسن"، وعلاقته بالجماعات الدينية، قدّم غانم نموذجاً للوسائل التي مكّنت من سريان الفكر الإرهابي وانتشاره، وكيف يتغلغل في أفكار الشباب ويؤثر عليهم.

أما رواية فتحي غانم الثانية، التي تناولت أيضاً شخصية الإرهابي فكانت "تلك الأيام"، عبر شخصية "عمر النجار"، حيث يكشف غانم كيف أن هذه الشخصية العنيفة والدموية هي النتاج الطبيعي للعنف والفقر والجهل والقمع السياسي والديني.

ووصف الناقد الكبير جابر عصفور، رواية غانم، بقوله: "لم يتناول روائي أساليب الجماعات الإسلامية لاستقطاب الشباب وتحويلهم من كائن بسيط إلى متطرف ديني، يسمع فيطيع ويؤمر بالقتل فيقتل، مثلما فعل فتحي غانم".

ويعد السرد الروائي الجزائري حول ملف "الإرهاب"، حالة استثنائية وشديدة التميز، نظراً لكون الجزائر من أكثر البلدان العربية، التي اكتوت بنيران الإرهاب، لذا كان من الطبيعي حضور الإرهاب في الإبداع الروائي الجزائري، كما نجد في رواية "الزلزال"، لطاهر وطار التي نُشرت للمرة الأولى في بيروت العام 1974، واعتبرها النقاد من الروايات التي تنبأت بتصاعد الأعمال الإرهابية، التي تتخذ من الدين ذريعة لارتكاب أفعالها.

ففي رواية الجزائري الكبير واسيني الأعرج "مملكة الفراشة"، يبدأ بإهداء يشير فيه إلى الحرب على الإرهاب جاء فيه: "الحرب ليست فقط هي ما يحرق حاضرنا، ولكن أيضاً ما يستمر فينا من رماد حتى بعد خُمود حرائق الموت، لكل فراشة احترقت أجنحتها الهشة، وهي تحاول أن تحفظ ألوانها، وتبحث عن النور في ظل ظلمة كل يوم تتسع قليلاً".

في هذه الرواية، وعبر أسرة جزائرية هي عائلة "سي الزبير"، يتتبع الكاتب مصير أفرادها، ويكشف ما فعل الإرهاب في حياة كل منهم، فالأم "فريجة أو فيرجي"، مُصابة بمرض نفسي تعيش حية جسدياً، لكنها منفصمة عن الواقع نحو واقع آخر، اختارت الفرار إليه في خيالاتها، والبطلة الساردة "ياما"، التي تمتلك صيدلية وتعمل بها، تعيش حياة تخيلية عبر "فيسبوك"، وقصة حب عظيمة تكتشف أنها وهم كبير.

والأخت التوأم لياما، تختار الهجرة إلى كندا والانفصال تماماً عن الجزائر، أما الأخ فيكون مصيره الإدمان بعد الفشل في تحقيق أحلامه، وينتهي إلى الموت بطريقة مجهولة، تتقاطع هذه المصائر في عائلة واحدة، مع الوطن الممزق نتيجة الإرهاب، لذا تشكّل هذه العائلة، نموذجاً مكرراً لبلد صعقه التطرف في أعماقه وفتت جذوره، وما يتركه من أثر في الحياة والروح.

أما الكاتب السوري مصطفى سعيد، فيبدأ روايته القصيرة "مغلق للصلاة" بحديثه عن انفجار هائل يقع في المدينة، دون تحديد اسمها، ومن الصفحات الأولى يتسلل الحضور الديني القوي عبر بطلة الرواية، التي تظل شبه مجهولة وبملامح غائمة، لكن حضورها السردي يتوازى في نهاية النص مع الإرهاب الذي تقوم به وتنفذه كأمر واقع، وفي هذا النص على خلاف الرويات الأخرى، قد يأتي الإرهاب على يد المرأة، فكما يستقطب الشباب للتطرف الفكري تستقطب الفتيات والسيدات لتنفيذ الأعمال الإرهابية.

في روايته الأشهر "أساطير رجل الثلاثاء" يكشف الروائي صبحي موسى النقاب عن تجربة الإسلام السياسي، عبر أشهر القادة الجهاديين من خلال التعرض لشخصيات مثل أسامه بن لادن وأيمن الظواهري، حيث تدور الأحداث في عدة أماكن ومدن من صنعاء إلى لندن وصحراء السعودية وأفغانستان.

ويصوغ موسى في روايته تجربة بن لادن منذ البداية وحتى النهاية، متوقفاً عند المحطات المهمة في حياته، إلى جانب تقديمه للشخصيات المؤثرة التي عاشت معه وشاركته تجربته مثل أبو سعيد، الذي يعتبر النواة المؤسسة لتنظيم الإخوان على مستوى العالم العربي والخارج، وهناك أيضاً الظواهري وانتماؤه لتنظيم الجهاد، تتضافر كل الشخصيات لتدعم التطرف، مع التوضيح أن المنشأ الفكري للإرهاب يعود لتنظيم الإخوان.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com