"حكايات شعبية من تونس".. كتاب يوثق ذاكرة "التراث الشفهي" للبلاد
يطرح الأستاذ والباحث التونسي الناصر البقلوطي في كتابه الجديد "حكايات شعبية من تونس" جملة من الأمثلة والحكايات والقصص المتداولة شفهيا، والتي تمثّل جزءا من التراث الشفهي المهدد بالاندثار، ويتطلب جهدا توثيقيا حفظا له ولحق الأجيال القادمة في هذا الموروث.
ويستحضر البقلوطي، في الكتاب الصادر مؤخرا عن دار الكتب الوطنية في تونس، حكايات الأجداد والجدّات، والروايات التي كان الحكواتي التونسي الشهير عبدالعزيز العروي يرويها عبر محطّة الإذاعة التونسية وتشدّ إليها الأسماع، وتهدف إلى ترسيخ قيم ومبادئ اجتماعية في أذهان الناشئة بشكل خاص.
وجمع البقلوطي شتات تلك الحكايات المرويّة شفهيا أو الموثقة من خلال تسجيلات صوتية، وضمنها في كتابه، الذي يحتوي 27 حكاية منها "السلطان والطير" و"الغول والثلاث بنات" و"زوجات السلطان" و"حبّة الرمان" وغيرها من الحكايات التي علقت بأذهان البعض، خصوصا من الأجيال السابقة وقد لا تعلم عنها الأجيال الجديدة شيئا.
ويضم الكتاب أيضًا مجموعة من الرسوم من ابتكار الفنان أسامة الطرودي تتماشى كل واحدة منها مع فحوى القصّة المرويّة.
يقول البقلوطي في مقدمة كتابه: "في هذا الكتاب نقدم عددا من الحكايات الشعبية التي وقع جمعها من مراجعها اعتمادا على التسجيل السمعي ثم النسخ في مدينة صفاقس خاصة وفي ريفها وفي مدينة قابس، وغيرهما، وقد تم نقلها كما وردت على ألسنة رواتها بالعامية التونسية".
وأوضح أنّ "الحكاية الخرافية الشعبية خطاب شفهي يجمع بين باثّ ومتلقّ ويؤسس تفكيرا ذاتيا ويجسد منظومة القيم التي تنظم علاقات أفرادها بعضهم ببعض ويعبر عن مشاعرهم ووجدانهم، وأن الحكاية الخرافية كلام منظّم له قواعد بنائية ترتب وحداته السردية ضمن بناء مضبوط ومحدد، وهو يعتمد على السحر والخوارق كمحرك للأحداث والأفعال".
وأشار البقلوطي إلى أن "نهايات الحكايات الخرافية هي أيضا ذات دلالات رمزية عميقة ينتهي بعض منها لمحكم وأقوال مأثورة، وبعضها الآخر بأمثال شعبية متداولة أو بعبارات تفاؤلية"، وفق تعبيره.
عالم عجائبي
وعلّق الدكتور والباحث في مجال التاريخ محمد حسين فنطر من جانبه بأنّ "عالم الخرافة هو عالم عجائبي تتجلى فيه تجربة الإنسان في أزمنة مختلفة، وفي الحكاية الشعبية نجد النماذج والعبر وتصورا للثروة والكسب والسعادة والبطولة، فيها نجد عطفا جزيلا على المستضعفين ممن لا حظّ لهم فيصارعون القدر ولا عتاد لهم سوى الإيمان فيستجيب لهم القدر"، بحسب قوله.
بينما قالت المديرة العامة لدار الكتب الوطنية الدكتورة رجاء بن سلامة، في تصديرها للكتاب، إنّ "لهذه الخرافات بعدا تطهيريا وعلاجيا، فهي تخلص سامعها أو قارئها، وإن كان طفلا، من دواعي العنف وإيذاء الآخرين، كذلك فإن هذه الخرافات خارج صورة الغول والغولة تقترب كثيرا من التعبير عن الواقع المعقد".
وأضافت: "لقد استهوتني غرابة هذه الخرافات، فهي تختلف إلى حد بعيد عن خرافات سمعتها وأنا طفلة في منطقتي الساحل والعاصمة، ولكن المهم هو أن في جمعها خدمة جليلة للثقافة وللذاكرة".
وتشهد تونس في السنوات الأخيرة عودة لافتة لفن الحكاية الشعبية، الذي يجد صدى له في المشهد الثقافي التونسي منذ مطلع القرن الماضي مع أدب علي الدوعاجي، مرورا بحكايات عبدالعزيز العروي، أحد أشهر الرواة التونسيين الشفهيين، وقد تولى العروي تسجيل وتوثيق عشرات الحكايات، وهي محفوظة في أرشيف الإذاعة والتلفزيون التونسي.
